السعودية تتغير، وصورتها المنغرسة فى أذهاننا لم يعد لها وجود. ما يحدث فى المملكة الآن ثورة ناعمة، ومعجزة حقيقية، ولا مبالغة فى ذلك! مبدئيا، شبهة المجاملة فى هذا الكلام مستبعدة، فما أقوله كتبته بالفعل وسائل إعلام عالمية كثيرة منصفة، وتهمة الانبهار بالزيارة الأولى أيضا أمر غير وارد ممن زار المملكة من قبل، فالتغيير حقيقي، وملموس، يشعر به الزائر من الوهلة الأولى. يمكنك أن تقرأ عشرات المقالات عما طرأ على المجتمع السعودى وعلى شباب المملكة فى العامين الأخيرين. يمكنك أن تشاهد برامج وتقارير كثيرة عن مكاسب المرأة السعودية، مثل السماح لهن بقيادة السيارات، وأشياء أخرى. يمكنك أن تشيد مثلا بتعيين أول سفيرة سعودية امرأة فى الولاياتالمتحدة، وهى ريما بنت بندر بن سلطان. ويمكنك أيضا أن تبدى إعجابا باختيار أول مساعدة طيار سعودية امرأة أيضا، وهى ياسمين الميمني، وغير ذلك من النماذج. ولكن، الجديد والمختلف حقا، أن تشاهد كل ذلك، وما فوق ذلك أيضا، بنفسك، وبعينك، وعلى أرض الواقع، ومن شاهد، ليس كمن سمع أو كمن قرأ! خلال مشاركتى فى منتدى «مسك» الإعلامى الأول بالرياض قبل أيام، بحضور آلاف من السياسيين والكتاب والأكاديميين والخبراء والعاملين والمبدعين فى مجال الإعلام والتكنولوجيا والسوشيال ميديا، من جميع أنحاء العالم، وجدت الشباب السعودى بمختلف أطيافه وفئاته «حاجة تفرح» وتشرف «بجد». شباب يحترم وطنه، ويجل قادته، ويلتزم بقوانين بلاده، ويدرك تماما حجم الأخطار المحيطة به شمالا وجنوبا، ويتناقش ويتحاور فى شتى القضايا الخلافية بأريحية كاملة، دون أن يمتد النقاش إلى تجاوز وتطاول وفرض رأى بالقوة! لم يعد الشاب السعودى كائنا مرفها مدللا يتعالى على غيره ويعف عن القيام بأعمال معينة، بل أصبح على أعلى درجة من التعليم، والتربية أيضا، سواء استفاد فى ذلك من نجاح مجتمعه فى التشبث بهويته، أو من ثمار سياسة الابتعاث الخارجى لتعليم الشباب والفتيات فى أرقى جامعات العالم. فى الرياض، شاهدت نماذج «حداثية» لشباب سعوديين تلقوا أفضل تعليم، ويجيدون الحديث بأكثر من لغة، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعى فيما ينفع بعيدا عن «اللت» و«العجن» والتنظير والاعتراض ونشر الشائعات والتفاهات. شاهدت أيضا شبانا يعملون فى مهن مختلفة، ولا يتوانون عن خدمة ضيوف بلادهم بكرم وهدوء، وبتواضع جم أيضا، ومعظمهم بدأ رحلته مع التدريب والعمل منذ سنوات الدراسة من أجل اكتساب الخبرات، وهو ما لم يكن يحدث من قبل. فى الرياض أيضا، شاهدت فتيات سعوديات ناضجات بارعات، أضفن بخروجهن إلى سوق العمل قوة غير عادية إلى المجتمع والاقتصاد، فصرن قادرات على التعلم والعمل والنجاح، والإبداع أيضا، ورسم صورة مغايرة تماما للصورة النمطية التى قدمتها رجاء الصانع عام 2005 للطبقة المخملية السعودية فى روايتها الشهيرة والوحيدة «بنات الرياض». والمرأة السعودية الآن لا تقود السيارة فحسب، وإنما خرجت إلى الحياة بالكامل، متسلحة بالتعليم وقوة الشخصية والأناقة والحشمة، وصار طبيعيا أن ترى سعوديات يعملن الآن فى مهن مختلفة، فأصبح منهن الطبيبة والمبرمجة والفنانة، بل ومتطوعة فى مؤتمر أو منتدي، حتى رجاء الصانع نفسها صارت طبيبة أسنان! من شاهدتهم فى الرياض من شبان وفتيات، يؤكدون لى أنه لا خوف على السعودية فى وجود هذا الجيل الذى أقنعته متغيرات سياسية واقتصادية كثيرة بالعصامية، والحداثة، والعمل للمستقبل، مع العض بالنواجذ على ثوابت المجتمع وتقاليده وقيمه وخصوصياته، وأجمل ما فى الجيل الجديد من شباب المملكة، ربما بحكم التطورات التى شهدتها المنطقة فى سنوات «الكابوس العربي»، أو ربما بسبب بعض الإجراءات الغبية التى اتخذتها بعض الدول الغربية ومست طلابا عربا ومسلمين، حب هذا الجيل الشديد لمصر، فهم دائما يتذكرون أن لهم مع المصريين نسبا وصهرا، وما زالوا بالطبع، وبعضهم مولع بمصر، ويتمنى زيارتها، وبعضهم مصرى الهوى أو التنشئة، والأهم من ذلك ما أظهره لى سعوديون خلال منتدى «مسك» الإعلامى من اهتمام بالغ بمتابعة الشأن المصري، بدليل انخراط كثيرين منهم فى الدفاع عن بلادنا على السوشيال ميديا فى مواقف كثيرة، واستيائهم أحيانا مما تفعله فضائياتنا، وهم يرون أننا لا نعرف قيمة مصر جيدا، بينما هم يعرفونها، ويقدرونها أكثر من أى زمن مضي، وربما أكثر من مصريين كثيرين اسما، وهذه حقيقة، وهذا من أهم ما عدت به من الرياض! لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل