يحتفل الشعب المصرى بعد ايام قليلة بالذكرى المئوية لثورة 1919 التى كان من اهم انجازاتها صدور دستور 1923 الذى نص للمرة الأولى فى تاريخ مصر على حقوق الانسان المصرى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعندما تولى اسماعيل صدقى باشا رئاسة الوزراء سنة 1930 الغى هذا الدستور وأصدر دستورا جديدا ينتقص من هذه الحقوق فثار الشعب ونزل الى الشارع فى مظاهرات لم تهدأ حتى تولى حزب الاغلبية الشعبية الحكم سنة 1936 برئاسة مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد الذى أعاد دستور 1923. وبعد ثلاثين عاما من الثورة اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948 الاعلان العالمى لحقوق الانسان الذى شارك فى صياغته الدكتور محمود عزمى المندوب الدائم لمصر فى الاممالمتحدة ضمن لجنة ثلاثية كان فيها ايضا شارل مالك مندوب لبنان. وليس من شك فى ان الدكتور عزمى وهو يشارك فى صياغة هذا الاعلان كان يثق ان الشعب المصرى يستحق ان يتمتع بالحقوق والحريات التى نص عليها هذا الاعلان وكان يؤمن بما جاء فى ديباجة الاعلان:والذى نص على «الاعتراف بالكرامة المتأصلة فى جميع اعضاء الاسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو اساس الحرية والعدل والسلام فى العالم. ولما كان تناسى حقوق الانسان وازدراؤها قد افضيا الى اعمال همجية آذت الضمير الانسانى، وكان غاية ما يرنو اليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضرورى ان يتولى القانون حماية حقوق الانسان لكيلا يضطر المرء آخر الامر الى التمرد على الاستبداد والظلم. ولما كانت شعوب الاممالمتحدة قد اكدت فى الميثاق من جديد ايمانها بحقوق الانسان الاساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وحزمت امرها على ان تدفع بالرقى الاجتماعى قدما وان ترفع مستوى الحياة فى جو من الحرية افسح»... تواصل نضال الشعب المصرى على مستويين، الاول ان يتضمن الدستور الحقوق الاساسية التى نص عليها هذا الاعلان، والثانى ان يتطابق الواقع مع ما جاء فى الدستور، واستمر هذا النضال الى ان اثمر فى النهاية دستور 2014 الذى افرد الباب الثالث للحقوق والحريات وأساسه ما جاء فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان، ونص فى المادة الخامسة على ان (يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الانسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور). وحرص الشعب المصرى طوال نضاله على التمتع بحقوقه باعتبارها وحدة متكاملة لا تقبل المقايضة بين الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث كانت السلطة طوال تاريخ مصر الحديث بعد ثورة 1919 تجور على الحقوق المدنية والسياسية واذا نصت على بعضها فإنها لا تحترمها فى التطبيق وتحول دون حق المصريين فى اختيار حكامهم بحرية او التمتع بحرياتهم كما نصت عليها الدساتير. وقد اثبت الشعب المصرى استحقاقه الحقوق والحريات التى نص عليها دستور 2014 ، بحرصه على سلمية نضاله وتجنب العنف فى اصعب اللحظات فى تاريخ مصر سواء فى ثورة 1919 او نضاله الديمقراطى فى الفترة من 1930 الى 1936 او بعد هزيمة يونيو 1967 وفى مواجهة الثورة المضادة فى السبعينات واثناء ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الثانية 30 يونيو 2013، فقد كانت هذه اللحظات من الصعوبة لدرجة اغراء المواطنين باللجوء للعنف ولكن الشعب المصرى اثبت جدارته بالتمتع بحقوقه بتجنبه العنف على امتداد نضاله الديمقراطى. كما اثبت ايضا وعيه الراقى بمساندته جهود حماية الدولة من الانهيار والتصدى للإرهاب بعد 30 يونيو. ومن هنا فليس هناك مبرر للتخوف من تمتع هذا الشعب بحقوقه وحرياته السياسية، كما نص عليها الدستور، وليس هناك مجال للتمييز بينها وبين حقوقه الاقتصادية والاجتماعية فكلا النوعين من الحقوق مكمل للآخر ودافع للرقى والتقدم كما جاء فى ديباجة الاعلان العالمى لحقوق الانسان الذى يؤكده ما تميز به النضال الشعبى حتى الآن ونحن نحتفل بالذكرى المئوية لثورة 1919 من تجنبه للعنف والانزلاق الى الفوضى بل ان نظرتنا الى المستقبل يجب ان تقوم على ما نص عليه الدستور من ان النظام السياسى يقوم على التعددية السياسية والحزبية وهو تطبيق لما جاء فى المادة 21 من الاعلان العالمى لحقوق الانسان, وهكذا ونحن نحتفل بالذكرى المئوية لثورة 1919 واستنادا الى ماحققه الشعب المصرى من انجازات فإننا نتطلع الى ان تكتمل حلقات الثورة المصرية لتضع اساسا لمستقبل يتمتع فيه الشعب المصرى بكل حقوقه وحرياته ويفتح بذلك آفاقا ارحب لمستقبل مصر. لمزيد من مقالات د. عبد الغفار شكر