«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغريدات (3)
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 02 - 2019

بعض الأماكن يدفعك إطارها لإرسال تغريدة. ترنيمة. الأخذ فى الاعتبار. الابتكار. إجراء الحوار. اتخاذ القرار.. بعض الأماكن موحيّة مُلهمة موصلة مهيمنة، تحتويك وتحتويها، تأخذك فى حضنها، تكلمك تحاورك تأخذ رأيك، تتشعبك، تشعللك تؤججك، تقودك تسايرك وتتبعك، تهادنك، تخاطب ودك، تجرّى ريقك، تصادق وحيك، تعقد قرانها عليك.. وبعض الأماكن التى تغشاها لا تخشاها بل تهبط بأريحية إليها، وتصعد بغبطة نحوها، وتجوس بلهفة فيها، وتتلمس بشغف دروبها، وتصغى برهافة لأصواتها، وتسمع غٌناها وتعزف موسيقاها، وتثنى على من بناها، وتؤاخى ناسها، وتملِّس على جدرانها، وتصادق نخيلها ونجيلها وخيلها وسماءها
ونجومها وقمرها وفجرها وسَحَرَها وعصرها وقيظها وبردها وليلة مولدها وحنتها وعُرسها وليلة قدرها.. وبعض الأماكن تُنطق الحجر وتجلو البصر وتضع على لسانك معان لم تكن تطرق من قبل على بال بشر.. وبعض الأماكن بمثابة قاعدة لإطلاق التغريدات.. ترنيمة بصيحة فرح. زغرودة حلوة بذيل متأرجح. تسبيحة رضا الله الله.. و..تعالى يا امّه شوفى الهنا اللى أنا فيه. معقولة حلاوتك. حاجة تِهْوس وتطّير العقل. حاجة تانية خالص. تبارك الخلاّق فيما خلق. أنا فى الجنة يا اخواتى، سواء فى كهف أو بطن غواصة أو فى حديقة غنّاء أو على سطح عمارة وهات إيدك يا ابنى وبلاها العصا والشباب شباب القلب والمكان يِشْرِح الصدر..

بعض الأماكن أرضها قدّت من حجر صواّن لكنه لدى البعض بمثابة ريش النعام.. انحنيت لالتقاط حبات من حصى جبل النور جمعتها فى وعاء بللور لُأزين بها صدر منزلى. جواهر مشى يومًا فوقها سيد البشر ليعبد ربه فى الأعالى فهبط عليه الوحى تنزيل العزيز العليم. معنى وإلهاما ورؤية وموقعا وقدسية وآية و..«اقرأ».. مكة وفيها جبال النور، طلة على البيت المعمور.. وتغريدة.. فى طواف الكعبة تغريدة. فى رحاب المصطفى تغريدة.. وكلما شاهدت عرضًا عسكريًا لجيش بلدى يموج داخلى بتغريدة.. كلما رأيت بلدى يسترد وضعه الدولى تنهيدة بتغريدة.. فى حجرة الإفاقة من جراحة القلب تغريدة... عندما تقف حفيدتى شابة تعقص شعرها فى المرآة تغريدة.. أسطول سفن القناة لعنان السماء تغريدة.. تمثال نهضة مصر تغريدة.. جامع السلطان حسن تغريدة.. أزهر الطيب تغريدة.. فاتن حمامة تغريدة.. أحمد بهاء الدين تغريدة.. عادل إمام تغريدة.. وتغريدات كرنك عبدالوهاب، وليالى أنس أسمهان، وأحلام نقاهة محفوظ، ومسحوق همس يوسف إدريس، وبصراحة هيكل، وفكرة على أمين، وصوت الشعراوى من بعد الآذان، وعاصمتى الجديدة، والأوبرا الجديدة ومصر الجديدة وصحة جديدة خالية من فيروس C.. وأجد فى حلو الكلام تغريدات تقفز أمام عينى ربما لا يراها غيرى بالعين المجردة، لكنها تنادينى لآخذ بيدها أنقذها من هلضمة التجاهل والكلام الساكت لشط التروّى والتمعُن والاحتكاك والحوار والنقد والأخذ والرد بنظرة تقدر ولا تظلم، تجمع ولا تفرّق، تنتقى ولا تذر الخلاصة غبارًا فى الهواء.. ولا أدرى لماذا يحضرنى الآن صوت وردة تغنى اسمعونى باأقول لكم إيه اسمعونى.. فليس كل ما يقال فض مجالس، وليست كل السطور لغوًا، ولا القصائد الطوال حشوًا، ولا حكمة التاريخ لهوًا ولعبًا.. اسمعونى.. اسمعولى.. اسمحوا لي.. ويا سلام يا ولاد على كل من بدأ الكلام ب عينك ما تشوف إلاّ النور.. آنست ونورت.. يا نور النبي.. جبال النور.. نور على نور.. وعندما نادت أم كلثوم السادات باسمه المدلل لديها «أبو الأنوار» حدث ما حدث.. غارة.. وطفّوا النور..
وليس أبهى وأجمل من تغريدات الخيّام فى رباعياته:
وعاشر من الناس كبار العقول
وجانب الجُهّال أهل الفضول
واشرب نقيع السُم من عاقل
واسكب على الأرض دواء الجهول
• قصور الثقافة فى تغريدة ثروت عكاشة: «يوم انقطعت صلتى بوزارة الثقافة فى نوفمبر 1970 كان عدد قصور الثقافة التى أنشئت خلال فترتى السنوات الثمانية التى توليت أثناءها شئون الوزرة قد بلغ ثمانية وعشرين قصرًا، منها أحد عشر قصرًا شيّدت طبقا لتصميمات تحقق الهدف المنشود منها فى عواصم المحافظات، هى قصور أسوان وسوهاج وبنى سويف والسويس وبورسعيد والزقازيق وبنها وشبين الكوم وكفرالشيخ وأسيوط والأنفوشي، وسبعة عشر مستأجرًا أجريت فيها التعديلات فى الوادى الجديد والبحر الأحمر ومرسى مطروح وقنا والفيوم والمنيا وطنطا، وقصر الريحانى وقصر النيل وقبة الغورى ومصر الجديدة، إلى جانب خمسة بيوت للثقافة فى دنشواى وكفرالشرفا بالقليوبية والماى بالمنوفية، واثنان استؤجرا فى البراجيل وكفر حكيم بالجيزة، فضلا عن إنشاء ستين مكتبة فرعية بالقرى، وأربعين وحدة سينمائية بالوحدات المجمعة، كما وُضع حجر الأساس لأربعة قصور فى كل من المنصورة والأقصر والمنيا ودمياط، وبيت للثقافة بقرية أبوالغيط بالقليوبية.
فاتن حمامة.. ضحية عناوين الصحافة
وحين أعود بذاكرتى إلى الوراء وأستعيد أصداء تلك الحملة الضارية التى وُوجه بها هذا المشروع الحضارى فى بدايته، بل والسخرية من اسم «قصر الثقافة» نفسه باعتباره ارتدادًا إلى فكرة ارستقراطية، أتلفت الآن حولى الكلام فى عام 85 فأجد هذه القصور هى التى أصبحت الملاذ الثقافى للشعب على اختلاف طبقاته، بل قد غدت منارات تشع ضوءها على أرجاء الوطن، ومنابع تزوّد الناس بزاد مختلف ألوانه ثقافة وفنًا، وأصبحت تعيش على جهود جيل من الرواد المؤهلين يناهزون الآن الألف.. وكم أنا راض الآن الكلام مرة أخرى عام 85 حين أرى هذه الفكرة التى كانت مجالا للأخذ والرد والطعن والنقض قد أصبحت حقيقة راسخة لا تتزعزع فى أنحاء بلادنا من أدناها إلى أقصاها»... ورحل ثروت عكاشة مطمئنا بكرم من مولاه قبل أن يدركه زمان تحولت فيه قلاعه الثقافية إلى قصور من رمال تزحف على أطلالها جيوش النمل مختلفًا أطواره.
أحسِّن إلى الأعداء والأصدقاء
فإنما أُنس القلوب الصفاء
واغفر لأصحابك زلاّتهم
وسامح الأعداء تمح العداء
• فى تغريدة للدكتور يوسف إدريس عن مهمتنا فى تكسير المقاديف: «نحن فى بلد الناس فيها شديدو الاهتمام بالآخرين.. تسأل إنسانًا فى الشارع عن منزل ما فيجتمع عشرة فى ثانية ليسألوك ويلحوا عليك: عايز إيه. عايز مين وعايزه ليه وكأن من كثرة الفراغ لا عمل لنا إلا البحلقة والتأمل وتمزيق الحجب عن حياة الآخرين، ونحن فى بلد كل منا ولى أمر الآخر وناصحه، حتى أصبح الواحد بحكم العادة لا يجرؤ أن ينفذ فكرة عنت له، حتى فى أشد المسائل خصوصية كالزواج أو أحيانًا بل بالذات فى الطلاق إلا بعد أن يستشير عشرة وربما عشرين من أقرباء وأصدقاء ومعارف، وتكون النتيجة فى الغالب أن يكسروا مقاديفك حتمًا، وبدلا من أن تغامر مرة فتظفر بغنيمة أو بمعرفة، أو بالميت بتجربة فشل مفيدة، تهبط عزيمتك وتتحول إلى كائن لا يعرف أن يفعل إلا ما يتوافق على فعله الآخرون واتفقوا عليه، وإلا أن تفعل أسلم الأفعال وأكثرها أمنًا ودعة.. أى لا شيء بالمرة، وتكون النتيجة أن يموت فيك أهم ما يُميز الكائن الحى الإنسان، روح المغامرة والتحرر، روح التطلع، روح السعى وراء ما يصوّره الخيال لتحيا وأنت تحيل أحلامك إلى واقع.. وتلك هى الحياة، إما أن تحيا الحياة كما مضغها الآخروه ولاكوها وعجنوها وخبزوها، وإما أن تحيا حياة خارجة كالجثة الهامدة من تحت النصائح والإرشادات والمواعظ، حياة الموت أحسن منها وأرحم، على الأقل باعتبار الموت تجربة فذّة جديدة».
زخارف الدنيا أساس الألم وطالب الدنيا نديم الندم
فكن خلىّ البال من أمرها فكل ما فيها شقاء وهم
• فى صحبة الأصدقاء تتوالى تغريدات محفوظ: «الشيخ زكريا أحمد من أظرف الشخصيات التى قابلتها فى حياتى، فهو على المستوى الإنسانى ابن بلد لطيف (حبوب) و(ابن نكتة)، بالإضافة إلى صفة طريفة كانت تجمع بينه وبين صديقه توفيق الحكيم، فكلاهما إذا جلس فى مجلس فإنه يظل ممسكًا بناصية الكلام منذ حضوره حتى نهاية الجلسة، والفارق الوحيد بينهما أن الحكيم يتحدث عن نفسه فقط وعن ذكريات مرَّ بها أو حوادث وقعت له، أما الشيخ زكريا فإنه يقوم بدور الراوى، ويتحدث ربما طوال الليل دون أن يذكر كلمة عن نفسه، حتى يبدو للسامعين أن مؤلف قصص ألف ليلة وليلة والشيخ زكريا واحد، حكاية تجر أخرى فى تسلسل عجيب وترابط مذهل، وقد يبدأ فى سرد الأولى فى التاسعة مساء، ويعود إلى نقطة معينة بها فى الثالثة صباحًا.. والشيخ لم يكن يحب القراءة، وربما كانت (زقاق المدق) هى روايتى الوحيدة التى قرأها، وأبدى إعجابًا بها للدرجة التى جعلته يُعيد صياغتها ويحكيها أمامنا وكأنه المؤلف رغم انشغاله بأعماله الجديدة والكثيرة لدرجة أنه كان يُلحن وهو يجلس بيننا ليُذكرنى بأمير الشعراء أحمد شوقى الذى كان يستقل الترام أحيانًا ويأتيه الإلهام فيخرج علبة سجائره ويكتب قصيدة عليها، وعن طريق الشيخ زكريا تعرفت على الشاعر والساخر الكبير بيرم التونسى الذى فوجئت به يجلس بعيدًآ ولا يفتح فمه طوال الجلسة، واستمرت علاقتى بالشيخ زكريا أحمد فى بداية الحرب العالمية الثانية وحتى وفاته عام 1962، ولقد تأثرت بشخصيته فى قصة قصيرة كتبتها بعنوان (الزعبلاوى).
أطفئ لظى القلب ببرد الشراب
فإنما الأيام مثل السحاب
وعيشنا طيب خيال فنل
حظك منه قبل فوت الشباب
• الدكتور مبروك عطية عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية.. للوطن: «لا يعنى تجديد الخطاب الدينى البلبلة وادخال الناس فى متاهة تهدم الدين، لأن هناك الآلاف من الآراء الشاذة فى الفقه الإسلامى ينبغى التخلص منها وعدم التعويل عليها، والرئيس السيسى هو ولى الأمر والمسئول عن الدين والناس، ومن حقه المطالبة بالتجديد، وإن لم يدع لذلك سيكون مخطئًا، وإن الدخلاء على الدعوة يبحثون عن الرواج الاجتماعى عبر الحديث فى الدين، كما أن الفتاوى الشاذة تصدر عن أناس دون المستوى فى العلم، والكثير من الأئمة لا يعالجون الواقع ويهتمون بإعجاب الناس، ولا يوجد لقب إسلامى اسمه ملتح أو منتقبة، ويجب إنهاء وجود الصنايعية والتجار فى العمل الدعوى وإتاحة الفرصة للعلماء، وما نراه فى الفضائيات سؤال وجواب وليس إفتاء، وكل مسلم له حق الدعوة ولكن الفتوى لها شروط، وقضايا التراث لا تهم المليار مسلم، ولكن هناك من يستخرج من التراث ما يثير به الأزمات، ويقولون إن البخارى بشر يخطئ ويصيب، أو إن هذا الحديث ضعيف.. البخارى لكى يؤلف كتابه كانت له خطة متشددة فى قبول الحديث من الرواة، فقد اشترط على سبيل المثال أن يلتقى الراوى بمن يروى عنه، والبخارى إذا ما كان بشرا فى بيته فهو عالم صاحب قواعد رصينة لا تُبارى فى جمع الأحاديث».
حار الورى ما بين كُفر ودين
وأمعنوا فى الشك أو فى اليقين
وسوف يدعوهم منادى الردى
يقول ليس الحق ما تسلكون
• وكان أنيس منصور كنزًا للتغريدات على جميع الاتجاهات: «ماذا أفعل يا أستاذ؟! سؤال الحيرة الذى دار به أنيس على أصحاب الفكر من بعد تخرجه فى الجامعة، فقال له العقاد ساخرًا: شوف يا مولانا.. امش.. امش ولا تتوقف عن المشي، فإذا ما أرهقك المشى اجلس، وإذا ما جلست انظر وراءك ماذا فعلت وماذا أفدت، فإذا لم تجد أنك قد حققت شيئا فعاود المشي، وإذا تعبت اجلس وحاسب نفسك ولا تكف عن السؤال.. هل اخترت الطريق الصحيح؟ هل الطريق الذى اخترته هو الذى من الممكن أن يجعل منك شيئا؟.. هل الطريق كان مستويًا أو مليئًا بالمطبات؟.. هل وجدت نفسك تقفز فوق المطبات؟.. هل كنت تنظر إلى قدميك أثناء المشي؟.. هل رأيت شجرة؟.. هل تابعت عصفورًا؟.. هل نظرت إلى السماء وتساءلت ما هذا الذى فوقنا؟.. هل لك دور؟.. هل أنت ضرورى؟.. وإذا لم تفعل ذلك مرة واحدة فى حياتك فلا داعى لأن تُكرّر المشي».. ويذهب أنيس منصور من بعد العقاد لطه حسين يستجدى نصيحته فى مسيرته المستقبلية فيقول: «يا سيدى. استمع إلى قلبك وليس إلى عقلك الآن.. أطل الإنصات إلى قلبك والذى يقوله لك يجب أن تصدقه فورًا.. يجب ألا ترغم نفسك على شيء.. يجب ألا تعاديها.. يجب ألا تنقسم إلى اثنين أحدهما يشمت من الآخر.. لا تُقلق.. لا تخف، فالله لا يخلق موهبة لكى تضيع.. ولا تُسرف فى التساؤل حتى لا تدمن السؤال ولا تعرف الإجابة».
لا تشغل البال بماضى الزمان
ولا بآتى العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذّاته
فليس فى طبع الليالى الأمان
• تغريدة «المنقذ من الضلال» التى استعاد بها الإمام الغزالى (1058 1111م) يقينه من بعد رحلة شك دامت عشر سنين ترك فيها حياته العائلية فى رحلة تجوال وزهد قادته متجولا وحيدًا مرتديًا ثياب أهل التصوف مسافرًا إلى دمشق والقدس والاسكندرية والقاهرة قبل بلوغه مكة والمدينة: «رحلة اقتحم فيها لجّة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل فى كل مظلمة، وأتهجم على كل مشكلة، وأقتحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة، لأُميّز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع، لا أغادر باطنيًا إلا وأحب أن أطلع على باطنيته، ولا ظاهريًا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا فلسفيًا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلمًا إلا وأجتهد فى الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيًا إلا وأحرص على العثور على سر صوفيته، ولا متعبدًا إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقًا معطلا إلا وأتجسس من ورائه للتنبه لأسباب جرأته فى تعطيله وزندقيته..».
ويرحل الغزالى من الدنيا فى الثانية والخمسين مخلفًا أربعمائة كتاب من بينها «إحياء علوم الدين» و«تهافت الفلاسفة» وتغريدة «المنقذ من الضلال» عندما ألقى الله فى صدره نور الإيمان رائفًا به معيده إلى الثقة بأوليات العقل لينقذه من الضلال..
يا عالم الأسرار علم اليقين
يا كاشف الضرّ عن البائسين
يا قابل الأعذار فئنا إلى
ظلّك فاقبل توبة التائبين
• تغريدة التيتانيك تضم رفات 97 لبنانيًا هاربين من العثمانيين إلى المجهول: «منذ اكتشاف موقع التيتانيك فى مقر المحيط عام 1985 وفضول الناس يتنامى باضطراد بعضها لانتشال رفات الموتى الذى بلغ عددهم 1523 شخصًآ بينهم أكثر من 96 لبنانيًا كانوا مسافرين إلى نيويورك على متن السفينة التى اصطدمت بعد سفرها بساعتين ونصف فقط بجبل جليدى شطرها إلى جزئين فى أول وآخر رحلة لها عبر البحار.. غالبية اللبنانيين كانوا قد قرروا الهجرة من بعد اضطهاد القوات العثمانية التى أصبحت تجرى مناوراتها فوق الأراضى اللبنانية دون استشارة الحكومة المحلية، والجميع كانوا قادمين من مناطق جبلية أو داخلية ولم يسبق لهم أن سبحوا أو شاهدوا البحر قبل تلك الرحلة، وحتى الآن تم انتشال 3600 قطعة من مخلفات المسافرين خلال 65 غطسة قامت بها غواصة صغيرة تشبه الروبوت معدة خصيصا للغرض، وتعاونت شركتان فرنسية وأمريكية فى البحث عن حطام التيتانيك ونجحتا فى انتشال الكثير من الحقائب الجلدية والصحون والحلى وبعض الكراسى والتماثيل البرونزية والمناظير والبوصلات الضخمة والمرايا واللوحات والكتب والصحف والدولارات من فئة المائة، والغريب أن ترميم الأوانى الزجاجية وتجديدها أعاد إليها بريقها، كما أعاد للدولارات الصدئة والصحف المحفوظة داخل الحقائب أحرفها ورسومها بشكل مقروء وواضح.. ويبدو أن لحظات مواجهة الموت تفرض على كل إنسان سلوكًا يعكس فلسفته، فالكاتب والصحفى الشهير وليام ستيد دخل إلى مقصورة التدخين وأشعل غليونه ثم فتح كتابًا راح يقرأ فيه إلى أن غيبه البحر، وظلت فرقة الأوركسترا التى يحفظ كل من أفرادها نوتة 352 أغنية تعزف لحن «أنا قريب منك يا إلهى» حتى غرقت الآلات الموسيقية إلى منتصفها فى الماء.. ومن ملحقات أخبار التيتانيك بعد غرقها أن حطامها افترش مساحة تعادل مدينة لندن وأن المصنع الذى شيّدها استخدم 3 ملايين مسمار تزن وحدها 1200 طن..
لا تحسبوا أنى أخاف الزمان
أو أرهب الموت إذا الموت حان
الموت حق لست أخشى الردى
وإنما أخشى فوات الأوان
• مصطفى أمين فى أمر صداقته مع فاتن حمامة: «بدأت صداقتى بها بخناقتين حاميتين.. ذات يوم فى الخمسينيات كتبت مقالا فى الصفحة الأخيرة من أخبار اليوم أنصح الشباب بعدم زواج الممثلات، وتكلمت عن المتاعب التى يقع فيها زوج الممثلة والمآزق التى يتعرض لها، وكيف أن أغلب زيجات الممثلات تتعرض إلى أزمات وتنتهى بالطلاق، وكان عنوان المقال (لا تتزوج ممثلة)! ولم يعجبنى العنوان فشطبته وجعلته (لا تتزوج فاتن حمامة)!.. وكانت فاتن غير متزوجة فى ذلك الوقت!.. ودخلت فاتن إلى مكتبى ثائرة غاضبة حانقة متصورة أننى أعرف أنها مقبلة على الزواج وأن المقصود بهذا المقال حملة على الخطيب ليتراجع ويعدل عن الزواج وأننى أبيّن له مخاطر الزواج من فاتن حمامة!.. وأكدت لها أننى لا أعرف بعزمها على الزواج وأنه مجرد مقال ساخر أداعب به الشبان الصغار الذين كلما رأوا ممثلة قرروا الزواج بها!.. وقالت لى فاتن إنها تخشى أن زواجها سيغضب جمهورها الذى يعشقها كفتاة الشاشة، فإذا تزوجت شعرَ كل متفرج وكأنها خانته مع رجل آخر وحقد عليها وحاربها..
قلت لها: أنت أسعدت الملايين ومن حقك أن تختارى الرجل الذى يسعدك وليس من حق الجماهير أن تفرض عليك زواجًا أو تمنعك من زواج شخص معين.. وسوف يتمنى لك الملايين الذين يحبونك السعادة والهناء.. وتزوجت فاتن وتحققت أمنيتى ومر زواجها بهدوء.
ثم حدث أن ذهبت فى أوائل الستينيات إلى مستشفى الدكتور عبدالله الكاتب الجراح الشهير لإجراء جراحة، واختار لى الدكتور غرفة فى المستشفى وأشار إلى سرير صغير فى وسط الغرفة وقال لى: إن فاتن حمامة كانت هنا منذ بضعة أيام وأجريت لها جراحة ناجحة.. ورقدت فى سرير فاتن فوجدته صغيرًا دقيقا فكان نصفى فى السرير ونصفى خارج السرير، فاتن صغيرة الحجم وأنا ضخم الحجم فكان من المستحيل أن أتقلب فى السرير فأى حركة فيه أجدنى بعدها واقعا على الأرض، وكتبت مقالا ساخرًا أصف فيه هذا السرير (النونو) وجعلت عنوان المقال أكتب لكم من سرير فاتن حمامة ونشرت المقال فى مجلة (الجيل الجديد).. وفوجئت بفاتن تدخل مكتبى والشرر يتطاير من عينيها.. لم أرها حتى فى الأفلام بمثل هذه الثورة والغضب وقالت لى: كيف تشوّه سُمعتى؟ إننى حافظت على هذه السمعة طوال حياتى ولم يخدشها إنسان فكيف تدعى كذبًا وبهتانًا أنك كنت معى فى سرير واحد؟!.. وسألت مذهولا: هل قرأت المقال؟.. قالت: يكفينى قراءة العنوان! قلت لها ضاحكًا: اقرأى المقال كله ثم استأنفى ثورتك!.. وقرأت فاتن المقال وأغرقت فى الضحك!.. وبعدها أصبحت أكتب مقالات عن فاتن حمامة بغير عنوان عندما اكتشف أنها لا تقرأ سوى العنوان»
شيئان فى الدنيا هُما أفضل
فى كل ما تنوى وما تعمل
لا تتخذ كل الورى صاحبًا
ولا تنل كل ما يؤكل
• سعيد صالح فى 1995 حول مرارة السجن: «أتذكر عبارة شهيرة لفؤاد حداد يقول فيها (عمر ما الظلم انتهى.. عمر ما الظلم استمر) وأنا ظُلمت كثيرًا جدًا، مرة سنة 1983 عندما أُلقى القبض علىّ بتهمة الخروج عن النص، وثانى مرة سنة 1991 بتهمة تعاطى المخدرات.. فى الأولى حبسونى 17 يومًا على ذمة التحقيق لأنى قلت على المسرح «يا ابن الكلب» واعتبر هذا إسفافًا وخروجًا عن النص والقانون، وفى هذه القضية بالذات كنت أبكى من إحساسى بالظلم لدرجة أنى كتبت لمصطفى أمين وقلت له أنا صدقتك فى كل ما قلته عن الحب والتفاؤل والتشاؤم لكنى لم أكن أصدقك فيما تقوله عن الظلم، والآن صدقت بعدما وقع علىّ الظلم كجبل بل ثلاثة جبال: ظاء، لام، ميم.. أما القضية الثانية وهى المخدرات والتى استمرت لمدة سنتين وثلاثة وعشرين يومًا، فلقد حبسونى ظلمًا أيضًا والحكاية لم تكن مخدرات وإنما الكلام والأشعار التى تزعج الحكومة من خلال مسرحى السياسى والدليل على كلامى أنه فى النهاية لا شيء على الإطلاق وطلعت براءة، وقد أفادتنى تجربتى فى السجن من أنى حفظت فيه 150ألف قصيدة ولحنتها.. أما عن عدم مشاهدتى مع عادل إمام فى عمل مسرحى واحد فالمنتج يريد أن يكسب من عادل وحده، ومن سعيد وحده، لأن أجرنا احنا الاثنين سوف يقضى على مكسبه، وهذا لا يعنى أننى أتمنى بل أشتاق للوقوف مع عادل والاستمتاع بقفشاته وخروجنا احنا الاثنين عن النص فى بعض الأحيان».
يا من يحار الفهم فى قدرتك
وتطلب النفس حمى طاعتك
أسكرنى الإثم ولكننى
صحوت بالآمال فى رحمتك
• القذافى إلى جانب تأليفه للكتاب الأخضر كان مؤلفا للقصص القصيرة القريبة من التغريدات، وقد جمعت مطابع الوحدة العربية فى ليبيا مجموعة منها فى كتاب صغير ثمنه ديناران يضم العناوين التالية: المدينة، والقرية، والأرض، وانتحار رائد الفضاء والفرار إلى جهنم، والشجرة الملعونة، والموت، وملعونة عائلة يعقوب، ودعاء الجمعة الأخيرة، والمسحراتى ظهرًا.. إلخ.. ونظرا لأننى تركت الكتاب الأخضر لثقل حجمه فى مكان مستتر عند مغادرتى فندق طرابلس فى طريق العودة بعدما حضرنا باقة من الكتاب والصحفيين احتفال العقيد بالتقويم الجديد الذى فوجئنا بأنه قد قام فيه بتغيير التاريخ الإسلامى وجعله يبدأ بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بدلا من هجرته، مبررًا ذلك بقوله فى خطبته الطويلة المرهقة التى استمرت على المسرح ساعات لنعود إلى الفندق لنراها من جديد تذاع علينا ثانية من خلال شاشة التليفزيون حتى المساء، والتى قال فيها: «لكل إنسان حدثين رئيسيين هما ميلاده ووفاته، وفيما عدا ذلك من تواريخ فكلها لا ترتقى لهذين الحدثين، وبما أن المسيحيين قد أرّخوا تقويمهم بميلاد المسيح فعلينا أن نبتكر جديدًا لنؤرخ بوفاة الرسول وليس بتاريخ هجرته» ولم أصحب معى فى حقيبتى سوى تغريدات القذافى لأتوقف عند قصة «المدينة» التى تطحن البشر التى يقول القذافى فى سطورها: «المدينة مقبرة الترابط الاجتماعى.. من يدخلها يسبح غصبًا فوق أمواجها تنقله من شارع إلى شارع ومن عمل إلى عمل.. بلا شمس ولا شفق ولا غسق. أخلاقها نفاق. تشتت الأقارب غصبًا وتفرق بين الأب وابنه وتحشد النقيض مع النقيض والبعيد مع البعيد.. المدينة حياة دودية بيولوجية يحيا فيها الإنسان بلا تروّ.. يعيش ويموت داخل قبر.. لا حرية فى المدينة ولا راحة ولا رواق.. جدران زائد جدران.. فى شوارع المدينة يتساوى الآدميون والقطط.. ليس فى المدينة «تفضل» بل ادفع.. ادفع بكتفك. ادفع بكفيك. ادفع من جيبك.. أى تأمل يخرجك عن قضبان سير حياة المدينة قد يكلفك حياتك أو حريتك.. أرصف مزحومة وشوارع مكظوظة ورؤية محدودة.. فى المدينة يحترمك الحائط أكثر من البشر.. الحائط يرشدك إلى مكانك.. المدينة وقت ضائع إلى أن يحين وقت آخر.. وقت العمل أو النوم أو الأرق.. فى المدينة قد يقتل الابن أباه والأب ابنه وهو مُسرع فى سيارة أو قاطرة. المدينة تحجب النجوم والقمر والشمس.. أى فجر لمدينة مكهربة ليلا نهارا؟!.. من يرى فيها السماء ذات البروج.. المدينة تطحن القرى الوادعة وتلتهم أرض الزراعة.. تقتل الحس الاجتماعى وتخلق اللامبالاة.. طاحونة لساكنيها وكابوس لمشيديها.. تجبرك على تغيير مظهرك وتبديل قيمك واستنشاق أنفاس الآخرين غصبًا.. ساكن المدينة ليس له اسم أو لقب أو منْسب. اسمه رقم شقته ولقبه رقم هاتفه ونسبه هو الشارع.. أطفالها أتعس من كبارها من ظلمات إلى ظلمات.. طفل المدينة انطواء ونكوص.. الشارع يا أبنائى ليس للعب.. صغير دُهس أمس لأنه حاول اللعب فيه.. السنة الماضية مرت عجلات مسرعة على طفلة تعبر شارعًا فتمزق جسدها الصغير ولملموها فى رداء أمها، وأخرى خطفها محترفون وغْيبوها أيامًا ثم وضعوها أمام منزل أهلها بعد أن سرقوا إحدى كليتيها.. و..إياكم واللعب أيضًا فى زبالة جانبى الطريق.. الضغط على الأطفال فى بحر المدينة وضربهم وإجبارهم على التقوقع والانكفاء والانكسار النفسى.. المدينة حشود تحضر أمام شخص واحد يردد كببغاء استنطاقات ملوية بضجيج آلى، وقد يصفق مخمور أو مخبول فيصفق كل الجالسين تعبيرًا عن الانسجام، وهو غير صحيح.. المدينة غثيان ودخان وجنون وخوف من الجنون».
إن لم أكن أخلصت فى طاعتك
فإننى أطمع فى رحمتك
وإنما يشفع لى أننى
قد عشت لا أشرك فى وحدتك
• بطرس غالى فى 1 يناير2000: «عندما كنت شابًا كنت أستعجل الزمن كى تتحقق أمنيتى بأن أشهد ولادة العام ألفين، ربما لأن للرقم سحره، وما كان يهمنى لو انطفأت شمعة حياتى بعد ذلك. وها قد تحققت أمنيتى فى هذه الصبيحة حيث أشعة الشمس تدخل غرفتى وتداعب ملاءات سريرى، تمامًا كما تسكب نورها على معبد أبى سنبل لتعلن ولادة نهار جديد.. لكننى لست ممتنًا للآلهة التى أهدتنى هذا اليوم الأول من الحياة فى سنة ألفين وكأن الهدية تلك حق مكتسب لى، إنه الجحود: الصفة الأولى بدون شك للإنسان»..
أسوان فى 2 يناير2000: «أسوان أكثر المدن غموضًا فى العالم، ولعل الأغاخان قد اكتشف سرها فكان يزورها كل عام للاختلاء بنفسه والتأمل فى النيل وآلهته الخفية، وقد أوصى، وفق تقليد فرعونى قديم، بأن يُدفن فيها على قمة هضبة من الرمال الصفراء تقع فى الضفة الغربية للنهر، فقد كان الفراعنة يوصون بأن يُدفنوا على ضفة النهر جهة مغيب الشمس عند الأفول، لاعتقادهم بأنهم سيولدون من جديد فى اليوم التالى على الضفة الشرقية.. ولقد حرص الرئيس فرانسوا ميتران قبل وفاته بفترة وجيزة، على أن يزور أسوان، وقد أسرّ لى فى باريس بأن إقامته فيها سوف تساعده على تحمل آلامه الأخيرة، وقد سرت إشاعة بين العاملين فى فندق الكتاركت الذى اتخذه مكانًا لإقامته مدة الزيارة، بأنه كان يتمنى لو تفاجئه المنية فى هذه الرحلة قبل مغادرته إلى باريس.. وأنا أتيت اليوم إلى أسوان بحثًا عن صور من الماضى. جئت لأعانق مصر القديمة، لأتأمل وأشكر الآلهة التى أنعمت علىّ بأن أشهد ولادة الألفية الثالثة.. بالأمس عندما كنت فى القاهرة، كنت أحس بأن ذلك طبيعى، وبأنه حق مكتسب.. اليوم، أمام سحر أسوان الفريد أكتشف من جديد أنه لا وجود لحق مكتسب وأن الحياة عود على بدء، وأن يوما جديدا تمنحه الحياة لنا هدية تستحق الامتنان.. والامتنان الشديد».
لا توحش النفس بخوف الظنون
واغنم من الحاضر أمن اليقين
فقد تساوى فى الثرى راحل
غدًا وماضٍ من ألوف السنين
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.