سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الأهرام» تنشر مذكرات الفريق أول محمد صادق (4).. عاصفة مايو 1971.. تجريد على صبرى من جميع مناصبه وإقالة شعراوى جمعة.. رئاسة الجمهورية تتحفظ على «التسجيلات» بعد فشل محاولة التخلص منها
* طلبت من فوزى إنهاء اجتماع بمكتبه والعودة إلى منزله بعد استقالته * عبد الخبير وعمران ساعدا على استقرار الأوضاع وإنقاذ مصر من صراع السلطة * أزحت الخطر عن الوطن والجيش بعيدا عن أى صراع دموى * الكل يتنصت على الكل.. ولم ينج تليفون مسئول من الرقابة * احتفظت بوثيقة فوزى «الانقلابية» بخط يده حتى لا يتعرض للإعدام * بعد إقالتى أرسل فوزى التماسا للسادات فأفرج عنه وأفاض عليه من خيراته
الكل داهمتهم وفاة عبدالناصر حتى الذين لم تكن الوفاة مفاجأة لهم، فبدأوا يتكتلون ويناورون ويتقاتلون حول من يخلف المسجى جثمانه داخل قصر القبة. هذه واحدة من أهم وأبرز الحقائق التى سجلها الفريق أول محمد صادق فى مذكراته المهمة. أكد أن الفريق الذى أسند إليه عبدالناصر خلال الفترة الأخيرة من حياته مسئوليات إدارة الكثير من الشئون الداخلية انقسم إلى فريقين: فريق يطرح الاستمرارية والحفاظ على الشرعية من خلال تولى أنور السادات رئاسة الجمهورية بصفته نائب الرئيس. الرئيس السادات والفريق صادق فى زيارة للمجموعة 39 قتال، وإلى اليمين اللواء محرز مدير المخابرات الحر أما الفريق الثانى فكان يضم على صبرى والفريق أول محمد فوزى وشعراوى جمعة وسامى شرف الذين أجمعوا على رفض تولى السادات السلطة. هذا الخلاف لم يكن الوحيد الذى تفجر بوفاة عبدالناصر، فبعض الأطباء يرفضون كتابة شهادة وفاة لعبدالناصر، ويصرون على تشريح الجثة لشكوكهم فى أن الرئيس مات مسموما، وأن أظافره الزرقاء اللون تضاعف تلك الشكوك. وفى المقابل، فإن الأسرة والفريق الثانى يرفضون بإصرار مثل هذا الأمر، فمجرد السماح بالتشريح سيساعد على إطلاق الشائعات، ولن تهدأ الأمور حتى ولو تأكد الأطباء من أنه لم يمت مسموما. الفريق صادق أكد فى مذكراته إحباط أول محاولة انقلاب عسكرى للاستيلاء على السلطة قبل تشييع جنازة عبد الناصر. قال: فوجئت بالفريق أول فوزى يعرض على خطة لتحركات بعض تشكيلات ووحدات القوات المسلحة فى إطار إجراءات التأمين. وأدركت أن وراء هذه التحركات استعدادا لانقلاب عسكرى يمكن أن يقوم به. ولم يكن هناك أفضل من المكاشفة وبأقصر الطرق... واضطر فوزى للتراجع عن فكرة الاستيلاء على السلطة بعد أن تأكد أن رئيس الأركان لن ينضم إليه، وأنه لا يضمن وقوفه على الحياد. لم تكن تلك المحاولة الوحيدة للانقلاب على السادات، حيث استدعى الفريق أول فوزى الفريق صادق، وسلمه أمرا كتابيا واضحا باتخاذ إجراءات استعدادا لتنفيذ انقلاب عسكرى للاستيلاء على السلطة وإزاحة الرئيس السادات، ولكن صادق رفض التنفيذ واحتفظ بالأمر الكتابى. ظل الصراع على السلطة مشتعلا بين السادات ومجموعة على صبرى وفوزى وشعراوى، حتى فوجئ الجميع بالسادات يبدأ عددا من الإجراءات المهمة، للتخلص من تلك المجموعة واحدًا تلو الآخر، فيما اعتبره صادق «عاصفة مايو 1971».
كان الرئيس السادات خلال أبريل ومايو 1971 فى حالة تشتت وخوف لا يعلم ماذا يفعل، وكان يرى كل يوم الحلقة تضيق من حوله ولا نصير له، ولم تكن لديه أية معلومات عن حقيقة ما يدبر له، فالرقابة على تحركاته وتصرفاته مستمرة من مجموعة فوزى، ولم يبق معه إلا الأستاذ محمد حسنين هيكل والدكتور محمود فوزى والمهندس عزيز صدقى. الرئيس السادات وبصحبته الفريق صادق رأيت بعد تفكير عميق أنه لابد من رسالة إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل تنير له الطريق وتجعله على بينة من الموقف. لاحظت أن مجموعة فوزى تكن له حقدا شديدا لوقوفه بجانب السادات وتبنيه سياسة إعلامية تخدم سياسة السادات فاعتبروه عقبة يجب أن تزول ولم تكن هذه الجماعة تتورع عن أى شيء فى سبيل تحقيق أهدافها، مما جعلنى أتخذ قرارى بتحذير هيكل سرا. رسالة للرئيس عبر هيكل لم أجد أفضل من الاستعانة بالصحفى الأستاذ عبده مباشر لأداء هذا الدور، فقد كنت أثق فيه وفى وطنيته وشجاعته، ولا أنسى أنه المدنى والصحفى الوحيد الذى اختار بإرادته التطوع للقتال خلف خطوط العدو فى سيناء تحت قيادة البطل إبراهيم الرفاعى. وكانت كل تقارير العمليات تشيد بشجاعته وكفاءته وروحه المعنوية العالية وقدرته على الكتمان. ولم يكن اختيارى للأستاذ عبده مباشر ليلفت نظر أحد فهو يتردد على القيادة العامة باستمرار ويلتقى بأغلب القادة وما دام يعمل بجريدة الأهرام، فمن الطبيعى أن يلتقى برئيس التحرير. ومهدت للأمر بأن طلبت من عبده مباشر أن ينقل عدة رسائل شفوية لرئيس تحرير الأهرام تتعلق بالعمل وحين حانت اللحظة المواتية طلبت منه أن ينقل رسالة إلى الأستاذ هيكل وكنت متأكدا أن هذه الرسالة ستصل بأمانة إلى رئيس الجمهورية لكى توضح موقف القوات المسلحة التى تعى دورها تماما والمؤهلة لأداء هذا الدور، وهكذا وصلت الرسالة إلى هيكل فى الوقت المناسب لينقل للسادات أن يطمئن لموقف القوات المسلحة. وبعد أن وصلت الرسالة إلى رئيس الجمهورية اطمأن، وبدأ يعمل للتخلص من بعضهم، واختار أول مايو تاريخ الاحتفال بعيد العمال، ومن فوق المنصة فى احتفال حلوان أعلن تحديه لهم رغم أن الاحتفال كان معدا لإحراجه والضغط عليه. وبالطبع لم تدر مجموعة فوزى سر هذا التحدى الذى أقدم عليه السادات، وكيف امتلك فجأة قلب الأسد ليلقى بالقفاز فى وجوههم، وقبل أن يفيقوا أقال على صبرى من جميع مناصبه يوم 2 مايو ونشر الخبر فى الصحف. وبدأ السادات خطوته بالاتصال بالقوات المسلحة فعقد عدة اجتماعات، ولكن ثقة الفريق فوزى فى ولاء مجموعته وأصدقائه قد أعمته عن أن معظم هؤلاء القوم فى الحقيقة فئة من النفعيين المتسلقين وأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا. ممدوح سالم وزيرا للداخلية وجاء يوم الخميس 13 مايو اليوم الحاسم فى صراع السلطة بين رئيس الجمهورية وجماعة فوزى. فى هذا اليوم كان مقررا أن يتوجه رئيس الجمهورية للاحتفال فى مديرية التحرير، ولكنه اعتذر عن عدم الذهاب وشاع فى هذا الوقت أنه كانت هناك محاولة لاغتياله ولم أتأكد من صدق هذه المعلومة. وظهر يوم 13 مايو اتصل بى الفريق فوزى وهو منفعل بصورة غير طبيعية، وأخبرنى أن الرئيس أقال شعراوى جمعة، وفى نهاية المكالمة قال إنه سيتصل بى بعد ذلك ليخبرنى بما يستجد فى الموضوع. وفى نحو الساعة الثانية ظهرا طلب منى أن ألقاه فى مكتبه بمبنى الوزارة، وعندما دخلت مكتبه وجدت شعراوى جمعة، وعددا من أعضاء الجماعة أصدقاء فوزى. وتحدث فوزى عن إقالة الرئيس لشعراوى جمعة وتعيينه ضابط شرطة برتبة لواء يدعى ممدوح سالم ليحل محله فى وزارة الداخلية، وقال إنهم هم الذين وضعوا السادات على الكرسى ليحكم مصر، وأنهم وضعوه رغم ماضيه ورغم كل ما سجل عليه هو وأسرته فى الملفات. رددت عليه قائلا إن ممدوح سالم ضابط شرطة ممتاز، ومن أوثق الناس صلة بسامى شرف، ويعتبر من أكبر ضباط الشرطة ولاء له، ومن قيادات التنظيم السرى لسامى شرف، وحاولت تهدئتهم. ولما سألت عن سامى شرف قالوا إنه فى مقابلة مع رئيس الجمهورية وسيحضر حالا. وبعد فترة حضر سامى شرف وكان متأثرا جدا، نتيجة لموقف رئيس الجمهورية الذى اعتبره غدرا به. وحاولت أن أوضح لهم أن رئيس الدولة سواء كانوا هم الذين أتوا به أم لا فهو الرئيس ومن حقه أن يقيل من يشاء من وزرائه بل له أن يقيل الوزارة بأكملها. ووجهت حديثى إلى شعراوى جمعة للتخفيف عنه قائلا: احمد الله أنك أعفيت من هذه المهمة الثقيلة واقترحت عليه أن يطلب ممدوح سالم تليفونيا لتهنئته بالمنصب وليتمنى له التوفيق، وأجرى فعلا المكالمة واستمر الحديث بينى وبين الحاضرين. تسجيلات للضغط والابتزاز كان الجميع ثائرون، واعتبروا أن ما جرى غدرا بواحد منهم، وهم الذين كانوا السبب فى وجود السادات فى مقعد الرئيس. ولاحظت أن شعراوى جمعة شديد الاضطراب وعندما سألته علمت أنه حاول الاتصال باللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة ليطلب منه إعدام بعض الوثائق وكل أشرطة التسجيل التى يحتفظ بها والأوراق التى تتضمن كل الأحاديث والحوارات المسجلة على هذه الأشرطة بعد أن علم بإقالته واتجاه نية السادات لتعيين ممدوح سالم وزيرا للداخلية إلا أن اللواء طلعت أخبره أن مجموعة أفراد من رئاسة الجمهورية قد حضرت إلى الوزارة حاملة تعليمات من رئيس الجمهورية للسيطرة على الوزارة إلى أن يتسلم مسئولياتها وزير الداخلية الجديد. وبعد أن اكتشف أفراد هذه المجموعة وجود الأشرطة المسجلة ونصوصها المكتوبة، اتصل قائدهم بالرئيس الذى أمر بالتحفظ عليها. وأسقط فى يد شعراوى، وعندما علم الجميع بما جرى أصابهم الفزع من انكشاف أمر هذه الأشرطة. وكان معروفا أن أجهزة كثيرة تأمر بالتنصت على المكالمات الهاتفية ومنها وزارة الداخلية دون حاجة إلى إذن السلطة القضائية، وبالممارسة وعدم وجود أى نوع من الرقابة أو المساءلة، اتسع نطاق عمليات التنصت، بل تحولت فى أحيان كثيرة إلى محاولة الوصول إلى تسجيلات تصلح للضغط والابتزاز. وقد كشفت الأحداث فيما بعد أن الجميع كانوا يقومون بتسجيل المكالمات التليفونية للجميع، فلم ينج تليفون مسئول من الرقابة بما فى ذلك من كانوا يأمرون بتسجيل المكالمات التليفونية. ومن هذه التسجيلات اكتشف السادات واكتشفت معه أن أيا من هذه المجموعة لم يكن يثق بالآخر، فالكل أخضعوا باقى الفريق الآخر لعمليات التسجيل، أى أن الكل كان مكشوفا أمام الكل، وكان الموقف شائنا. استقالات جماعية للوزراء لاحظت طوال الوقت أن الفريق أول فوزى يدفع المجموعة نحو إجراء مشترك لمواجهة تصرف الرئيس وكان يشاركه فى هذا الاتجاه سامى شرف. فتدخلت للمرة الثانية، وقلت إن هذا خطأ، وأى قرارات أو خطوات ستقدمون عليها وأنتم فى مثل هذه الحالة من الانفعال، ستكون خاطئة وأنا أرى ان تعودوا إلى منازلكم الآن لتهدأوا قليلا، ونصحت شعراوى بالسفر إلى الإسكندرية للابتعاد عن هذا الجو وليستريح من عناء العمل المستمر، وأن من حقه أن يحصل ولو على إجازة قصيرة، ولما وافقوا على العودة إلى منازلهم حرصت على أن أصحبهم إلى سياراتهم الخاصة حتى باب الوزارة لأتأكد من مغادرتهم مبنى الوزارة. الفريق أول محمد فوزى وتمنيت أن يستجيبوا لنصيحتى لهم بالهدوء وأن يكتفوا من هذه المعركة بما حدث، وظللت بمكتبى أراجع إجراءات السيطرة على القوات المسلحة، ثم ذهبت إلى منزلى، وأثناء وجودى بالمنزل سمعت نبأ الاستقالات الجماعية للوزراء والمسئولين من إذاعة القاهرة وكان ذلك خطأ غبيا. عدت فورا إلى مكتبى لمواجهة أية محاولات، ومن هناك تحدثت لأول مرة تليفونيا مع رئيس الجمهورية، وقلت له إن القوات المسلحة خارج هذا الصراع وإنها لا تكن أى ولاء إلا للسلطة الشرعية ولمصر وأن عليه أن يتصرف وهو على يقين من ذلك، فرد قائلا:«أنا كنت أبحث عنك وعاوزك تيجى دلوقت لتحلف اليمين كوزير للحربية»، فأوضحت له أننى لا أستطيع أن أترك مكانى حاليا فى القيادة لأن الموقف لا يسمح بذلك، وعندما أطمئن إلى استتباب الوضع سآتى إليه. وبعد نحو ساعة، اتصل بى أنور السادات مرة أخرى وسألنى لماذا لم أحضر لأحلف اليمين، فقلت له إننى مازلت فى حاجة إلى بعض الوقت، فسألنى عما إذا كان فى إمكانه تحريك دبابات من الحرس الجمهورى إلى سراى القبة، فاعتذرت لأننى سبق أن أبلغت قائد الحرس الجمهورى الفريق الليثى ناصف بعدم تحريك أى قوات أو أفراد أو مدرعات من أماكنها، وتعهدت له بأننى أضمن له أمنه وأن أوفر له الحراسة المطلوبة، وأنه لا حاجة لأى عسكرى زيادة عن الحراسة الموجودة. فسألنى ولماذا لا أوافق على تحريك هذه الدبابات تحت إشرافى، فأوضحت له أننى لا أستطيع تعديل خططى حاليا، وأن أى قوات ستتحرك ستعتبر خارجة عن السيطرة وستواجه بقوة، فاقتنع وقال إنه ينتظرنى. إنهاء اجتماع الوزير المستقيل اتصلت بقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وقادة الجيوش وقائد المنطقة المركزية، ومديرى الإدارات وطلبت منهم البقاء فى أماكنهم وعدم إطاعة أى أوامر من أى شخص إلا إذا كانت صادرة منى شخصيا. وكررت لهم أوامرى بعدم إجراء أى تحركات إلا بعد تأكيدها والاتصال بى تليفونيا. وطلبت من المجموعة 39 قتال التى يقودها العميد إبراهيم الرفاعى أن تؤمن وزارة الحربية ومبنى القيادة العامة. وطلبت من القوات التى سبق أن خصصتها للتدخل ضد الحرس الجمهورى أن تكون مستعدة برغم علمى بأن الليثى ناصف قد اختار الوقوف على الحياد، ثم انضم إلى رئيس الجمهورية فى آخر وقت، إلا أن حرصى على عدم ترك أية ثغرات أو أى شىء للمصادفة دفعنى إلى ذلك. كما طلبت من عدد من مجموعات المخابرات الحربية أن تكون مستعدة لتنفيذ أى أوامر لاعتقال أى شخص يخرج عن التعليمات. ولما كان الفريق أول محمد فوزى ما زال موجودا بمكتبه ويعقد اجتماعا مع مجموعة من القادة ومديرى الإدارات، فقد رأيت أنه من الضرورى إنهاء هذا الموقف وحسمه خاصة وقد تمكنت من السيطرة على موقف القوات المسلحة. صعدت إلى مكتب الوزير دون حراسة أو سلاح، بالرغم من أن المجتمعين يناقشون خطة تحرك عسكرى، ودور كل منهم فى هذا التحرك، بعد أن تأكد فوزى أننى لم أنفذ الأمر الذى أصدره لى. وأصيب مدير مكتب الوزير بالدهشة وهو يرانى أدخل مكتب الوزير متجاوزا الحراسة الموجودة على بابه. وساد الصمت الجميع، وتجاوزتهم بعد تحية قصيرة لأتوجه بالخطاب للوزير مباشرة، وسألته عن سر وجوده بالمكتب الآن وبعد أن تقدم باستقالته؟ وقبل أن يجيب طلبت منه أن يعود إلى منزله، فهو لم يعد وزيرا وليس من حقه أن يبقى فى هذا المكتب أو يعقد اجتماعا عسكريا. وسألت الحاضرين، ألم تسمعوا بنبأ استقالة سيادة الوزير؟ وإذا كنتم سمعتم، فلماذا لبيتم دعوته لعقد اجتماع؟ هل تتآمرون على مصر؟ هل تظنون أنكم قادرون على قلب نظام الحكم؟ وبحسم ووضوح أمرتهم بمغادرة مبنى الوزارة فورا، وأن يعودوا إلى منازلهم مباشرة. وفعلا لملم الفريق أول فوزى بعض أوراقه وخرج عائدا إلى منزله. وخرجت من خلفه سيارة مراقبة لتتأكد من عودته لمنزله. أما القادة فقد خرجوا بعد خروج الوزير مباشرة. دور عبدالخبير وعمران بعد ذلك اتصلت ثانية بالرئيس السادات وأخبرته أن يطمئن تماما إلى وضع القوات المسلحة، فطلب ثانية أن أذهب لحلف اليمين، فأكدت له أننى لا أستطيع أن أترك مكانى فى الوقت الراهن. وللتاريخ فإن دور كل من اللواء على عبدالخبير قائد المنطقة المركزية والعميد عمران قائد الفرقة السادسة الميكانيكية وقائد اللواء 25 مدرع مستقل الذى كان يعسكر خلف مدينة نصر مباشرة قد ساعد على استقرار الأوضاع ونجاح خطة تأمين القوات المسلحة وإنقاذ مصر من مغبة صراع السلطة. ولم أذهب للقاء الرئيس السادات إلا منتصف الليل وبعد أن تأكدت من استقرار الأوضاع أى بعد ما يقرب من خمس ساعات من دعوته لى للحضور لحلف اليمين. وعندما ذهبت إلى منزل الرئيس وجدت الدكتور محمود فوزى رحمه الله والدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة وقتذاك والأستاذ محمد حسنين هيكل. استقبلنى الرئيس السادات فاتحا ذراعيه محييا مطريا كل ما قمت به، موضحا أن تدخلى جاء فى الوقت المناسب لإنقاذ مصر وإنقاذه شخصيا وعائلته من كارثة محققة. فأجبته بأننى لم أفعل له شيئا وأن كل ما فعلته كان من أجل مصر أولا، ورجوته أن يعفينى من منصب وزير الحربية وأن أبقى رئيسا للأركان لإدارة المعركة قريبا مع العدو، ولكنه أصر وأمر بترقيتى إلى رتبة فريق أول. وطوال الأيام التى تلت ذلك لم يتوقف عن الإشادة بى وبالدور الذى قمت به إلا أننى كنت مقتنعا بأن ما فعلته كان لصالح مصر ولصالح القوات المسلحة، واستمر رئيس الجمهورية فى كل احتفال وكل خطاب يلقيه خاصة فى القوات المسلحة أو مجلس الشعب فى الإشادة بى وبالدور الذى قمت به لإنقاذ مصر مع تأكيده بأن التاريخ سيشهد بأنى قمت بهذا «العمل النبيل» من تلقاء نفسى دون أن يطلبه أحد منى حسب قوله. وثيقة إدانة بالغة الخطورة ويبقى سؤال مهم: لماذا لم أقدم الوثيقة التى أعطاها لى الفريق فوزى بخط يده إلى رئيس الجمهورية، وخاصة بعد أن تم إلقاء القبض على فوزى وزملائه وتقرر تقديمهم للمحاكمة؟ وللحقيقة أننى لم أكن أسعى لإلحاق الأذى بالفريق فوزى، أو أى من أعضاء جماعته فبعضهم كنت ومازلت مقتنعا بوطنيته وإخلاصه، وأنهم إذا كانوا قد خاضوا صراعا على السلطة مع رئيس الجمهورية لاختلاف وجهات نظرهم فذلك ما رأوه.. وأننى إذا كنت قد اتخذت موقفا ضدهم إلا أنه فى واقع الأمر لم يكن إلا لتجنيب القوات المسلحة هذه الصراعات. فلم أتخذ موقفى لأكون مع رئيس الجمهورية أو ضد هذا الفريق وإنما اتخذت قرارى بعيدا عن هذا المنهج، وكنت مع ما هدانى الله إليه لصالح مصر والقوات المسلحة. وبالتالى احتفظت بالوثيقة معى لإدراكى أنها وثيقة إدانة بالغة الخطورة قد تؤدى إلى الحكم بإعدام البعض منهم وتشديد العقوبة على البعض الآخر. وكنت أكره أن أكون سببا فى أن يقوم السادات بتصفية دموية لأعدائه. وبالنسبة للفريق فوزى، فقد أمضى مدة سجنه فى ميس أطباء مستشفى الحلمية العسكرى وكانت لديه جميع وسائل الراحة، وكانت عائلته تزوره يوميا وعندما أرسل لى الفريق فوزى الفريق طبيب رفاعى كامل يطلب منى زيارته، ذهبت إليه فى نفس اليوم، وكان طلب فوزى الوحيد أن ينقل إلى مستشفى المعادى، وفعلا تم ذلك فى اليوم التالى وبسيارتى الخاصة وبقى فى مستشفى المعادى. وبعد إقالتى أرسل فوزى التماسا واستعطافا إلى الرئيس السادات يقول فيه إننى السبب فى سوء التفاهم الذى حدث بينهما فأفرج عنه السادات وأفاض عليه من خيراته. وقد تسببت معاملتى للفريق فوزى فى إغضاب أنور السادات واتهامى بأننى أجامل أعداءه. وقد طلب منى أنور السادات بعد أحداث 15 مايو أن أستغنى عن خدمات أصدقاء ومجموعة الفريق فوزى وكنت أعرفهم فردا فردا ومع ذلك رفضت ولم يخرج ضابط واحد من القوات المسلحة. حمدا لله وشكرا لله .. فقد حققت جميع أهدافى كما خططت لها، فلم تحدث تصفية دموية لأنصار فوزى. وأزحت الخطر عن الوطن والجيش دون أن أدفع الأمور إلى صراع دموى لا يعلم مداه إلا الله.. وأعددنا الجيش للمعركة إعدادا سليما كانت نتيجته والحمد لله الاقتحام العظيم الذى حققته القوات المسلحة يوم 6 أكتوبر على مشهد من العالم كله. إن ما حدث فى مايو 1971 لم يكن ثورة، ولم يكن هناك رجال وقفوا أو قاوموا، بل إن بعض الذين وقفوا مع رئيس الجمهورية فى آخر المطاف هم أنفسهم الذين كانوا فى جانب أعدائه فى البداية. وبانتهاء عاصفة مايو 1971 وضحت صورة ما جرى خلال أزمة الصراع على السلطة، وأصبح السادات مقتنعا بأن السوفيت غدروا به وتآمروا مع مجموعة على صبرى للتخلص منه.