يبدو أن متاعب الحرب والاضطرابات السياسية تعرف هي الأخري المقولة المشهورة: لابد من صنعاء.. وإن طال الزمن.. فمن الملاحظ أن تاريخ هذا البلد لا يخلو من هذه المشاكل في الوقت الذي يواجه فيه حاليا أكبر تحد في ظل تصاعد دعاوي الانفصال بالجنوب, وجحيم الحرب ضد المتمردين الحوثيين في الشمال. وهكذا يجد اليمن نفسه في وضع لا يحسد عليه, بين مطرقة الحرب وسندان دعاوي الانفصال, وسط ظروف إقليمية غاية في الصعوبة وموارد اقتصادية قليلة. وهناك ثمة ملاحظة تواجه أي مراقب لما يجري علي أرض اليمن, وهي وجود علاقة بين تصاعد الحرب مع الحوثيين في الشمال, وزيادة دعوات الانفصال في الجنوب, وهنا تزداد الشكوك من أن اليمن يتعرض لمؤامرة تستهدف وحدة أراضيه وتفتيت كيانه إلي دويلات صغيرة, تفتح الباب علي مصراعيه أمام إثارة الفوضي والقلاقل ليس في جزيرة العرب فقط, بل تمتد بآثارها المدمرة إلي المنطقة العربية كلها, بما فيها منطقة الخليج وإشعال نيران الفتن والصراعات المذهبية والدينية. فبالنسبة للحرب ضد الحوثيين في صعدة بالشمال, يبدو أن الحكومة اليمنية قد قررت خيار الحسم مع المتمردين بعد أن طال أمد الاشتباكات هذه المرة, وظهور تداعيات جديدة لها, أخطرها انضمام عناصر من تنظيم القاعدة للمتمردين ونزوح متسللين سواء من القاعدة أو الحوثيين إلي الأراضي السعودية عبر الحدود والقري الموجودة بين البلدين, وهو الأمر الذي يمكن أن يوسع نطاق الحرب خارج حدود اليمن, خاصة بعد المعارك التي خاضتها القوات السعودية مع هذه العناصر, واستخدام المقاتلات الحربية والأسلحة الحديثة فيها.ومن الملاحظ هذه المرة, أن استمرار وصمود الحوثيين في القتال وبنفس أطول وهجماتهم المتواصلة علي المواقع الاستراتيجية, خاصة القصر الجمهوري في صعدة يزيد الشكوك في تلقيهم دعما عسكريا وماديا من بعض القوي الإقليمية في المنطقة, خاصة إيران, التي تريد أن تنقل صراعاتها الأيديولوجية والسياسية مع السعودية إلي حدود المملكة مع اليمن وتصدير القلاقل لها في إطار حسابات إقليمية ضيقة. ورغم ذلك, فإن كل المؤشرات تدل علي أن معارك صعدة, رغم شدتها سوف تدخل الحسم في العام الجديد(2010) وغالبا لمصلحة الجيش اليمني في ظل الضربات العسكرية التي تزداد دوما ضد المتمردين وسط الأنباء التي تذاع عن حدوث انهيارات في صفوفهم ومقتل زعيمهم عبدالملك الحوثي. وبدون شك, فإن اليمن يدرك تماما أن مصالحه السياسية والاقتصادية والتنموية, تصب في ضرورة إنهاء هذا الكابوس في أسرع وقت لخدمة أغراضه في الالتحاق بمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي الست, والتي يرتبط أمنها بشكل أساسي مع أمن ومصالح اليمن واستقراره. أما عن دعاوي انفصال الجنوب, فهو تحد آخر أمام القيادة اليمنية لا يقل ضراوة في خطورته عن الحرب في الشمال, لأن الوحدة بين الشمال والجنوب انجاز تاريخي مهم للغاية في تاريخ اليمن لا يمكن التفريط فيه مهما كان الثمن, لأنه يمس مستقبل وهوية الدولة, وهذا ما دعا الرئيس علي عبدالله صالح إلي حوار وطني شامل يضم جميع القوي والأحزاب السياسية للبحث في مستقبل دولة الوحدة, وحل مشاكل الجنوبيين, وهو الأمر الذي أصبح شيئا ضروريا بعد تزايد الدعوات للعصيان المدني, وتنظيم المظاهرات ضد صنعاء في عدن وباقي مدن الجنوب, من جانب قوي الحراك الجنوبي التي ترفع رايات الانفصال.