بعد تجارب عديدة متراوحة المستوى استطاع الفنان الاستعراضى المبدع د. عادل عبده أن يضع يده على الوصفة السحرية المناسبة لجمهور وهوية مسرح البالون فقدم من إخراجه «سيرة حب» عن حياة الموسيقار المجدد العبقرى بليغ حمدى بحيث يختصر المواقف المهمة فى مشاهد شديدة التكثيف والحيوية والبساطة، صاغها المؤرخ الصحفى أيمن الحكيم ببراعة ودون إضافات كثيرة قد تسيء لأى من الشخصيات الخالدة. وكانت الدراما مجرد خيط يربط بين الاستعراضات والأغانى الشجية وهذا يعكس إدراكا ووعيا بدور المسرح الاستعراضي.. فليس مطلوبا تقديم دراما ثقيلة ذات أعماق ومدلولات على هذه الخشبة بل الأصح والأنسب هو تقديم وجبة فنية ممتعة بصريا وسمعيا فى إطار درامى محبوك وسهل التلقى.. وقد جمع عادل عبده بين تقنيات شاشة العرض والجرافيك والديكور البسيط الذى يسهل تغييره فى لحظات قليلة مما أكسب العرض سرعة فى الإيقاع وتنوعا فى المناظر ما بين شوارع باريس ومقاهيها وبيت الموسيقار محمد عبد الوهاب وبيت السيدة أم كلثوم وفرح بليغ ووردة وديكورات أخرى عديدة صممها محمد الغرباوى كما أبدع فى تصميم الملابس المناسبة لكل شخصية.. وأسهمت إضاءة شريف البرعى فى إضفاء جو من البهجة والإبهار فى مساحات الاستعراض.. ونأتى إلى نجوم العرض حيث أكد إيهاب فهمى الرجل ذو الألف وجه أنه ممثل من طراز رفيع شديد الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة والتى تساعد على التقمص وتصنع النجاح إلى درجة رسم حسنة صغيرة أعلى الخد تقليدا لملامح بليغ حمدى وفى الحقيقة لم أكن ألاحظ وجود هذه العلامة فى وجه الموسيقار العظيم الراحل لولا دقة إيهاب فهمى ومعه بالتأكيد إسلام عفيفى خبير التجميل.. أما بالنسبة للأداء ولطريقة الإمساك بالعود والحركة حتى ردود الأفعال الصامتة والساخرة أحيانا تنقل جانبا كبيرا من شخصية بليغ حمدى الذى عشق الحياة والناس وعرف بالكرم الشديد والتأنق والإقبال الشديد على الحياة بصورة فوضوية بعض الشيء وهو ما أدى به إلى مأساة حياته حيث اتهم بجريمة قاسية وكل ذنبه أنه كان يفتح بيته للأصدقاء وضيوفهم دون تكليف ويعد ولائم العشاء كل ليلة بكميات كبيرة.. وقد يستبد به التعب فيذهب ليستريح فى غرفته والبيت بيتهم كما يقال.. ولم يكن بليغ حمدى متفردا فى هذا الأسلوب من الحياة بل سبقه إليه الموسيقار فريد الأطرش وآخرون اشتهروا بالكرم الحاتمى واستقبال الضيوف فى كل وقت ولو على حساب راحتهم ولكن حظ بليغ السيئ أوقعه فى تلك الأزمة الشهيرة حيث انتحرت من داخل شقته سيدة عربية هى سميرة مليان واتهم هو بالمسئولية الجنائية فضلا عن القيل والقال.. وقدم عادل عبده مشهدا فانتازيا متخيلا لمحكمة فنية تحاكم بليغ أو بالأحرى تدافع عنه بشهادات نجوم العصر.. وجسدت المطربة المبدعة مروة ناجى دور حنا محامية بليغ حمدى وأكدت ثبات أقدامها كممثلة مسرح ذات خبرة وحضور طاغ، بالإضافة للصوت القوى والجميل فى مختلف الألحان، وجسد أحمد الدمرداش دور صحفى غيور على زوجته حنا ليضيف ابتسامة راقية وخفة ظل طبيعية فى إطار الدور المرسوم له. مشهد منن العرض - تصوير: السيد عبدالقادر كما أضاف شيكو لحظات ممتعة من الكوميديا العفوية فى شخصية مساعد الموسيقار وأحد تلاميذه المرافقين له.. وظهر نجم الكوميديا مجدى صبحى ظهورا شرفيا لافتا للانتباه فى شخصية الموسيقار محمد عبد الوهاب وأضاف أسلوبه الخاص فى تقليد حرص عبد الوهاب المعروف على النظافة ووسوسته من الأمراض والميكروبات.. وقدم نجوم قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية مواهب مبهرة صوتا وحضورا مثل أحمد عماد فى دور عبد الحليم وسمية فى دور وردة الجزائرية ونهلة فى دور السيدة أم كلثوم وعماد فى دور محمد رشدى وعمرو فى دور الشيخ سيد النقشبندى.. كما استحضر ناصر عبد الحفيظ شخصية وأداء الخال عبد الرحمن الأبنودى وتألق باقى فريق العرض سيد وشريف عوض ورشا وأحمد الشريف وشافعى.. ويبقى أن نشير إلى أن الدعاية للعرض لا تتناسب أبدا مع القيمة الفنية الرفيعة والتاريخ الفنى الراقى الذى يقدم لأجيال لم يحالفها الحظ أن تعيش فى عصر بليغ حمدى.