► الصحيفة تنقذ جامعة القاهرة من الإغلاق.. ► «ابن سينا» غاضب من شائعات أن الشهادة الجامعية تفقد «جدواها» ► «معارك الاستقلال» بين الإدارة والوزارة أبرزها معركة طه حسين وحكومة صدقى -----------------------------------------------------------------------
منذ لحظة ولادتها، بدت «الأهرام» كأسرجة الليل، تضيء سماء مصر، تخوض معاركه، تفتح نوافذ الحرية والحداثة والتقدم، إنها أيقونة وطن، تختزل وقائع حياته وجهاده الممتد، كالنيل السائر بلا توقف، مرة هادرا وأخرى مسترخيا، تحمل نبض الفكر والضمير والحراك المجتمعى، طيلة 140 عاما من العمل والأمل، وبينما تلعب صحف أخرى دور «الخرقة الحمراء» للثور الهائج /السلطة، ظلت الأهرام «ترمومتر» المحروسة، بكل ناسها وطبقاتها، المحكومين قبل الحكام، ولو اضطرت يوما للسير فى الزفة، فإنها سرعان ما تعود سيرتها الأولى، وفية لقضايا الأمة وأحلام الشعب، بدقة ورصانة، لاتخلو من فخامة مجلجلة وبساطة آسرة.. ولأنها مؤسسة متعددة الأذرع والنوافذ والعطاء، تبقى التعبير الأسمى عن عظمة مصر وحضورها وبريقها أو تواريها وذبولها، تمد الأهرام أغصانها وثمارها السخية للعقول والقلوب، فى كل بيت، مطبوعة ورقية أو إلكترونية، تطل عليك- سيدنا القارئ- من كل نافذة، وهى مازالت على عهدها تواصل الدرب، بحرارة الحدث وصهد الكلمات وسديد الرأى، يتقد بهاؤها السيال عبر الحروف والصور والكاريكاتير، مزاوجة ببراعة بين المعلوم والمكتوم، تفك طلاسم الواقع وتقلبات الأزمان، وهى تتحسس نبض أم الدنيا.. قبل نحو قرنين، قال الفيلسوف الألمانى هيجل إن قراءة الصحف هي «صلاة الإنسان الحديث»، ولا أجد وصفا أدق من هذه الكلمات لمنزلة الأهرام عند القارئ المصرى والعربى، وحتى العالمى، فقد ظلت بحق، وفى اللحظات التاريخية الفاصلة، «صلاة إنسان ونبض وطن»، على نحو ما نلمسه فى المواقف والخبايا والوقائع التى كشفتها هذه الجريدة طيلة عمرها المديد فى خدمة قارئها السعيد. معركة الجامعة “باسم الفتاح العليم أعلن افتتاح الجامعة المصرية وأسأله تعالى أن يجعلها منهلا عذبا لطلاب العلم والفرقان على اختلاف الأجناس والأديان”، بهذه الكلمات اختتم الخديو عباس حلمى الثانى خطبته فى افتتاح الجامعة المصرية الأهلية، بحسب ما ذكرت الأهرام فى عددها الاثنين 21 ديسمبر 1908، تأكيدا لإصرار المصريين على ولوج عصر العلم والأنوار والمعرفة فى أرقى صورها، برغم رفض وتعنت المحتل البريطانى هذه الخطوة، آملين انتشال بلادهم من وهاد التخلف وظلام الجهل الذى ران عليها طويلا، ولتلحق بركب الأمم المتحضرة، فمعاهد العلم وأكاديمياته الراقية ضرورة مجتمعية وثقافية، وهى الشرط الوحيد الذى يتميز من خلاله الخيط الأبيض من الخيط الأسود فى حياة الشعوب..!
سبق ميلاد الجامعة بعقود مؤسسات للتعليم العالى «مدارس عالية» فى عهد محمد على وخلفائه ولهدف محدد هو تخريج الموظفين اللازمين لإدارة عجلة الحكم والإنتاج والتوسع الحربى، ثم اقتبست مصر فكرة «الجامعات الحديثة» من أوروبا، بوصفها أهم أدوات صناعة التقدم البشري، حيث داعبت الفكرة أحلام المصريين، فولدت الجامعة المصرية، دون معونة حكومية، اعتمادا على أموال التبرعات والاكتتاب، ساعية لأن يكون العلم فيها للعلم، وليس للشهادة التي تؤهل للوظيفة الحكومية المرتجاة، وكان أغلب القائمين عليها من المثقفين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج،خاصة في فرنسا،والذين تشبعوا بالتقاليد اللاتينية الداعية إلي «استقلال الجامعة»، من أمثال قاسم أمين ولطفي السيد وأترابهما. ومع أنها بدأت بداية واعدة، فإن الجامعة تعثرت بقسوة، زمن الحرب العالمية الأولي، حتي طالب بعضهم بوجوب إغلاقها خلال (1915 1917)، مما دعا بعضا آخر -وعلي رأسهم «الأهرام»- إلي الدفاع باستماتة عن بقاء المؤسسة الوليدة التي لم تكن قد بلغت العشر سنوات وقتئذ. ففي19 اكتوبر عام1915 نشرت صحيفتنا مقالا بعنوان:”حول الجامعة المصرية ضجة في الفضاء لا نعرف مهبها”، أعربت فيه عن دهشتها من أصحاب تلك الأصوات واستعرضت أهم الأسباب وراء ما يواجه المشروع من مشكلات، رافعة الحرج عن إدارة الجامعة.. قائلة: انشئت في القاهرة هذه الجامعة، وكان من الواجب أن تكون في كل عاصمة من عواصم هذا القطر جامعة مثلها، فلم يدرك الأكثرون مهمتها فظن بعضهم: أنها ستحمل العلم بأكياس إلي الدور والمنازل فتوزعه بدرات بدرات، حتي تملأ به كل بيت، وظن آخرون أننا بها سنستغني عن المدارس الأخري العالية، وازدراها سواهم لأن شهاداتها لا توصل الطالب إلي كرسي الاستخدام، ووعد الكثيرون بأن يعطوها ويمنحوها ولم يفعلوا، بل عادوا عن وعدهم، وتخيل فريق العضوية فيها كمنصب الحكم. تشير الإحصائيات التي قدمها المستر دونالد ريد في كتابه “جامعة القاهرة وصناعة مصر الحديثة” إلي حقيقة انصراف الطلاب عن الجامعة الأهلية، بعد أن تبينوا عدم جدوي شهاداتها، فقد بلغ عدد الطلاب المقيدين بها عند نشأتها754 ظلوا يتناقصون حتي وصلوا عام1922 إلي107 طلاب فحسب. في ظل هذا الوضع المتأزم، راجت شائعات عن إغلاق الجامعة، وهي شائعات صنعتها “حملة صحافية” منظمة نادي القائمون بها بالويل علي أموال الجامعة التي ضيعت وبعثاتها التى أعيدت من الخارج، فى المقابل وقفت “الأهرام “محاميا عتيدا بارعا مؤمنا بقضيته”، فشرحت أسباب تلك الضائقة، وأهمها أن حركة الاكتتابات بطيئة على الرغم من المساعي لحض الناس علي مساعدة الجامعة والأخذ بيدها. فقد أدركت هيئة تحرير الأهرام خطورة وأد حلم “الجامعة المصرية” على مستقبل مصر بأسرها، فأشهرت الصحيفة كل أسلحتها فى معركة الدفاع عن بقاء الجامعة، بكل ما يعنيه ذلك من وعى وبصيرة لمصلحة الوطن، لم تكن هيئة تحرير الاهرام وحدها في هذا الميدان، فقد دعمها في ذلك عدد من القراء خصصت لهم الصحيفة مساحات واسعة منها، مما يشكل دعما قويا للجامعة للخروج من عثرتها وإلي أن يكون القول الفصل في مصلحة استمرارها لا إلغائها، وكان الجميع بذلك متوافقين مع دورة عجلة التاريخ. ومن بين هؤلاء قارئ وقع باسم “ابن سينا” قاد هجمة مضادة ضد أصحاب دعوة اغلاق الجامعة، في اكثر من مقال له تحت عنوان “الانتقاد لا الانتقام” هاجم بقسوة اصحاب هذه الدعوة، قارئ آخر: م.ي طالب الأمة المصرية بأن تبرهن علي انها أمة حية مشتاقة الي العلم وتحتفظ بأثر من مآثرها العلمية وتنفخ فيه روح الحياة وتهب هبة واحدة في مساعدة هذا المشروع الجليل الذي هو غرس اياديها وثماره لها. وقد اتفق القراء، مع اختلاف توجهاتهم، علي أنه ليس ثمة سبيل لإنقاذ الجامعة سوي استنفار قوي الأمة للتبرع لإنقاذها. ظلت الجامعة تعاني المتاعب خلال سنوات الحرب القاسية، والأهرام تدافع وتساند، وتقف “سدا عاليا” أمام إغلاقها، خفت حدة الأزمة قليلا بدخول عدد من المصريين، مجلس ادارتها خلال تلك الفترة علي رأسهم سعد زغلول وأحمد لطفي السيد، فصلبت الجامعة طولها، الي أن اعتلي الامير فؤاد، رئيس الجامعة حتي عام1913 عرش مصر عام1917، ولم يكن بالإمكان أن يتخلي عن مشروعه القديم فعادت الحياة الي عروقه، وكان الملك فؤاد وراء تحويل هذا المشروع الي مؤسسة حكومية عام1925، ومن ثم لم يكن غريبا أن تتسمي الجامعة باسمه عقب وفاته “جامعة فؤاد” وهى اليوم “جامعة القاهرة”..! ففي12 ديسمبر عام1923 تم توقيع الاتفاق بين وزارة المعارف وإدارة الجامعة الأهلية، لتكون “الجامعة المصرية” معهدا عاما محتفظة بشخصيتها المعنوية وتدير شئونها بنفسها بكيفية مستقلة تحت إشراف وزارة المعارف العمومية كما هي الحال في جامعات أوروبا، وفي يوم الخميس24 يناير من عام1924 نشرت الأهرام' مشروع القانون الخاص بإنشاء الجامعة، وفي الاثنين11 مايو عام1925 عقد مجلس إدارة الجامعة المصرية، في ثوبها الأميري أولي جلساته.. نشرت “الأهرام” تفاصيل تلك الجلسة التي عقدت برئاسة علي ماهر باشا وزير المعارف وبحضور أحمد لطفي السيد أول مدير للجامعة الجديدة وأربعة عشر عضوا من أعضائها الخمسة عشر، وأغلبهم من أصحاب الأسماء الكبيرة في عالم الإدارة والسياسة. لقد رعت “الأهرام” الجامعة وتابعتها بعين الرضا حتى فى معاركها مع الحكومة، مثلما جري يوم3 مارس عام1932 حين أصدر وزير المعارف في حكومة صدقي أمرا بنقل الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب بالجامعة إلي وظيفة مراقب التعليم الابتدائي بالوزارة، وغيرها من المعارك التى ساندت فيها الجامعة حتى اليوم. لكن تظل “معركة الإبقاء على الجامعة “ صفحة نادرة لجريدة وفية لوطنها قدمت للجامعة المصرية في بدايتها التشجيع والدفاع عن وجودها، وما زالت الأهرام، حتى اليوم، تفرد صفحاتها لمسألة الجامعة والتعليم، ليس لجامعة القاهرة فقط ولكن لسائر جامعات الكنانة، ويكفي شرفا تلك الابواب الثابتة التي جعلتها نافذة لمشكلات التعليم العالي بمصر والمواجهات القوية والصريحة التي تقودها من أجل بعث روح جديدة للتعليم في بر المحروسة. عندما يخشى العالم المصريين فى شأن لايقل أهمية، تمد الأهرام يدها، بلمسة وفاء وإكبار، لاتخلو من الدلالات الكاشفة العميقة، وهى تحيي ذكرى إبراهيم باشا ابن محمد على «أبوالعسكرية المصرية فى العصر الحديث»، وأعظم قادتها وأكثرهم براعة وحنكة، خلال القرنين الأخيرين، كون الرجل جيشا نظاميا متطورا، يضارع أعتى جيوش الأرض، وخاض معارك رهيبة وكثيرة، ضد الدولة العثمانية والروسية والانجليزية وفى اليونان، لم يهزم فى أى منها، مد ظل مصر فى مشارق الأرض ومغاربها، وأوشك أن يبنى امبراطورية عربية عاصمتها القاهرة، ضم بلاد الشام والحجاز والسودان تحت السيادة المصرية، زلزل الأرض تحت أقدام الخليفة العثمانى وكاد أن يطيح به وينتزع اسطنبول، وقبل ذلك نجح في «فتح عكا»، وهو ما فشل فيه القائد العبقرى نابليون بونابرت، حكم إبراهيم مصر شهورا قليلة فى حياة والده محمد على باشا، وتوفى، بعد أن تكالبت عليهما جميع القوى الكبرى آنذاك، ساعية لتقويض الحضور الامبراطورى المصرى الذى اعتبرته تهديدا استراتيجيا لابد من سحقه ووقفه، فهل يكرر التاريخ نفسه، أم أنه «عبث الأقدار» بتعبير النجيب محفوظ..!! وبمناسبة مرور 100 عام على فتح إبراهيم باشا ميناء ومدينة عكا الفلسطينية، أقيم احتفال رسمى وشعبى وعسكرى مهيب، بميدان الأوبرا وسط القاهرة، تحت أقدام التمثال الشهير لإبراهيم باشا، عام 1932 بحضور الملك فؤاد حفيد إبراهيم باشا ومشاركة رجال الدولة والجماهير، وهو ما احتفت به «الأهرام» بصدر صفحتها الأولى، التى جاء عنوانها «التذكار المئوى لفتح إبراهيم باشا مدينة عكا» فى عدد 27 مايو 1932، أى بعد مائة عام بالتمام على فتح عكا 27 مايو 1832، وسردت فيه أهم المعارك التى خاضها صاحب التمثال وانتصر فيها صانعا ملحمة عسكرية عبقرية وإنسانية فذة، قلما يجود الزمان بمثلها. ولاعجب، فقد كانت «الأهرام» هى صاحبة الفضل فى التنبيه إلى الحدث والدعوة إلى الفكرة، من خلال سلسلة مقالات كتبها رئيس التحرير داود بركات، عنونها:«منذ مائة سنة- البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام منذ مائة عام1832. وقد اقتنص القصر وإسماعيل صدقي رئيس الوزراء نشر مقالات داود بركات لتحويلها إلي مظاهرة لتأييد العهد الملكي القائم، من خلال الاحتفال، عبر الضرب على أوتار قلوب الشعب، وتذكيره بذكرى نجاح جيش الفلاحين الذي يقوده إبراهيم باشا في فتح المدينة التي استعصت من قبله علي بونابرت العبقرية العسكرية التي شهد لها الجميع، حتي إن هذا الاستعصاء صار مثلا عندهم عندما يتفاخر أحدهم بفعلة ما، فيتعجبون قائلين:«وكأنه فتح عكا»! بدأت وقائع القصة عندما فشلت القوات التركية فى إطفاء الحركات المناهضة للباب العالى فى عدة أقطار، فاستعان السلطان العثمانى بوالى مصر محمد على، فأرسل الجيش المصرى بقيادة ابنه إبراهيم باشا، لإخماد التمرد المتصاعد بالجزيرة العربية، ثم فى بلاد اليونان، حيث أذهل إبراهيم باشا أوروبا وأزعجها خلال حروب المورة، بقدرته على سحق الثوار ضد العثمانيين، وهو ما عجز عنه الجيش التركى، فاجتمعت الدول الأوروبية لوأد القوة المصرية البازغة، فناور الباشا وداور بقواته، لما استشعر الفخ الأوروبى، وهو ما لم يعجب السلطان العثمانى لذلك حث والى عكا على مناوشة محمد على وإزعاجه، فأرسل إليه الأخير إبراهيم باشا على رأس الجيش المصرى، فحاصر عكا شهورا، وأنزل الهزيمة بقوة تركية جاءت مددا، وهاجم عكا حتى استسلم واليها عبدالله باشا الجزار. ولما دخل الجزار علي إبراهيم انحني إلي الأرض، فتناوله إبراهيم بكلتا يديه وقال له: أنا وأنت متساويان فذنبك إلي يغتفر لكنك تجرأت علي محمد علي وهو أكبر حلما. وجاء رد عبد الله باشا موجزا: هذا حكم القدر!، ولما بالغ إبراهيم فى إكرام أسيره، قال له الجزار باشا: لا تعاملني ياباشا معاملة الحريم فإن دفاعي يبرهن لك علي الضد وكل أخطائي أني اعتمدت علي الباب العالي الذي لا يزيد شرفه في نظري علي شرف المومس، ولو أني عرفت ذلك لاتخذت الحيطة ولما كنت ملقى بين يديك»، ثم أرسل الجزار مكرما إلى محمد على بالقاهرة فقابله بالاحترام، «هكذا يعامل الأبطال الأبطال» بهذا علقت الأهرام على سردها لهذا المشهد.
* سعد زغلول ..جبار الوادى وزعيم الفلاحين .. قهر الحياة فهزمة الموت * الصحف الانجليزية تحذر من كارثة غياب " الرجل الثانى " فى السياسة المصرية * داود بركات يكتب عن المؤامرة المكشوفة:بريطانيا اغتالت " السردار الانجليزى " لتنفيذ مخططاتها ------------------------------------------------------------------- الدستور والبرلمان.. فصول فى قصة بلا نهاية: اول هيئة تشريعية فى العالم العربى .. والاهرام ترصد : "متى بدا تزوير الانتخابات " بمصر صعق السلطان العثمانى مما جرى، فجمع «المشايخ» واستصدر منهم «فتوى» بتجريد محمد على وولده إبراهيم من جميع الرتب والمناصب الدينية، بوصفه خارجا على ما فرضه الشرع الشريف والسلطان، ويذكر رئيس تحرير الأهرام داود بركات أن محمد علي عندما بلغه الخبر قهقه ضاحكا حتي استلقي علي ظهره من الضحك، وأثبتت الأيام أنه كان محقا!». جن جنون السلطان العثمانى فحشد القوات لمواجهة الجيش المصرى وطرده من الشام، فكانت النتيجة عكس ما يشتهى ولقى الجيش العثمانى هزائم نكراء أمام الجيش المصرى بقيادة «الإبراهيم» فى قونية ثم نصيبين، وسار الطريق إلى اسطنبول مفتوحا، لكن محمد على رفض أن يسمح لإبراهيم باشا، بدخولها بعدما صارت لقمة سائغة، لكن القوى الأوروبية انجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وفرنسا استشعرت الخطر ودبرت معاهدة لندن عام 1840 بموافقة الخليفة العثمانى، لكبح التمدد المصرى وإسقاط دولة محمدعلى التى قامت على أكتاف القائد إبراهيم وجيشه، جيش الفلاحين المصريين. وأصدر محمد على أوامره إلى إبراهيم باشا بإخلاء سوريه والعودة لمصر. يدعونا ذلك إلى التوقف أمام أهم نتائج فتح عكا، ومنها أن مصر تولت مسئوليتها عن بلاد الشام أمام الدول الكبري، الأمر الذي نتبينه من الرسالة التي بعث بها إبراهيم إلي متسلم القدس والمفتي وقاضي القضاة، لحسن معاملة جميع الطوائف وأتباع الأديان، وكان بهذا متفهما لمعني الدولة مدركا لطبيعة واجباتها أمام رعاياها مما لم تعيه أبدا الدولة العثمانية, الأمر الذي قادها بعدئذ إلي الحرب المعروفة باسم حرب القرم(1853-1856)، وهو ما لم تفهمه دولة إسرائيل حتي هذه اللحظة. وتكشف إنجازات «الفاتح العظيم» إبراهيم باشا، كما رصدتها الأهرام، عن عمق التفكير الاستراتيجى لدى محمد على وابنه ، إذ كان الاتجاه إلى فتح عكا والسيطرة على بلاد الشام، هو الاتجاه الطبيعى لكل حاكم مصرى، بوصفها جزءا مكملا لأمن مصر وسلامتها وتكاملها الاقتصادى، كما أنها حاجز حصين بينها وبين الأتراك –وغيرهم- إذا حدثتهم أنفسهم بغزو مصر، يرى خبراء الاستراتيجية أن خط الدفاع الأول عن مصر إنما هو جبال طوروس، والثانى سوريا ولبنان، والثالث فلسطين والرابع صحراء سيناء، كما أن ضم الشام والحجاز والسودان يعنى ضمان الإمساك بتلابيب طرق التجارة العالمية الرئيسية آنذاك، وتوفير خامات طبيعية للثورة الصناعية والعلمية التى بدأها الباشا وأسواق لمنتجاتها، بالإضافة إلى تأمين منابع النيل من الأخطار وأطماع القوى الكبرى، التى يهمها أن تظل مصر دولة ضعيفة تابعة. عبدالرزاق السنهوري، وزير المعارف الأسبق، في كتاب «إبراهيم باشا»: «جاء إبراهيم في عصر كانت الأمة العربية فيه قد نسيت نفسها، فانحلت روابطها، واندكت صروح مجدها، وعثرت ولج بها العثار، فقاد جيشا مصريا عربيا إلى موطن العزة والمجد، وحرر البلاد العربية من نير شديد الوطأة، وأيقظ الوعي العربي من سبات عميق، وأطلق الروح العربية من عقالها التي رسفت فيه قرونا، ولولا تألب الدول الغربية بالأمس، كما هي تتألب اليوم، لأعاد للعرب مجدهم القديم، ولجدد الإمبراطورية العربية «شامخة المجد، عالية الأركان». السير فى الزفة لكن هل تخيلت عزيزى القارئ “صحيفتك” يوما وهى تسير، مع السائرين، فى الزفة للحاكم، بما لايتفق مع تقاليدها الراسخة الرزينة.. قبل أن تتعجل الإجابة، إليك هذه السطور، لعل فيها شفاء لهواجس عن علاقتها بالسلطة فى زمن ما.. إنها مناسبة زواج الملك فاروق بالملكة فريدة، حيث أفاضت الجريدة فى وصف الزواج الملكى بأروع الأوصاف الأسطورية، حتى إن البشر والحجر والنيل «تشاطر مليك مصر المحبوب فرحه وتظهر له مكنون ولائها فى يوم قرانه الميمون»، وذلك فى صدر صفحتها الأولى اليوم التالى، الخميس 20 يناير 1938، ومما كتبته حول صورة فاروق وفريدة: «..وهل يوم أكرم على مصر وأعظم يمنا من هذا اليوم الذى يتم فيه قران الفاروق ويزدان القصر العامر بسليلة المجد المؤثل، صاحبة الجلالة «ملكة مصر» المعظمة». لم تتخلف صحيفة عن المناسبة، ومن الطبيعى أن تشارك الأهرام فى تغطية هذا الحدث ، خاصة أنه «الملك» الوحيد من أسرة محمد على الذى يتزوج وهو على العرش، وعقد القران الإمام الأكبر شيخ الأزهر،بحضور كبار رجالات الدولة والأعيان، وقد ظللتهم الفرحة ولم يتنبأ أي منهم بما سوف ينتهي إليه «الزواج الملكي السعيد»، وأن مصيره «الطلاق»، لتكون خلفياته أحد أسباب زوال الحكم الملكى وقيام الجمهورية. أفردت صحيفتنا لهذا الزواج أكثر من نصف مساحة عددها، وانفردت بصور الزفاف التي شغلت الصفحتين الأولي والأخيرة، وخصصت صفحة لما سمته «صدي الأفراح الملكية في عواصم أوروبا وصحف العالم»، بدا معها وكأن الدنيا كلها تحتفل بزواج الصبي الذي اعتلي عرش مصر قبل أشهر قليلة. ومما ذكرته الأهرام من أخبار: صدور«إرادة ملكية» بإطعام فقراء العاصمة علي نفقة الجيب الملكي الخاص يوم الاحتفال، بإقامة 10 سرادقات في الأحياء الشعبية لتقديم الطعام، وتخفيض أجرة السكك الحديدية 70% لمدة 5أيام، وأطلقت مدفعية الحرس الملكى 21 طلقة، وأقيمت ثلاث حفلات بقصر عابدين، أحيت إحداها «الآنسة أم كلثوم»، وصدر طابع بريدى يحمل صورة الزوجين الملكيين، ب5 مليمات فقط. وأسهمت الأهرام بالمناسبة بطريقتها، فقد قام أحد محرريها بجولة جوية في سماء القاهرة علي متن إحدي طائرات مصر للطيران «تشق أجواز الفضاء متجهة شطر سراي القبة، مقر العروسين الملكيين، تحية إلي صاحب العرش المجيد»، بالطبع كان للإعلانات مساحة معتبرة، ولم تخل من الطرافة، نشر «العجاتي الكبابجي» إعلانا قال فيه إنه «خفض أسعاره بمناسبة الزفاف الملكى، وجعلناها 7 قروش للرطل. أطال الله عمر مولانا المعظم»- توفي فاروق عام1965 دون أن يتجاوز الخامسة والأربعين- وإعلان المسيو جاك شوارتس صاحب توكيل «شفرات حلاقة» يهنىء صاحبى الجلالة، ويدعو قراء الصحيفة لاستخدام شفراته، لأنها جيدة ورخيصة، وحذا حذوه صاحب «لوكاندة عباس» بشارع كلوت بك «للعظماء القادمين من الأرياف إلى القاهرة». ولم يفت الأهرام بالطبع الإشارة إلى الهدايا التى تلقاها الملك فاروق من زعماء العالم، ومنها هدية «الهر هتلر»: «سيارة مرسيدس فخمة كابرليه من النوع الرياضي الممتاز وهي تمثل أفضل وأجمل وأدق ما بلغته صناعة السيارات في العالم كله». المدهش حقا أن الزواج الملكى هو «زواج عيالى»- حسب وصف الدكتور يونان لبيب رزق- فالملك كان أقل من الثامنة عشرة إلا بثلاثة أسابيع، «مواليد 12 فبراير 1920، بينما تصغره فريدة بثمانية عشر شهرا، واسمها الحقيقى صافى ناز ذو الفقار، تغير اسمها إلي «فريدة» بمرسوم ملكي بمناسبة اقترانها بالملك، تيمنا بالتقليد الذي وضعه والده الملك فؤاد، بأن تبدأ أسماء كل أبنائه الذكور أو الإناث بحرف الفاء، الذي كان يتفاءل به، وهو التقليد الذي سار عليه فاروق. تفسيرات كثيرة لزواج بهذه المواصفات، أحدها أنه يأتى بعد ثلاثة أسابيع فقط، علي إقالة الملك فاروق لوزارة النحاس باشا الزعيم الوفدى ذى الشعبية الكاسحة، عندما أقيمت الأفراح والليالي الملاح احتفالا بزواج «الصبى» صاحب الجلالة الملك، لصرف اهتمام الناس عن الحدث السياسي الجسيم، وهو ما كان محلا لترحيب خصوم الوفد، بل وربما تدبيرهم، في مقدمتهم رئيس الوزراء محمد محمود باشا ومحمود فهمي النقراشي والدكتور أحمد ماهر.عبرت عن الموقف السياسي المحتقن وقتئذ بين القصر والوفد وقد ورد بأحد أعداد الأهرام آنذاك نص خطبة النحاس باشا اتهم فيها خصومه-علي رأسهم الملك بالطبع- بالتآمر علي الوفد وأن هذه المؤامرات ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلي زمن بعيد. الامبراطورة الوحيدة ومن زفة الملك إلى زفة شقيقته فوزية، سارت الأهرام ووراءها بقية الصحف، فبعد عام تقريبا من زواج فاروق وفريدة، عقد قران ولى عهد إيران محمد رضا بهلوى والأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، والتى أصبحت بعد عامين «امبراطورة على عرش الطاووس» وصار زوجها امبراطورا، بعدما خلع الانجليز والروس والده من سدة الحكم، خلال الحرب العالمية الثانية، لتكون فوزية المرأة الوحيدة فى التاريخ المصرى التى حملت لقب «امبراطورة». تصدرت صورتا العروسين، وفوقهما رمزا التاج الإيرانى والمصرى، صفحة الأهرام الأولى، الأربعاء 15 مارس 1939، تحت عنوان»بأيمن طالع وأتم سعد»، ومن ضمن ما كتبته الصحيفة: «تعالى الله، ما أجل وما أروع، فهذان عرشان من أعظم عروش الدنيا وأسماها مكانة وأكثرها على الدهر دالة، عرش الفراعين وعرش الأكاسرة –يجتمعان اليوم بالمصاهرة أمتان قد تعارفتا منذ فجر التاريخ فكانتا فى المجد صنوين، بما امتد من سلطانهما على الشعوب، وما دانتا به الحضارة من علم وعرفان، وها هما اليوم ترتبطان بحلف لاتبلى جدته ولا تحل عقدته...فلقد أهدت إيران إلى هذا الحلف السعيد سيد شبابها وولى عهد امبراطوريتها، ووارث عرش البهاليل من آل كسرى، وأهدت إليه مصر زهرة نضرة من الدوحة العلوية هى سليلة الملوك الفاتحين، كريمة فؤاد العظيم وشقيقة فاروق الأول، فهل بعد هذين النسبين غاية فى المجد والفخار..» كان زواج فوزية من بهلوى «زواجا سياسيا»، فقد كان رضا بهلوى «والد الأمير» رجلا عسكريا استولى علي العرش الإيراني، وأعلن نفسه إمبراطورا، ولم يتمتع بأصالة الأسر المالكة، ورأى الرجل أن مصاهرته مع العائلة المالكة المصرية توفر له قدرا من هذه المكانة، باعتبارها أعرق الأسر المالكة في المنطقة، بالإضافة إلى وجود توجه فى القاهرة إلى الامتداد شرقا، بوصفه الامتداد الحضارى والثقافى الطبيعى لمصر، تزعم هذا التوجه على باشا ماهر رئيس الوزراء، ووجد فى «هذا الزواج» ما يدعم الفكرة. فى البداية تردد فاروق قليلا بحكم الاختلاف المذهبي بين البيت الإيراني الشيعي والبيت المصري السني، واستشار بعض شيوخ الأزهر في ذلك فأفتوا بجواز مثل هذا الزواج، إنه زواج ما قبل الأحقاد القومية والطائفية، يتجاوز لحظته الماضية ليصفع مشعلى الحرائق والفتن المذهبية فى زمننا، فى هذا الزواج أكثر من حكمة وعبرة لعصرنا الطافح بالأبخرة الكريهة، بتعبير شكسبير..! كانت فوزية كبري شقيقات فاروق، تعلق بها أكثر من أمه التي انفلت عيارها بعد رحيل أبيه، برغم ذلك ترك فاروق القرار الأخير للأميرة التي قبلت الاقتران بولي العهد الإيراني. . غنت أم كلثوم فى حفل الزفاف الكبير بالقاهرة، «على بلد المحبوب ودينى»، كما رقصت بديعة مصابنى على إيقاع الغناء الفلكلورى، ثم سافرت «فوزية» إلى إيران، بعد عامين صارت فوزية «امبراطورة على عرش بلاد فارس»، فتوسعت الأهرام فى نشر التفاصيل، وبينما كان مندوب الأهرام في طهران يتابع التطورات التي تجري علي الطبيعة أول بأول كان مراسلو الجريدة بالقاهرة يتابعون رد الفعل لما يجري في بلاد الشاهنشاه، فقد قوبل نبأ ارتقاء صاحبة الجلالة الإمبراطورة فوزية عرش إيران» بأعظم مظاهر الابتهاج في مختلف أنحاء البلاد. ولأن دوام الحال من المحال، فقد تردد أن فوزية تعرضت إلى مكائد ومؤامرات من عائلة الشاه وحاشيته، حتى زارت القاهرة فأصر فاروق على عدم إعادة أخته الامبراطورة إلى زوجها الامبراطور، مع أنهما أنجبا ابنة. قلب مصر ينخلع..! ذات يوم بهى...أوقد سعد زغلول شعلة الحرية لجموع الشعب المصرى، أخذ بيدها من ظلمات الاحتلال إلى مراقى الاستقلال، فك عقدة صمتها، فلهج بمطالبها المشروعة، وثار فى وجه الانجليز، ضاقوا به واعتقلوه ورفاقه فخرج الشعب من سجنه فى أعظم ثورة شعبية فى تاريخه عام 1919، شكلت بؤرة وإلهاما لشعوب الأرض، وجسرا للاستقلال والحرية الذى تحقق بعد ذلك، كان سعد زغلول زعيما وطنيا تاريخيا، تفيض حياته بالتطورات المدهشة والمكابدات العظيمة والمواقف المشهودة لرفعة أمته، لذلك كان رحيله عن الدنيا فى 23 أغسطس 1927 فاجعة مأساوية للمصريين خلفت ألما عظيما فى قلوبهم. فى عددها صباح 24 أغسطس خرجت الأهرام بمانشيت من كلمة واحدة هى: «سعد» تحتها صورة للراحل جالسا محدقا فى الافق، وتحت الصورة عبارة :«المغفور له الرئيس الجليل سعد زغلول باشا» وخصصت صفحتها الأولى وما بعدها للحديث عن مناقبه ومواقفه الخالدة، وضعها رئيس التحرير داود بركات بنفسه، وكان مما قاله:«تودع مصر اليوم رجلها – وقل من يستحق فى الأمم هذا الوصف- تودع سعدا وقد حل سعد منها بين القلب والشغاف، وارتقى سعد فيها من الذروة العليا تنقطع الأعناق دون التطلع إليها... فإذا فاخرت أمة من الأمم برجل من رجالها فاخرت مصر بسعد... وما كان سعد برجل مصر وحدها وقد عظم فى عيون الشرق كله، فكان مثالا للزعماء فى كيف يكافحون فى سبيل عقيدتهم الوطنية، وفى كيف يجمعون النفوس المتفرقة والطوائف المتنابذة والأهواء المتنازعة... سعد الذى تبكيه الأقلام والعيون ويخفق لفقده قلب مصر ويجمعها قلوب الشرق وتهتز قلوب الغرب بجملته».. وعلى عكس صحف القصر التى عمتها نبرة شماتة، أو صحف الوفد التى وصلت بأوصاف الراحل إلى حد اللامعقول، كانت الأهرام فريدة فى تغطيتها، وضعت الحدث الجلل فى مكانه الصحيح، وقدمت تفاصيل التفاصيل لحياة سعد، لاسيما دراما الساعات الأخيرة منها، والجنازة المهيبة وردود الفعل المختلفة على نحو دقيق، ونقلت ما كتبته الصحف العالمية عن مستقبل مصر والمصريين، عبر 4 أعداد بدءا من الأربعاء 24 أغسطس. كان مندوب الأهرام حاضرا للساعات الأخيرة من حياة سعد باشا لتصوغ قصة حزينة للرجل الذي قهر الحياة فهزمه الموت(!) وعندما ارتفعت أصوات النحيب من داخل الدار يقول مندوب الأهرام الذي كان حاضرا الساعة الرهيبة: طأطأنا جميعا الرءوس, وأدركنا أن قضاء الله قد نفذ. وأن الأمة قد نكبت في زعيمها. وعلمنا أن سعدا أسلم الروح بين يدي حرمه الكريمة ومعها شقيقتها وكريمتها. ومع أن أكثر ما جاء في هذه السيرة كان معلوما غير أن الملاحظات التي ضمنها رئيس تحرير الأهرام مقاله كانت ذات دلالة فهو يقول في أحد المواقع خرج سعد من صلب الأمة كما يخرج جميع الأفذاذ النوابغ فإذا ذكر واشنطون ولنكولن ونابليون وغاريبالدي وكرومويول وكل نابغة في الأمم ذكر بعد اليوم معهم سعد, وقديما قالوا إن بناة الأمم والشعوب هم الذين يخرجون من صلبها ويرقون سلم الحياة فيها درجة درجة إلي الذروة والقمة. ونقل عن سعد رأيه في الجمعية التشريعية بعد أن أصبح وكيلها المنتخب عام1913 بأنه إذا كانت الحكومة تريد من هذه الجمعية أن تكون مكتب تسجيل لقوانين الحكومة وأوامرها فأنا بصفتي مصريا محبا لبلادي أفضل ألا يكون لمثل هذه الجمعية أثر في الوجود،ويعلق علي استقبال سعد الأسطوري عقب عودته من لندن بعد فشل مباحثاته مع ملنر وهكذا الأمم أجسام تحتاج إلي الرءوس لتعمل وعلي مقدار قوة الرأس تكون قوة عمل الجسم. ويقبل داود بركات بفكرة أن اغتيال السردار كان مؤامرة إنجليزية للتخلص من وزارة الشعب التي رأسها زغلول الأمر الذي كشف عنه محرر التيمس في رسالته التي وجهها إلي مجلة العالم الإسلامي في باريس وفضحه اللورد اللنبي ذاته في حديثه مع المسيو بيرو الفرنسوي بقوله( إن الإنذار كان عند مقتل السردار معدا في مكتبي لأقدمه عند سنوح الفرصة)! ويخلص رئيس تحرير الأهرام بعد تقديم السيرة الذاتية لسعد باشا إلي القول أن اليوم قد انطفأ ذلك النور الوهاج الذي كان يفيض علي البلاد كلها ولكن أثره لا يمحي من النفوس وفعله لا يزول من الصدور! عبرت التايمز أعرق الصحف البريطانية،عن ذلك بالقول إنه من الصعوبة بمكان أن يتكهن المرء من الآن عن العواقب التي تترتب علي ارتحال زغلول باشا.. فقد أوجد ككل دكتاتور آخر فراغا من حوله لم يملأه خلفاؤه أو زملاؤه الأولون الذين كانوا في بعض الأحيان يقدمون علي نصحه أو انتقاده. ومن المشكوك فيه أن يستطيع أحد من أتباعه أن يصون وحدة الحزب أو نظامه. أما المشكلة كما رأتها جريدة الديلي تلغراف فهي أن الحزب الذي ترأسه يختلف عن بقية الأحزاب المماثلة في البلدان الأخري بأنه لم ينجب أي رجل آخر يستطيع حتي في رأي الحزب نفسه أن يملأ منصبا سياسيا ساميا. يرى د.يونان لبيب رزق أن الصحف الإنجليزية قد لمست نقصا خطيرا في البنية السياسية المصرية, وهي غياب الرجل الثاني, أو بالأحري بعد المسافة بين الزعيم ومن يليه, ففي العادة يكون كرسي الرجل الأول أوسع كثيرا من أن يملأه آخر, وهو ما حدث من قبل بالنسبة لمصطفي كامل وما حدث من بعد بالنسبة لجمال عبد الناصر, بكل المضاعفات السلبية التي تترتب علي مثل هذه الظاهرة, ويبدو أنها عادة مصرية قديمة ناتجة عن إيمان المصريين بالخلود إلي أن تنال منهم يد المنون علي غفلة! وحاولت جريدتنا أن ترد في المقال الثاني علي ما رددته الصحف الإنجليزية من غياب الرجل الثاني بعد سعد وأن تفند ذلك من نفس المنطلق بالقول أن سياسة زغلول باشا لم تكن في حين من الأحيان إلا سياسة الأمة المصرية كلها فمهما تجاهل الإنجليز الفلاحين المصريين, ومهما غالوا بوصف مجموع الأمة واتهموه بقلة المعرفة وعدم الدراية فإن هذه الأمة أستاذة أمم العالم تتملكها روح عامة تملي علي الزعماء والوزراء الخطة التي يجب عليهم إتباعها. أما المقال الثالث فقد ردت فيه علي ما بدأ يتردد من دعاة حكم الفرد وكانت تعني أتباع القصر، بأن الأمر( خلص) فقد مات سعد وهو دعامة الدستور فالدستور منهدم غدا لأنه ليس في الأمة رجل يقوم مقامه،فأكدت أنه ليس أمام الوفديين من مندوحة سوي التراص لحماية الدستور،غير أن الأيام أثبتت صحة تنبؤ خصوم هذا الدستور فبعد عام واحد قام حكم اليد والقوة برئاسة محمد محمود باشا الذي علق الدستور, وبعد ثلاثة أعوام قام حكم صدقي الذي بدله،وإن واجه هذا وذاك مقاومة وفدية ضارية وهذه قصة أخري. وأخذت الأهرام في أعدادها التالية تقدم مشاهد جنازة من أهم الجنازات التي عرفتها مصر خلال القرن العشرين.. يذكر الدكتور يونان لبيب رزق، ثلاث مرات «انخلعت» فيها قلوب عموم المصريين بسبب وفاة عزيز لديهم: «مصطفي كامل في10 فبراير عام1908، وهو في شرخ الشباب فلم يكن قد تجاوز الرابعة والثلاثين. سعد زغلول في23 أغسطس عام1927 وكان قد اقترب من السبعين. جمال عبد الناصر في28 سبتمبر عام1970، وهو في شرخ الرجولة، فلم يكن قد تجاوز الثالثة والخمسين،وبحكم
* هل الليبرالية ماقبل الخمسينيات " اكذوبة " .. ودستور 23 وثيقة راسخة فى وجدان الشعب .. * الاعتداء على الدستور لكلمة السر فى سقوط الانظمة .. وهذه اسباب 23 يوليو * احمد باشا الجزار يطالب " بالا يعامل كالحريم " محمد على يستلقى على قفاه من الضحك .. والسلطان العثمانى يفقد صوابه .. ! -------------------------------------------------------------------------- أن التاريخ لا يكرر نفسه فإن سبب الحزن العام الذي اعتصر قلوب المصريين في كل من المرات الثلاث كان مختلفا، فمصطفي كامل كان زعيم حركة وطنية وليدة, وسعد زغلول كان قائد أكبر ثورة شعبية عرفها التاريخ المصري خلال القرن العشرين، بل وبامتداد التاريخ الحديث برمته، أما عبد الناصر فقد نجح من خلال ممارساته في الحكم أن يصنع شعبية طاغية لم تتوفر( لحاكم) من قبل، فالمعادلة صعبة في الجمع بين الحكم وبين الشعبية! وعلي الرغم من الألقاب المختلفة التي تم خلعها علي سعد باشا عقب رحيله وكان من أبلغها اللقب الذي اختارته الأديبة مي زيادة «جبار الوادي»، أو اللقب الذي اختاره الصحفي النمساوي فلجانج ميشيل ( ملك الفلاحين غير المتوج)، ونعاه قائلا: مات اليوم الأسد القوي وذهبت إلي الأبد من يده القوية قيادة أحزاب مصر المختلفة التي قادها طويلا بحكمة وحزم ودهاء. ولم تفقد مصر بوفاته رئيس مجلس نوابها فحسب بل فقدت أكثر من ذلك لأنها بموته حملت إلي القبر الذكاء المتوقد والجلد العظيم والتفاني في حب الوطن والمقدرة في معرفة أخلاق الرجال, وبهذه الصفات جمع قلوب أمة حوله وألف بينها وجعل منها كتلة قوية تنتمي إلي الوفد. «خناقات» على رأس هرم السلطة مصر هى رابع دولة بالعالم تقيم حياة برلمانية، إذ تمثل قصة الشعب المصرى فى العصر الحديث، فصولا متطاولة من مقاومة الاستعمار والظلم والاستبداد،لأجل ذلك ظل الوصول إلى «برلمان حقيقى» حلما وأملا وهدفا، بوصفه الوسيلة الأقصر لتحقيق مفهوم الديمقراطية، تبدى هذا منذ حكمت أرض الكنانة أسرة محمد على الذى أنشأ «مجلس المشورة» عام 1829، ثم أنشأ الخديو إسماعيل مجلس شورى النواب 1866، تلاه مجلس النواب 1881، وبعد الاحتلال الانجليزى، ولد مجلس شورى القوانين 1883، أعقبته الجمعية العمومية 1885، ثم الجمعية التشريعية 1913، ومعظمها تفتقد إلى التقاليد البرلمانية، حتى انتخب برلمان 1924 وهو أول نموذج لبرلمان منتخب بإرادة شعبية، انبثاقا من دستور 1923، وهو المجلس الذى أخذ يمارس دوره وأرسى تقاليد برلمانية طيلة الفترة التالية المسماه بالليبرالية، ومنها أنه شهد «أول استجواب فى تاريخ مصر 29 أبريل 1924، حول إنفاق الحكومة المصرية فى السودان»، وقد قدمت الأهرام تغطية متميزة من أول صفحة، لأول انتخابات برلمانية عام 1924، واعتنت بالفائزين وذكرت أسماءهم، وجاء عنوانها الرئيسى بعدد الأحد 13 يناير 1924 «نتيجة الانتخابات فى القطر المصرى، اعضاء مجلس ىالنواب المصرى بالتلغراف والتليفون من مراسلى الاهرام، فوز باهر للسعديين». هذا البرلمان نتاج طبيعى لما غرسته ثورة 1919، والتى تلخصت مطالبها فى: الاستقلال والدستور، نجحت الثورة، لكن نجاحها كان محدودا، فكان أن أصدرت الحكومة البريطانية في فبراير1922 إعلانا تؤكد فيه استقلال البلاد مع أربعة تحفظات. وبذلك حققت مصر انتصارا مهما وإن كان محدودا، في المطالبة بالاستقلال الوطني، واستكمل هذا الأمر جزئيا في معاهدة1936 ثم بدرجة أكبر في معاهدة1954 لجلاء القوات البريطانية مع بقاء بعض القيود، ولم تتحرر مصر كليا في استقلالها الوطني إلا بعد العدوان الثلاثى عام 1956 وإلغاء معاهدة1954 والتحلل من جميع القيود التي فرضت علي إرادتها الوطنية. هذا فيما يتعلق بالاستقلال الوطنى، أما الدستور فقد اضطر السلطان فؤاد( الملك، فيما بعد) للرضوخ للمطالب الشعبية والبريطانية، وهكذا وضع الدستور المصري عام1923، تبنى الدستور النظام البرلماني، تأسيا بالتجربة البريطانية، وشكل البرلمان من مجلسين:النواب والشيوخ، ونص على ضمان الحريات الأساسية للأفراد وصيانة الملكية الخاصة وحرية تكوين الأحزاب والجمعيات واستقلال القضاء، كما أرسى مبدأ «الحصانة البرلمانية» لصيانة حق النائب فى الرقابة والتشريع، وإن صارت «الحصانة» بمرور السنوات، كلمة سيئة السمعة، بعدما ساغ للبعض استخدام ما توفره لهم تلك الحصانة للقيام بأفعال غير قانونية أو استثمار الوقت اللازم لرفع الحصانة فى إخفاء ملامح جرائمهم، وهكذا..! فى أول الأمر عارض الزعيم سعد زغلول لجنة إعداد الدستور( لجنة الأشقياء)، ولكنه سرعان ما أصبح متحمسا لهذا الدستور، بعكس حزب «الأحرار الدستوريين» الذى تحمس فى البداية، ثم تنكر للدستور، وتعددت الانتهاكات له في عهود حكومات الأحرار الدستوريين. فى أول انتخابات عام 1924 حصل حزب الوفد علي أغلبية هائلة في حين هزم حزب الأحرار الدستوريين واضعو الدستور بل وهزم رئيس الحكومة (يحيي باشا إبراهيم) في أحد الانتخابات، ومع هذه البداية القوية للحكم الدستوري، فإن مسيرته لم تلبث أن تعثرت وواجهت المعوقات من جانب الملك الذي كان لايطيق حزب الوفد في الحكم، أيضا من جانب الاحتلال، خاصة بعد مقتل السردار( الحاكم البريطاني في السودان عام1924). فبدأت حكومات الأقليات وتعددت ممارسات حل البرلمان إذا حصل الوفد علي الأغلبية، حتي إن الملك فؤاد حل أحد المجالس النيابية في اليوم التالي لاجتماعه، وذلك لحصول الوفد علي الأغلبية، وأعاد الانتخابات، فجاء الوفد من جديد بأغلبية كبيرة. هنا يشير الدكتور يونان لبيب رزق فى دراساته الرائعة «الأهرام ديوان الحياة المعاصرة» إلى أن هذا يؤكد أنه برغم الصراع القائم بين الوفد والقصر فإن تزوير الانتخابات لم يكن بعد من أساليب الحكم المعتمدة. لكن أساليب التزوير لم تلبث أن وجدت طريقها إلي السلطة وخاصة مع إسماعيل صدقي الوزير ثم رئيس الوزارة الداهية ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل بدأ وقف الدستور وتعطيله إلي حد إلغائه كلية في عام1930 وفرض دستور جديد مناسب لحكم السراي «دستور صدقي». ناهض الشعب كل هذه المحاولات وتمسك بالمطالبة بدستور1923، وهو الدستور الذى استقر، في أتون هذا الصراع، بالوجدان المصري باعتباره معبرا عن تطلعات الشعب وثمرة لكفاحه ونضاله، حتى إن الدكتور يونان قال :لا نظن أن وثيقة مكتوبة في تاريخ مصر المعاصر اكتسبت من الأهمية ما اكتسبه الدستور المذكور. وإزاء الضغط الشعبي المتزايد اضطرت الحكومة الي التخلي عن دستورها الاصطناعي لعام1930 والعودة من جديد الي دستور(1923) وذلك في عام1935. وأكد هذا الانتصار الشعبي مكانة الدستور في قلبه ووجدانه. فدستور1923 هو دستور الشعب. في ظل هذا الجو المشحون بالخلافات، رأت الأهرام أن تمهد الطريق للتخفيف من تأثيرها السلبى على السلم الاجتماعى، بسلسلة من المقالات للتخفيف من حدة توتر الجو.. في مقال آخر دعت الأهرام إلي الحذو حذو التقاليد البرلمانية في إنجلترا بتخصيص مكافأة مالية لزعيم المعارضة في مجلس العموم، لأن دعم المعارضة وتقويتها، لا الرغبة في تحطيمها، ركيزة للديمقراطية، وساقت بهذا الشأن تعليقا «للمانشستر جارديان» بأن ما حدث أمر بديهي لأن› زعيم المعارضة يضطلع بعبء خطير. فهو يتعقب الحكومة بالنقد والملاحظة. وذلك واجب يكلفه كثيرا من النفقات. كما منحت «الأهرام» رعاية إعلامية للحياة البرلمانية وأخبارها، لتكون الجريدة سمع الشعب وبصره على المجلس، ولم تغفل العلاقة القلقة بين الملك والوفد والرسائل السياسية المتبادلة،على نحو يبتغى التوازن بين القصر والحكومة، مثلما رصدت فى عددها الجمعة 19 نوفمبر 1937 بالصور والكلمات افتتاح دورة برلمانية جديدة، وعنونتها :«جلالة الملك يفتتح دور الانعقاد الثالث عشر» بالصفحة الأولى، ثم أشارت فى عنوان ثان إلى «خطاب العرش» والذى ألقاه رئيس الحكومة النحاس باشا. ومن الأخبار اللافتة المنشورة بأهرام 3 أكتوبر 1939، خبر «جلالة الملك يشهد جلسة مجلس النواب متنكرا».. وعللت الصحيفة ذلك بأن التقاليد لاتساعد الملك على حضور جلسات البرلمان، رأى أن يذهب متخفيا وجلس بين النظارة وسمع بيان رئيس حكومته على ماهر باشا والمعقبين عليه، وفى ختام الجلسة تنبه الجمع إلى وجود صاحب الجلالة فأحاطوا به هاتفين مصفقين..! طريق شائك..! المؤلم أن طريق مصر إلى الديمقراطية شائك وبعيد، وأخطر الأسباب هو العبث بالدستور وغياب مفهوم تداول السلطة، بالمعنى الحقيقى للكلمة، حتى خلال الفترة مابين 1924-1952، التى يعدها البعض ذروة الممارسة الديمقراطية بمصر، فقد اقتصر تداول السلطة آنذاك على أحزاب من طبقة واحدة، انشقت كلها عن الوفد، بسبب التنافس الشخصى على الحكم، وكان الملك يعصف بالدستور ويقيل الحكومات والجميع يرزح تحت الهيمنة البريطانية والامتيازات الأجنبية، ولم يحدث أن اشترك أحد العمال أو الفلاحين أو أحد أبناء الطبقة الوسطى فى الهيئة التشريعية، بحسب وصف المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى. مع قيام الحرب العالمية الثانية فرضت الأحكام العرفية، وزادت قبضة الانجليز علي الحكومات المصرية، وبعد تجارب مع حكومات الأقليات، فرض البريطانيون علي الملك فاروق عودة الوفد عام1942، مما أصابه فى كبريائه، إلى أن انتهز الملك أول فرصة للتخلص منها. وأعاد لعبة حكومات الأقليات وتزوير الانتخابات، ومع تدهور شعبية هذه الحكومات اضطر الملك إلي إجراء انتخابات أكثر نزاهة عام1950 فعاد الوفد من جديد بأغلبية كبيرة. لكن الوفد الذى عانى الحرمان من السلطة،عاد مسالما مع الملك. وباشتعال حريق القاهرة 26 يناير1952 رجع الملك الي عادته القديمة في الاعتماد علي حكومات الأقليات، إلي أن فاجأتها الثورة صباح23 يوليو، وجاء في البيان الأول لحركة الجيش احترام الدستور. وهى إشارة كان لها وقع مهم علي نفوس المصريين الذين خرجوا الي الشوارع تأييدا لهذه «الحركة المباركة». وبعد إلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية، علا اسم الأهرام عنوان يقول:سقوط أسرة محمد على«صفحة الأهرام الأولى حملت ذاك اليوم بتوازن مقصود، صورتين كبيرتين متماثلتين إحداهما للواء محمد نجيب، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وعلى يسارها صورة للبكباشى جمال عبدالناصر، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، علي أن طبيعة الحكم الثوري والظروف المصاحبة للثورة في أيامها الأولي فرضت إلغاء الدستور والأخذ بفترة انتقالية ثم توالت الأحداث حتي استقر الأمر للرئيس الراحل جمال عبد الناصر فأصدر دستور1956 ثم دستور1958 بعد الوحدة مع سوريا. ومع تقليب أوراق يوليو نلاحظ أن أول من استخدم كلمة «الثورة» عقب قيام 23 يوليو، هو الدكتور طه حسين، ولم يطلق هذا الوصف عفو الخاطر، فمعنى الثورة عنده هو التمرد على المجتمع الفاسد والوعى بمتطلبات التغيير الاجتماعى. وباختصار فإن حركة التاريخ تقوم على أساس وضع قائم لم يعد محتملا مما يمثل تحديا للإرادة الشعبية وعندما لا تتمكن من تغييره فإنها تلجأ إلى العنف، وقد قامت ثورة يوليو كرد فعل على التفاوت الحاد فى توزيع الدخول بين الطبقات والفساد السياسى الرهيب والاستعمار وفقدان الاستقلال الوطنى، وهى أهداف وضعتها الثورة فى ديباجة دستورها عام 56 ونجحت فى تحقيق كثير من أهدافه، وإن أخفقت فى أهمها وهو المتمثل فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وقد أشارت الأهرام للخطوات المشهودة التى قطعها جمال عبدالناصر ورفاقه، على نحو إشارتها إلى «اتفاق الجلاء» بعدد الاربعاء 20 أكتوبر 1954، والذى نص على خروج مرحلى للانجليز من مصر، ثم أصبح الاستقلال كاملا بعد العدوان الثلاثى عام 1956 ، والذى توج بإصدار دستور 56 الذى رفعت الأهرام الإشارة إليه فوق «الترويسة» بمانشيت:» دستور الشعب»، ثم عنوان «الرئيس يعلن للشعب دستوره الديمقراطى الاشتراكى»، ثم عنوان»مصر دولة عربية، دينها الإسلام، لغتها الرسمية العربية» ثم «سلطة تشريعية فى مجلس واحد مجلس الأمة». وذلك فى عدد الثلاثاء 17 يناير 1956. معركة الدستور «الدساتير» كانت إحدى معارك الرأى العام المصرى، التى رعتها «الأهرام حق رعايتها، وعندما جاء الرئيس الراحل أنور السادات، وقد واجه بدوره صراعا علي الحكم, فأصدر دستور1971 لحسم هذا الصراع. ولما استشعر المصريون تدابير عائلة مبارك للانقضاض على الدستور بفكرة التوريث، لم يستسيغوها، وخرجوا فى 25 يناير لإزاحته عن الحكم، وهو ما تكرر منهم أمام العدوان الإخوانى على الإعلان الدستورى ثم صياغة مواد دستورعام 2013، التى كشفت وجه الجماعة القبيح ورغبتهم فى الاستئثار والتمكين وأخونة مفاصل الدولة، للشارع المصرى، ليهب الشعب ضدهم فى 30 يونيو ويصوغ «دستوره المعدل» فى 2014، ونظامه السياسى الحالى. هكذا جاءت هذه الدساتير في فترة قلقة ولمواجهة أزمات سياسية حادة، وهي جميعا قد نبذت فكرة النظام البرلماني وتبنت أشكالا من النظام الرئاسي مع تركيز السلطات التنفيذية في يد الحكومة وعلي رأسها رئيس الجمهورية. لقد اخترنا أن نتوقف أمام بعض الأحداث والمتغيرات، بنقد موضوعى، تاركين للقارئ العزيز حرية الرأى والتقويم، مع إدراك أنه لايجوز بحال من الأحوال محاكمة مراحل سابقة، بقوانين معاصرة، لكننا نعى جيدا أنه لامستقبل لمن لا ماضى له..!