ما زال الإسلام مقيما في خانة الاتهام من قبل الغرب بشقيه الرسمي والشعبي, بأنه الوجه الآخر للإرهاب, وثمة آلة إعلامية قوية لديه تخاطب النخب والجمهور مكرسة هذا المفهوم بل ووصل الأمر إلي حد القيام بشن حروب علي خلفية هذا الاتهام مثلما جري في أفغانستان والعراق غير الحروب الخفية. واللافت أن هذا الاتهام ليس وليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 وانما هو موغل في القدم ويمتد الي فترة الحروب الصليبية والتي يطلق عليها بعض الباحثين حروب الفرنجة, وظل هذا الاتهام يتمدد حتي بلغ ما يطلق عليه العلماء ظاهرة الاسلاموفوبيا أي الخوف المرضي من الإسلام والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة حسب رؤية الدكتور إكمل الدين إحسان أوغلي الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي. ولكن هل يعود هذا الاتهام الي مؤامرة غربية أم أن ممارسات المسلمين هي التي قادت الي تكريسه في منظور الآخر غير المسلم؟ طرحنا هذا التساؤل علي عدد من المفكرين والمسئولين المعنيين بإشكاليات علاقة الإسلام بالإرهاب ؟. بداية يوضح الدكتور يحيي أحمد الكعكي, المفكر الإسلامي اللبناني, أن مصطلح الإرهاب شاع في أوساط المجتمع الدولي وخصوصا بعد أحداث11 سبتمبر2001 والتي رافقها ظهور مقولة الإسلاموفوبيا أو الخوف المرضي من الإسلام, مع أن العكس هو الصحيح, أي أن ما رافق هذه الأحداث من تداعيات جعل الخوف علي الإسلام وليس من الإسلام هو القضية وهذه هي بعض الحقيقة لأن ما يحاول البعض اتهام الإسلام به ليس إلا إرهابا معولما لا دين له ولا جنسية, والهدف من هذا الاتهام المقصود من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية خصوصا هو تشويه الصورة الحضارية للإسلام كالاعتدال والوسطية ولحضارته ولشخصيته الثقافية العلمية المميزة ولإنسانيته وتسامحه وانتفاء عنصريته وذلك بهدف الترويج من قبل هذه الأيدي الخفية في المجتمع الإنساني بأن الإسلامو فوبيا هي القضية الأمنية الأولي التي يجب أن تقلق وتهدد السلام والاستقرار في العالم وكل ذلك يتم بواسطة حرب الأفكار المعولمة. لافتا إلي أن تعبير الإسلام فوبيا قد استخدم قبل عام1978 حيث نشر في إحدي الدراسات البريطانية ضمن تقرير لجنة استشارية قدم لحكومة المملكة المتحدة بعنوان ظاهرة الإسلامو فوبيا مظاهرها ومخاطرها حددت فيه التغييرات السلوكية والفكرية للظاهرة وربطت نموها بتزايد أعداد الأجانب والمتعطلين وقدمت عدة توصيات للجهات الحكومية لاحتواء هذه الظاهرة وذلك يعني- كما يقول الدكتور يحيي-أن هذه الظاهرة كانت موجودة قبل أحداث11 سبتمبر2001 أما بعد هذه الأحداث فقد أصبحت بمثابة حدث يومي في الغرب كله, وأصبحت ظاهرة أكثر أهمية وخطرا من التمييز العرقي وباتت مستشرية في عالم الغرب حيث أنهم يحددون النظرة العدائية للإسلام من خلالها. في ضوء هذه المعطيات كيف يمكن للعرب والمسلمين تصحيح هذه الصورة المشوهة لدي الغرب عن الإسلام؟ يجيب الدكتور يحيي قائلا: البداية تنطلق من ضرورة مواكبة الفكر الإسلامي المتجدد باستناده إلي الأصالة لهذه الهجمة علي الثقافة الإسلامية وذلك من خلال نشر الفكر الديني الوسطي الرافض لكل شكل من أشكال التشدد والغلو والجمود والعنف والتقليد وهذا من باب الأولويات أي أن يكون العنوان العام في الاستجابة الاسلامية لهذاالتحدي هو في ثقافة التجديد عن طريق تعليم وتخريج دعاة حضاريين يمتلكون القدرة علي توصيل الفكر الإسلامي المعتدل والوسطي إلي الآخر بعيدا عن الغلو والتطرف. ويشدد علي أن الدعاة العقلاء من المسلمين مطالبون بإبراز تعاليم الإسلام في صفائه ونقائه وتسامحه بعيدا عن أي تحريف وتشويه, وبأن يكونوا نماذج حية لقيم الإسلام النبيلة وتعاليمه السامية السمحة, والتأكيد علي ان الإسلام هو دين السلام وقد اشتق لفظ الإسلام من الأصل نفسه الذي اشتق منه لفظ السلام, ولا شك أن العالم في حاجة إلي الإسلام لترسيخ أسس السلام والإستقرار, مطالبا بأن تكون رسالة المسجد في الألفية التي نعيشها رسالة الأصالة والمعاصرة ورسالة الحضارة الإسلامية ورسالة إسلام الحضارة والاعتدال والوسطية علي هدي من العقلانية الإسلامية. لكن هل يثق العرب والمسلمون في تجاوب الغرب مع محاولاتهم لتصحيح صورة الإسلام وإبعاد تهمة الإرهاب عنه؟ يقول الدكتور يحيي المعضلة: تكمن في أن الغرب لديه الخوف المرضي من الإسلام وهو ما رفع من نسبة اللاوعي الذي يسيطر علي الغربيين من خلال الإعلام الذي يوحد أفكارهم باتجاه منطقة المؤامرة بمعني أن هناك مؤامرة عليهم من قبل الإسلام والمسلمين وهو ما يقابله في الوقت نفسه اعتقاد لدي معظم المجتمعات الاسلامية بأن هناك مؤامرة غربية عليها, وشخصيا أري أن تفسير الأمور بمنطق المؤامرة يصيبنا بالإحباط والتراجع, وعلينا أن نتجاوز ذلك حتي نخرج من هذه الدوامة كمجتمعات عربية واسلامية, واذا كانت ثمة مؤامرة فإنه يتعين علينا أن نثبت للآخرين أن لنا إرادتنا المستقلة وهويتنا وثقافتنا ومعتقداتنا التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتخلي عنها, فلقد دعانا القرآن الكريم الي إعمال الفكر للوصول الي الحقيقة بعيدا عن التأثر بالآخرين أو خوفا منهم أو مجاملة لهم, والعبء الأكبر في هذه الاستجابة الإسلامية وحتي العربية لهذا التحدي من قبل بعض المجتمعات الغربية يتمثل في حرب الأفكار المعولمة من الإعلام الغربي, هي بمثابة رسالة الإسلام الحقيقية في إطار الاعتدال والوسطية وعلينا أن ننطلق الي آفاق الاستنهاض المنشود بتغيير العقلية اي الموازنة بين الأسباب الدينية والدنيوية بعقل متفتح وعمل منتج لمواجهة تحديات وقضايا عصر تقنية المعلومات, ومواكبة المستجدات. آخذين في الاعتبار أن الأمة لن تقوي الا بالتجدد المستمر ولن تضيع قوتها الا بكثرة الكلام, لأن العالم يسوده اليوم العقل ويحكمه الفكر والتقدم و ثورة تقنية المعلومات. ووفق رؤية الدكتور شمران العجيلي( رئيس بيت الحكمة العراقي) في لقاء معه علي هامش زيارته للقاهرة: فإن الإسلام العظيم انتشر عبر أرجاء العالم بإعجاز آلهي عبر الدعوة والتجارة والقدوة الحسنة وهو ما جعل له مكانة عالية في نفوس البشر الذين آمنوا به وانتموا اليه. وهو ما دعمه العلم والاكتشافات العلمية ومع فشل الأنظمة الاشتراكية والرأسمالية وغيرها في الغرب دفع الناس الي الاتجاه الي الإسلام وتجلي ذلك في إعلان الكثيرين من مواطني أوربا وأمريكا وآسيا يعلنون اسلامهم وهو ما أفزع الغرب وولد قناعة قوية لدي قياداتهم وأجهزتهم الأمنية بأنه في حال ترك الإسلام ينتشر بهذا القدر من المرونة والشفافية والحرية فقد يقود ذلك الي نهاية الغرب نفسه فكانت البداية بمحاولة تشوية صورة الإسلام من خلال صناعة جماعات وتيارات معينة تتولي القيام بهذه المهمة نيابة عن الغرب في المجتمعات الإسلامية نفسها ومنها علي سبيل المثال جماعة التكفير والهجرة في مصر في سبعينيات القرن الماضي والتي قامت بقتل وزير الأوقاف المصري الأسبق الدكتور محمد حسين الذهبي وغيرها من تنظيمات سواء في مصر أو في العالم العربي والتي بلغت ذروتها بإطلاق تنظيم القاعدة الذي تمدد من الجزيرة العربية الي غيرها من مناطق العالم والذي قام بأحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 والتي أفرزت تداعيات شديدة السلبية علي صورة الإسلام والمسلمين علي نحو جعل الإرهاب لصيقا بهذا الدين الحنيف القائم علي التسامح والقبول بالآخر والتعددية, ويري أن مواجهة الإسلاموفوبيا المنتشرة في الغرب يجب ان ترتكز علي أن نبين للغرب حقيقة الإسلام وحقيقة المسلمين المتدينين الملتزمين حقيقة أو المنحرفين عن جادة الإسلام, وذلك بكل الوسائل الحديثة ودعوتهم لمشاهدة الإسلام في بلاده علي حقيقته فضلا عن تبادل الزيارات مع رموزهم ونخبهم حتي يدرك العقلاء والحكماء والفاهمون من الغربيين أن الإسلام شيء وأن الإرهاب شيء آخر. ومن الضروري تعاون المؤسسات الدينية والجامعات فيما بينها لوضع برنامج متكامل تقوم الدولة ومؤسساتها بمقتضاه بصياغة الثقافة الجديدة التي تقوم علي التسامح.