الصبر حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل، وعما يقتضيان حبسها عنه، فهو حبس لها على الطاعة حتى تؤدي، وحبس لها عن المعصية حتى تجتنب، وقال بعضهم هو البعد عن المخالفات، والسكوت عن تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى عند حلول الفقر بساحة المعيشة. وقال بعضهم: إذا كان الأمر متصلا بحبس النفس عند المصيبة عن الجزع سمى صبرًا، وإن كان حبسا لها فى ساحة القتال عن الجبن أو الفرار أو الخذلان سمى شجاعة. وجزاء الصابرين عظيم، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»، ويقول سبحانه: «وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»، ويقول سبحانه: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، ويقول سبحانه: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ». ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ»، وقال (صلى الله عليه وسلم): «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ، وإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ، فَمنْ رضِيَ فلَهُ الرضَا، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ», ويقول (صلى الله عليه وسلم): «مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ فى نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه». أما المصابرة فهى مفاعلة بين طرفين، فحينما تكون حبسًا للنفس على الطاعة أو عدم المعصية فهى مصارعة مع النفس أو الشيطان، فيكون المقصود بقوله تعالى «.. وصابروا» أى واجهوا صبر الشيطان على إغوائكم بصبر على طاعة الله، واجتناب معصيته يغلب صبر الشيطان على الإغواء. وحينما تكون المصابرة فى مواجهة العدو، يكون المعني: واجهوا صبر عدوكم على قتالكم أو الكيد لكم أو المكر بكم بصبر يغلب صبره، فلا يكون أعداؤكم أصبر على باطلهم منكم على حقكم، والحق سبحانه وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، ويقول سبحانه: «وَلَا تَهِنُوا فِى ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» . فمهما يكن من كيد الجماعات الإرهابية ومكرها، فإننا على الحق لا يزيدنا الأمر إلا قوة وصلابة فى الحق، لأننا أصحاب قضية عادلة دينًا ووطنية وإنسانية، وشعارنا قول الله تعالي: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ»، وقوله تعالي: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ»، وقوله تعالي: «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»، وقوله تعالي: «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ». لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف