تعاقبت النصوص فى الدساتير المصرية منذ دستور 1923 الذى جاء نتيجة ثورة 1919 الليبرالية وحتى آخر الدساتير الذى أعدته لجنة الخمسين برئاسة الأخ الدبلوماسى الكبير عمرو موسى الذى أدار اللجنة بحكمة بالغة واستطاع أن يوفق بين العديد من الأطراف المتصارعة أو على الأقل المتناقضة فى الرأى والمنهج . هذا وقد نص دستور 1923 فى المادة الثانية عشرة منه على الآتى :- «م12: حرية الاعتقاد مطلقة». وقد نصت المادة الثالثة عشرة من ذات الدستور على حكم يمكن أن يكون مكملاً للمادة السابقة على النحو التالى :- «م13: تحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية فى الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافى الآداب» .ولما عطل دستور 1923 وأعلن دستور 1930 الذى يعتبره الفقه دستورياً رجعياً كرر فى المادتين الثانية عشرة والثالثة عشرة ذات الأحكام الواردة فى دستور 1923 بنصها وتحت ذات الأرقام . هذا وقد ألغى العمل بدستور 1923 ودستور 1930 وفى عام 1935 ونتيجة للمظاهرات الحاشدة ولمطالبات الشعب أجبر الملك فؤاد على إعادة دستور 1923 .وفى الفترة التى عطل فيها دستور 1923 وكان اسماعيل صدقى صاحب اليد الأولى فى جزء كبير من ذلك الذى حدث هجاه شاعر النيل بقوله :- اللهم أحى ضميره ليذوقها غصصا وتنسف نفسه الآلام ودعا عليك الله فى محرابه الشيخ والقسيس والحاخام وفى 23يوليو 1952 قامت حركة الجيش بقيادة تنظيم الضباط الأحرار وتلقى الشعب هذه الحركة بقبول واسع ومن ثم أضفى عليها القبول الشعبى العارم والرفض الواضح لكل ما مضى قبل ثورة 1952 أن أطلق عليها أم الثورات فى مصر حتى الآن .وكانت هذه الثورة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذى مازال اسمه يتردد فى الذاكرة المصرية بل والذاكرة العربية .وقد جاء فى أول دستور صادر عن ثورة 1952 وذلك فى عام 1956 نص المادة الثالثة والأربعون ونصه :-م43: حرية الاعتقاد مطلقة وتحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية فى مصر على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافى الآداب . وقد تأكدت ذات المعانى السابقة فى دستور 1971 بنصه فى المادة السادسة والأربعين منه على :-م46 : تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية .وقد استعرضت كل هذه المواد فى الدساتير المتعاقبة بدءاً من دستور 1923 وحتى دستور 1971 لانتهى منه إلى أن الأصل فى الدولة الديمقراطية هو مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين جميعاً أيا كان دينهم أو جنسهم أو ملتهم أو اقامتهم فى الحقوق والواجبات . ولا يعرف صحيح الاسلام سنة ولا شيعة وإنما يعرف «مسلمين» كذلك فإن المسيحية دين المحبة لا تعرف هذه الملّة وتلك الملّة ولا تقيم تفرقة بين ملّة وأخرى وإنما هم جميعاً ماداموا قد اخلصوا الاعتقاد والعمل ولم يصدر منهم ضرر ولا إيذاء لأحد هم جميعاً سواء أمام ملكوت الله . حفظ الله مصر من شرور الفتنة والفرقة الطائفية وأبقى لها جيشها وأزهرها وكنيستها فهذه هى الركائز الثلاث للوحدة الوطنية .وإن الإرهاب الذى يهدد مصر ويخرب فيها لا يمكن أن ينتمى إلى أى دين أو ملّة ولا يمكن أن ينتمى إلا إلى الغدر والخراب والعمالة لأعداء هذه الأمة . لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل