تتعمد وسائل الإعلام الأجنبية التعامل مع قضايا الشأن المصرى بكثير من السوداوية والسلبية والترصد، بعكس تغطيتها للشأن التركي، وكذلك القضايا التى تتعلق بدولة قطر، أو تكون قطر طرفا فيها. ففى الوقت الذى يحرص فيه الإعلام الأجنبى على تصيد الأخطاء ونقل صورة شديدة السلبية عما يجرى فى مصر من أحداث منذ أكثر من عامين، مع تجاهل أى إنجازات أو أخبار إيجابية، نجده يتعامل بكثير من التأدب والاستحياء مع ما يجرى فى تركياوقطر، مهما بلغت أهمية الأحداث، وهو ما جعله يسقط فى فخ المعالجة غير المتوازنة، والتغطية التى تكيل بميكالين. ظهر هذا بوضوح من خلال اختفاء التقارير والأخبار والتحليلات التى تتعلق بالشأن القطرى من وسائل الإعلام العالمية، لدرجة أنه يمكن القول إن شهورا بكاملها يمكن أن تمر على المتابع دون أن يصادف تقريرا أو مجرد خبر عما يجرى فى قطر. ومن أبرز الأدلة على ذلك الخبر الذى بثته وكالات الأنباء الأجنبية آمس الآول الموافق 29 أغسطس عن قرار الحكومة القطرية بفرض رسم مغادرة قدره عشرة دولارات على المغادرين لمطار الدوحة، وهو الخبر الذى يمكن اعتباره أول أو أقرب شيء يتعلق بقطر منذ تقارير فضيحة عمال مونديال الدوحة 2022 التى لم يكن يمكن تجاهلها لارتباطها بحدث دولى مهم هو كأس العالم لكرة القدم 2020، وأيضا بقضية فضيحة الفساد فى الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا». وحتى خبر رسم المغادرة، لم تبثه فى سطور قليلة، ربما بهدف ألا يراه أحد، ولم يصاحب الخبر أى جانب تحليلى يتعلق بالتفسيرات السلبية لهذا القرار من حيث الأزمة التى يواجهها الاقتصاد القطرى من جراء تراجع أسعار البترول العالمية، علما بأن هذا هو ما انتهجته وسائل الإعلام الأجنبية مع أخبار مماثلة من دول الخليج العربى الأخرى مثل السعودية والكويت والإمارات، كما لم نر أى جانب تحليلى يوضح تداعيات قرار كهذا على استضافة قطر المزمعة لمونديال 2022. يحدث هذا فى الوقت الذى أفردت فيه وكالات «رويترز» و«الفرنسية» و«أسوشييتدبرس» مساحات واسعة للغاية لتغطية قرارات اقتصادية أخرى فى مصر بالذات، مع التركيز على المدلولات والنتائج السلبية الناجمة عن هذه القرارات، ومن الأمثلة على ذلك قانون الخدمة المدنية، وقانون ضريبة القيمة المضافة، وغير ذلك من القوانين التى أمعنت وسائل الإعلام الأجنبية فى سرد سلبياتها وتداعياتها «الكارثية» على الاقتصاد المصرى وعلى الفقراء. وعلى الرغم مما قد يقال إن قطر دولة صغيرة مقارنة بمصر، فإن هذا المنطق لا يمكن أن نجد له تفسيرا على أى حال مع التغطية الإعلامية الأجنبية للشأن التركي. فقد انتهج الإعلام الغربى موقفا «مسالما» للغاية تجاه الإجراءات القمعية التى ارتكبها النظام التركى بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وعلى الرغم من أن الأرقام الرسمية التى تعلنها الحكومة التركية تتحدث عن معتقلين عددهم يقدر بعشرات الآلاف، فإن وكالات الأنباء الأجنبية مثل «رويترز» و»الفرنسية» و»أسوشييتدس برس» وشبكة «سي.إن.إن» الأمريكية حريصة على وصف ما يمارسه الرئيس رجب طيب أردوغان من بطش وتنكيل بخصومه بأنه مجرد عملية «تطهير»، بينما تتحدث هذه الوكالات نفسها عن «القمع» و»الوحشية» عندما تصف حملة أمنية - مثلا - للسلطات الأمنية فى مصر لاعتقال إرهابيين أو مخالفين للقانون! والأسوأ من ذلك أن عملية «درع الفرات» فى شمال سوريا، لا توصف فى الإعلام الغربى حتى يومنا هذا إلا بوصف «الهجوم» أو «الغارات»، على الرغم من أن هذه العملية «غزو» صريح للقوات التركية للأراضى السورية، بل وعدوان عليها، ليست له أى أسانيد من القانون الدولي، ولم يحدث بتوافق دولى أو إقليمي، ولا بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، والسبب فى ذلك كله هو أن الغزو التركى يحظى بمباركة أمريكية، ودعم قوات التحالف. قطر فى عيون وكالات الأنباء العالمية دولة هادئة مسالمة لا مشكلات فيها، وربما تكون دولة ديمقراطية أيضا وتراعى حقوق الإنسان، ولا تنتهك حقوق العمال، بينما تركيا فى عيون هذه الوسائل الإعلامية التى يفترض أنها تتمتع بمصداقية ليست سوى دولة ديمقراطية لا قمع فيها ولا استبداد، مهما كانت قوانين أردوغان وإجراءاته ضد معارضيه وضد الإعلام وضد الحريات، وضد الأكراد. تركيا فى عيون الإعلام العالمى دولة تدار فى وجود تعددية حزبية، حتى وإن كانت أحزاب المعارضة فيها أحزاب «كارتونية» تبصم بالعشرة على اعتقال أكثر من 65 ألف شخص بتهمة المشاركة فى الانقلاب الفاشل! تركيا فى عيون الإعلام العالمى دولة تحارب الإرهاب فى سوريا والعراق، وهى التى تمارس الإرهاب ضد مواطنها وضد الأكراد، وضد الدول المجاورة، وتقبل باستضافة إرهابيين على أراضيها منذ سنوات، وهى المسئولة عن تنامى وظهور تنظيم داعش الإرهابى فى المنطقة! تركيا فى عيون الإعلام العالمى هى الدولة التى تحافظ على علاقات وطيدة مع جيرانها، على الرغم من مسئوليتها الكبرى عن أزمة اللاجئين السوريين، وحصولها على «مقابل» مادي، نظير وقف طوفان اللاجئين من التدفق على الدول الأوروبية! فى «رويترز» و»الفرنسية» و»سي.إن.إن» و»أسوشييتدبرس»، الغلظة والسوداوية فقط مع مصر، أما تركيا فتقاريرها موالية مهادنة مسالمة متفائلة دائما، فى حين أن تقاريرها عن قطر «غير موجودة» من الأساس! .. وهنا .. هل تكفى «حجة» أن مصر «كبيرة» فى هذه الحالة؟!!