تتابع موسكو بالكثير من الاهتمام والترقب استعدادات ممثلي مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية في أوكرانيا للانتخابات الرئاسية التي من المقرر ان تجرى في 31 من مارس الحالى ، يحدوها عظيم الأمل في التخلص من الرئيس الحالي بيوتر بوروشينكو، في توقيت مواكب لإعلان رئيس بيلاروس المجاورة وأحد أهم حلفاء موسكو على يقينه من فوز بوروشينكو لفترة ولاية ثانية في هذه الانتخابات التي يخوضها معه ما يزيد عن أربعين مرشحا منهم فنان كوميدي يظل وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة «المرشح الأوفر حظا». كانت موسكو ورغم عدم اعترافها بما وصفته ب«الانقلاب» الذي قاده بوروشينكو وصحبه من «أبطال الميدان» في فبراير 2014 بدعم ومباركة واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي ضد الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، قد جنحت نحو «التهدئة» سعيا وراء التوصل الى ما قد يكون مقدمة لعلاقات طبيعية بين «الشقيقتين السلافيتين»- روسياوأوكرانيا. ورغم ما بدا من تحركات بدت في بعض جوانبها وكأنها «قبول بالأمر الواقع»، فان موسكو لم تخف حقيقة موقفها من السلطة «الانقلابية» في أوكرانيا وهو ما انعكس في دعمها للأغلبية الناطقة بالروسية في جنوب شرق اوكرانيا التي رفعت لواء الانفصال عن أوكرانيا. بل مضت إلى ما هو أبعد حين أقدمت على «ضم» شبه جزيرة القرم بعد اعترافها بنتائج الاستفتاء حول هذا الشأن، وهو ما كان مقدمة لجولات جديدة من الصراع في المنطقة لا يخبو أوزارها حتى اليوم. وها نحن نرى روسيا وقد عادت لتقف على مقربة، تتابع ما يدور في الداخل الأوكراني استعدادا للانتخابات الرئاسية التي يخوضها أربعة وأربعون مرشحا، يتصدرهم وبطبيعة الحال الرئيس الأوكراني الحالي بوروشينكو طمعا في الفوز بولاية ثانية مدتها خمس سنوات، بدعم مالي وعسكري من جانب واشنطن، في محاولة لتجاوز ما تقوله أغلبية التقديرات حول تدهور شعبيته نتيجة سقوط نظامه في شرك سوء الإدارة والفساد وعدم نجاحه في تنفيذ ما سبق أن رفعه من شعارات خلال حملته الانتخابية الماضية. وفي هذا الصدد كشفت آخر نتائج استطلاعات الرأي عن أن نسبة شعبية بوروشينكو لا تزيد اليوم في أوكرانيا على 15% ، بما يضعه في المركز الثالث في صدارة قائمة المرشحين بفارق بسيط عن غريمته «أميرة الثورة البرتقالية» يوليا تيموشينكو زعيمة حزب «باتكيفشينا» (الوطن) التي جاءت ثانية بعد الممثل الكوميدى الساخر فلاديمير زيلينسكي «مفاجأة» الساحة الأوكرانية الذي يقول المراقبون أنه يظل الأوفر حظا لخوض «الجولة الثانية» لهذه الانتخابات التي لن تحسم جولتها الاولى هذه المعركة الانتخابية. ورغم ما يقولونه حول دور الشباب في ارتفاع شعبية زيلينسكي حسب نتائج استطلاع الرأي الأخير الذي حمله إلى المركز الأول بنسبة تقترب من 20 % ، وهو الذي لم يكن قد مارس السياسة يوما، أو عُرِف له اهتمام او دور فيما شهدته اوكرانيا من «ثورات ملونة» او «تقلبات سياسية» طوال السنوات الماضية، فان هناك من المخاوف ما يشير إلى احتمالات الفشل في حال تقاعس أنصاره عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع. وتقول المصادر الأوكرانية ان زيلينسكي تقدم للترشح لرئاسة أوكرانيا، بايعاز ودعم مالي ومعنوي مباشر من ايجور كولومويسكي الملياردير الاوكراني الذي فر إلى اسرائيل، بعد سنوات طوال من «الصراع» في صفوف الحركة «الانقلابية» الاوكرانية ضد الرئيس السابق يانوكوفيتش. وثمة من يعزو بين أوساط المراقبين تقدم زيلينسكي وارتفاع شعبيته، إلى خيبة آمال الملايين من المواطنين الاوكرانيين في سياسات الرئيس، وغضبهم من تعثر خطواته نحو فرض الاستقرار الداخلي وعجزه عن حل ما يواجه أوكرانيا من مشكلات اقتصادية وعدم اضطلاعه بتنفيذ ما سبق وطرحه من برامج ووعود. ورغم حدة ما تموج به الساحة الداخلية اليوم من معارك ومساجلات لفظية ثمة من يقول إنها لم تعد تشغل المواطن الأوكراني، بقدر ما تشغل الأوساط الخارجية، على وقع احتدام العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة التي لم تكف عن محاولاتها تجاه ضم أوكرانيا الى مخططاتها الرامية إلى توسع الناتو شرقا، فان هناك ما يشير إلى احتمالات احتفاظ بوروشينكو بمنصبه نتيجة ما يحققه من تقدم نسبي في حملاته المعادية لموسكو، والتي تشهد ضمنا تركيزه على تأجيج المشاعر القومية والدينية وافتعال الأزمات مع روسيا، بما في ذلك المغامرات العسكرية على غرار ما حدث في مضيق كيرتش، وأسفر عن احتجاز ثلاث من السفن الأوكرانية واعتقال بحارتها. ومن اللافت في هذا الشأن ما نشهده من تدخل سافر من جانب واشنطن عبر مبعوثها كورت فولكر في كييف، ما يسهم، إلى حد كبير، في تجاوز بوروشينكو لمتاعب الجولة الأولى نحو خوض جولة ثانية مع أي من زيلينسكي أو تيموشينكو، وهو ما كشف عنه الكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروس المجاورة وأحد أهم حلفاء روسيا في المنطقة والعالم، الذي قال إنه يتوقع فوز بوروشينكو في هذه الجولة أمام الفنان الكوميدى زيلينسكي، مستبعدا احتمالات فوز تيموشينكو أميرة الثورة البرتقالية التي تخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة على التوالي. لكن ماذا عن المرشحين الآخرين، ومنهم من يخوض الانتخابات تحت شعارات تكشف عن «ميول غير معلنة» تجاه موسكو؟ قائمة المرشحين تضم كثيرين من نجوم الساحة السياسية الأوكرانية، لكن ما يتمتعون به من شعبية أو مكانة غير كاف لوضعهم ضمن حسابات «المكسب والخسارة»، شأنهم في ذلك شأن المرشحين المحسوبين على موسكو، ومنهم يوري بويكو عن «التحالف المعارض من أجل الحياة»، والكسندر فيلكول عن «حزب السلام والتنمية»، وسيرجي تاروتا رجل الأعمال والمحافظ السابق لمقاطعة «دونيتسك» في جنوب شرق أوكرانيا وغيرهم.