نجحت الصين فى تحقيق التعايش السلمى بين أبناء مختلف القوميات والديانات بها، عبر قيام الحكومات الصينية المتتالية بوضع السياسات المعنية لحل هذه القضية. غير أن هذا النجاح مازالت تعترضه بعض العقبات والمشكلات، والتى يأتى على رأسها مشكلة التطرف والإرهاب التى تواجهها الصين فى الوقت الحالي، والتى يترتب عليها حرمان المواطنين من حقهم فى التنمية والبقاء، وبخاصة فى منطقة شينجيانغ. يرجع السبب الرئيسى للإرهاب فى منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم إلى تأثر الأفراد فى شينجيانغ بأفكار العنف والإرهاب، ولجوئهم إلى إرتكاب جرائم عنف وإرهاب، فضلاً عما ترتب على انتشار نزعة التطرف والإرهاب فى العالم منذ تسعينيات القرن الماضى من تداعيات على الصين ومنطقة شينجيانغ. وبسبب ذلك عززت القوى الانفصالية والدينية المتطرفة والإرهابية تأثيراتها على شينجيانغ خصوصا فى الجنوب، ما ترتب عليه من تشويه المبادئ القويمة للدين الإسلامي، وانتشار التطرف بين المسلمين. وقاموا بتدبير الآلاف من الحوادث الإرهابية التى أدت إلى مقتل عدد كبير من المواطنين ومئات من رجال الشرطة وخسائر مادية جسيمة، وهو ما شاهدت نماذج منه موثقة لدى زيارتى لمعرض الأحداث الرئيسية للعنف والإرهاب بمدينة أورومتشى حاضرة المنطقة. لمواجهة الأنشطة الإرهابية فى شينجيانغ، تبنت الحكومة المحلية سياسة مزدوجة ترتكز على «المكافحة والوقاية معا»، مع مراعاة التوازن بين توقيع العقوبات وحماية حقوق الإنسان، فهى تلتزم بالقانون الجنائى وقانون الإجراءات الجنائية وقانون مكافحة الإرهاب فى الصين من جهة، ومن جهة أخرى تطبق مبدأ العدل والرحمة، من خلال تخفيف العقوبات على من تأثروا بأفكار الإرهاب والتطرف والمشتبه فى إرتكابهم أعمال إجرامية غير جسيمة حسب القوانين، وفى الوقت نفسه توفر لهم تدريبات مهنية مجانية لتعلم اللغة والقانون والمهارات، وذلك لمعالجة الظروف المؤدية إلى إنتشار الإرهاب والتطرف. إن التجربة الصينية فى المكافحة الفعالة للإرهاب والتطرف تُعد من التجارب ذات الخصوصية فى هذا الشأن، إذ ركزت على معالجة الأعراض والأسباب الجذرية للظاهرة على السواء، وتشير إلى وجود إدراك من جانب الحكومة الصينية بأنه لا سبيل أمامها لمواجهة التطرف سوى من خلال تغيير الفكر وضمان عدم تعاطف المزيد من الأشخاص مع الأفكار المتطرفة التى تدعو إلى انفصال شينجيانغ، وهو ما يعنى أن الحكومة لم تعتمد على المواجهة الأمنية فقط لمكافحة الظاهرة، وإنما لجأت أيضا إلى أسلوب المواجهة الفكرية، لتغيير القناعات والآراء السلبية التى تسيطر على أفكار المتأثرين بنزعة التطرف والإرهاب، من خلال جمع هؤلاء المتعاطفين مع هذا الفكر وإخضاعهم للتعليم والتدريب ومعرفة الدستور والقانون وتعلم اللغة. وهو ما يتم- وشاهدناه- فى مراكز التدريب والتأهيل المهنى التى أقامتها الحكومة الصينية لهذا الغرض فى شينجيانغ. مراكز التدريب والتأهيل المهنى فى شينجيانغ مشروع تنفذه الحكومة الصينية والحزب الشيوعى الصينى لمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، ويُثار حولها جدل كبير، فمن ناحية تتهم الدول الغربيةالصين بأن هذه المراكز تتنافى مع حقوق الإنسان، ومن ناحية أخرى ترد الصين عليها بأنها مؤسسات تعليمية لتأهيل المواطن وتعريفه بمبادئ الدستور والقانون وتدريبه على إحدى المهن. ولحسم هذا الجدل قمنا بزيارة هذه المراكز للتعرف عليها عن قرب وعلى أرض الواقع. خلال زيارتى لمراكز التدريب والتأهيل المهنى فى شينجيانغ، تعرفت على الأهداف الرئيسية التى من أجلها قامت الحكومة الصينية والحكومة المحلية للمنطقة ببناء هذه المراكز، وكذلك المواد والمهارات المختلفة التى يتم تدريسها للمتدربين فيها، بما يراعى حقوقهم الإنسانية. فهذه المراكز أقيمت بهدف القضاء على الإرهاب والتطرف من خلال إزالة فكرة التطرف لدى المتدربين، ومنع إنزلاق الأشخاص ذوى الأفعال الإجرامية البسيطة فى هاوية الإرهاب والتطرف، بجانب إكساب المتدربين المهارات اللازمة للعمل فى مختلف المجالات من خلال دورات لتعليم اللغات والقانون ومختلف المهارات الأخرى. مراكز التدريب عبارة عن مجموعة من المبانى ذات المساحة الكبيرة التى يحيط بها سور خارجي، وهى تشبه فى تصميمها المبانى الجامعية، وتحتوى على فصول للدروس وملاعب ومساكن. المتدربون فى هذه المراكز مواطنون من سكان المدينة بصرف النظر عن أعمارهم أو جنسهم شباب أو فتيات، ثبت أنهم تعاطفوا مع الأفكار التى لا تنسجم والنظام الصيني، يتم إحضارهم إلى هذه المراكز لتأهيلهم وإخضاعهم لنظام تعليمى لمدة سنتين أو أكثر، لدمج أبناء الشعب فى فكر واحد يبتعد عن التطرف ويحترم نظام الدولة وقوانينها بهدف وقف العمليات الإرهابية التى عانت منها البلاد فى هذه المنطقة بعد وقوع عدة حوادث كبيرة. أعمار المتدربين فى هذه المراكز فوق العشرين عاما، وهم لديهم الحرية المطلقة فى اختيار المواد التى يتعلمونها، ويمكن للمتدربين أن يعودوا أسبوعيا إلى أسرهم، ويتم ترشيح المتدربين الذين يجتازوا التدريب بنجاح للشركات والمصانع لتوفير فرص العمل لهم. وتتسم مراكز التدريب والتأهيل المهنى بالاحترام والحماية الكاملين للمعتقدات الدينية للمتدربين، خاصة وأن الدستور الصينى يحمى حرية المعتقدات الدينية. وبجانب فصول وغرف التدريب، تحتوى مراكز التدريب والتأهيل المهنى على مبانى مخصصة لإقامة المتدربين، وهى تضم حجرات ترفيهية، وحجرات لقراءة الكتب والصحف، ويوجد بها غرف للرجال وأخرى للسيدات، كما يوجد بها مطاعم لتقديم الوجبات. كما تحتوى هذه المراكز أيضا على مساحات مخصصة للتدريب على ممارسة الألعاب الرياضية المختلفة، مثل كرة السلة، الكرة الطائرة، كرة الطاولة، وكرة الريشة وغيرها. من خلال زيارة العديد من مراكز التدريب والتأهيل المهنى فى خوتان وكاشغر، يمكن القول إنها تختلف تمامًا عما نُشر فى تقارير بعض وسائل الإعلام الغربية التى قالت إن تلك المراكز تسيء معاملة المتدربين فيها. وهذه الحقيقة جاءت على لسان المتدربين أنفسهم، والذين أبدوا رضاهم عن وجودهم فى هذه المراكز، واستفادتهم الكبيرة منها، وتقديرهم للحكومة الصينية على قيامها بإتاحة الفرصة لهم للتدريب فيها، بالإضافة إلى نفيهم وجود أى معاملة قاسية لهم فى هذه المراكز. وقامت شينجيانغ فى السنوات الأخيرة بتطوير التعليم قبل المدرسى عن طريق إنشاء رياض أطفال حديثة فى العديد من القرى فى كاشغر وخوتان. تحرص الصين على توفير البيئة الملائمة لرجال الدين للقيام بدورهم على أكمل وجه، حيث تعقد دورات تدريبية لهم لتعلم الثقافات والعلوم الدينية، عبر إرسالهم إلى المعاهد الدينية فى حاضرة المنطقة وبكين، وتتحمل جميع تكاليف السفر والإقامة، بالإضافة إلى منحهم علاوة يومية خلال الدورة التدريبية.