يعد مؤتمر ميونخ للأمن ثانى أكبر ملتقى لقادة العالم بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ يشكل منصة فريدة من نوعها على مستوى العالم لبحث القضايا الأمنية، حيث يجمع المئات من صناع القرار من مختلف الدول وفى مختلف المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية، بما فى ذلك الحكومات المعادية لبعضها البعض. وتحتضن مدينة ميونخ الألمانية فعاليات المؤتمر لمدة 3 أيام من شهر فبراير من كل عام. وتعود بداية انطلاق مؤتمر ميونيخ للأمن إلى خريف عام 1963 ، حيث أسسه الباحث الألمانى إيفالد فون كلايست كملتقى للخبراء العسكريين والإعلاميين، لمناقشة الأوضاع العسكرية ضمن الإطار الشامل لمواجهات الحرب الباردة. وتطور المؤتمر مع مرور الوقت ليصبح ملتقى عالميا يشهد لقاءات واجتماعات تبحث النزاعات القائمة ووضع المقترحات لحلها. وعلى الرغم من أنه لا تصدر عن المؤتمر قرارات ملزمة للدول والحكومات، إلا أن أهميته تكمن فى ممارسة «دبلوماسية الغرف». ومنذ تأسيسه، مر مؤتمر ميونخ بمراحل ومحطات عديدة على مدار عقود طويلة. وحمل أسماء متعددة، من بينها «اللقاء الدولى لعلوم الدفاع»، ثم مؤتمر«الدبابات والصواريخ المضادة»، قبل أن يستقر عند اسم «مؤتمر ميونيخ للأمن». وشهدت العقود الأولى من عمر المؤتمر حضورا ضعيفا لا يتجاوز بضع عشرات، لعدم وجود مشاركين من دول عديدة مثلما يحدث اليوم. ومنذ البداية، كان مؤتمر ميونخ فى المقام الأول مكانا يلتقى فيه المشاركون الألمان بنظرائهم وحلفائهم وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة، وأيضا الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلنطى «الناتو». ونتيجة لذلك، أطلق على المؤتمر فى كثير من الأحيان اسم «اجتماع عائلى عبر الأطلنطي». وركزت اجتماعات مؤتمر ميونيخ على بحث السياسة الغربية لمواجهة الحرب الباردة. ومع نهاية الحرب الباردة، سعى كل من إيفالد فون كلايست مؤسس المؤتمر والذى توفى فى عام 2013، وهورست تيلتشيك الذى خلفه كرئيس، إلى توسيعه ليتجاوز الإطار الغربى الضيق مع الحفاظ على الطابع الفريد لهذا الاجتماع عبر الأطلنطي، وقررا توسيع نطاق المشاركة لتشمل دولا من كافة أرجاء العالم. ليفتح المنتدى أبوابه لاستقبال عدد من دول أوروبا الوسطى والشرقية ودول الاتحاد السوفييتى السابق. وكان على مؤتمر ميونخ - شأنه شأن حلف الناتو - أن يتجاوز الإطار الضيق الذى رسمته الحرب الباردة إذا اراد الاستمرار والنجاح فى تحقيق أهدافه. واليوم، ومع زيادة عدد اللاعبين المهيمنين وتنوعهم على ساحة الأمن الدولى واتساع دائرة التحديات، زادت دائرة المشاركين فى المؤتمر، وانضمت إليه القوى الصاعدة الرئيسية ، مثل الصين والبرازيل والهند. كما أدى اندلاع ثورات الربيع العربى والجدل حول طموحات إيران النووية، إلى دعوة قادة الشرق الأوسط للمشاركة فى مؤتمر ميونخ، مما ساعد فى خلق فرصة لمزيد من الحوار داخل أروقة المؤتمر وخارجها. ويهدف المؤتمر إلى بناء الثقة والمساهمة فى الحل السلمى للنزاعات من خلال الحفاظ على حوار مستمر وغير رسمي، كما يوفر مكانا للمبادرات والأفكار الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية لمعالجة أكثر القضايا الأمنية إلحاحا فى العالم تحت شعار «تبنى السلام من خلال الحوار». ويتولى القائمون على المؤتمر عقد لقاءات رفيعة المستوى بانتظام حول قضايا ومناطق معينة، بالاضافة إلى نشر تقرير الأمن فى ميونيخ. وهو ملخص سنوى للأرقام والخرائط والأبحاث ذات الصلة حول التحديات الأمنية الحاسمة. ولا يركز منتدى ميونخ فقط على التحديات الأمنية الأكثر إلحاحا، ولكنه يلفت الانتباه أيضا إلى القضايا التى قد لا تكون على رأس جدول أعمال مجلس الأمن