حذر الدكتور طارق الزدجالي مدير عام المنظمة العربية للزراعة من خطورة الأوضاع الغذائية في المنطقة العربية لدرجة أن شبح المجاعة يهددها. وذلك لأن حجم الفجوة الغذائية بلغ أكثر من21 مليار دولار وطالب بضخ رءوس الأموال العربية في مشروعات زراعية وحيوانية وسمكية عملاقة لإنقاذ الأمن الغذائي العربي حيث من المتوقع أن تصل الفجوة خلال15 عاما لنحو100 مليار دولار.. وهذا مؤشر لايجب السكوت عليه خاصة وأن المورد الأساسي للمياه محدود وهناك أطماع لبعض الدول في المياه لذلك لابد من وقفة عربية موحدة خاصة تجاه مياه النيل وتأييد موقف مصر والسودان..وقد تناول حديثي مع مديرعام المنظمة العديد من النقاط التي تكشف خطورة الموقف وشبح الجوع الذي يهدد الدول العربية.. ويؤكد ان ميزانية المنظمة ضئيلة جدا أمام المطلوب منها والمشروعات الرائدة التي تهدف لرعايتها وتفعيلها.. جميع هذه الأوجاع والآمال يشملها هذا الحوار'. التعاون العربي في مجال الزراعة يحتاج الي انتعاشة حقيقية.. هل يمكن القيام بها؟ يتحدث في البداية مدير عام المنظمة موضحا أن لديه اهتمام بالتربة والري وتنمية وتطوير البحث الزراعي, ويري أن البحوث التطبيقية مهمة, ورغم ذلك عملية نقل التكنولوجيا ضعيفة, ولذلك نهدر موارد ضخمة لعدم استخدام الأساليب الحديثة التي ترشد استخدام الموارد وتعظيم قيمتها, وفي خطة2011 و2012 سنركز علي هذا البرنامج, ويتضمن8 أفرع رئيسية منها تطوير التقنات الحيوية وتطوير أصناف السلالات الحيوانية والنباتية وتنمية الاتصالات ونظم المعلومات, وتطوير الثروة السمكية ونظم الصيد حيث يوجد قصور شديد في هذا المجال لأن موضوع الصيد ليس فقط اقتصاديا, بل له أبعاد اجتماعية كثيرة. لكن كيف يتم الربط بين البعدين والاستفادة بالثروة السمكية العربية, ومدي توافر البيانات وعقد الاتفاقات لإنجاحها؟! هنا يضع الدكتور طارق الزدجالي يده علي مشكلة غاية في الأهمية وهي أن مدننا العربية لن تنموا لوجود هجرة كبيرة من الأرياف ومن المناطق الساحلية إلي المدن, فيجب استخدام مواردنا بعدالة في تقسيم الدخل, ويمكن دفع القطاع الخاص للصيد في أعالي البحار بإمكانيات أكبر, وقطاع الصيد التقليدي الذي يضم عددا كبيرا من الصيادين يجب دعمه وتنظيمه وتطويره, والأهم لابد من وجود دراسات لتقييم المخزون السمكي البحري أو في المسطحات المائية الداخلية, لوضع إدارة متكاملة لاستغلاله وإلا سيكون الصيد جائر جدا, وهناك عوامل كثيرة وراء انخفاض المخزون بالبحر المتوسط منها مثلا الصيد الجائر والتلوث. وبالنسبة للصيد التقليدي فمن الضروري تحديد مناطق في الوطن العربي للصيد التقليدي ولا يمارس فيه الصيد التجاري, ونحن في المنظمة العربية نتطلع لعمل قانون استرشادي علي مستوي الوطن العربي للصيد البحري وحماية الثروة المائية, يستفيد منه الدول العربية, ولكل منطقة صياديها لايجب اقتحامها من الآخرين, ومن غير المحبب أن يقوم الصيادون التقليديون بالصيد في الدول الأخري لأنها مصدر لمعيشة بعض الأسر الساحلية, ولابد من وجود اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الدول للصيد خارج مناطق الصيد التقليدي. ويقوم خبراء المنظمة حاليا بحصر فرص الاستثمار الزراعي والسمكي في الدول العربية, وسنروج لها, وسيكون هناك مشاريع استثمارية للثروة السمكية في دول عربية لديها أنواع من الأسماك بكميات كبيرة. هل هناك فجوة في الإنتاج السمكي العربي؟, وكيف يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي؟ لدينا اكتفاء أكثر من اللازم علي المستوي القومي, لكن نجد استهلاك الفرد في بعض الدول العربية3,1 كجم سنويا, وهي كمية ضئيلة, لكن علي مستوي الدول لدي بعضها عجز, في الوقت الذي تصدر بعض الدول العربية كميات ضخمة من الأسماك للخارج, منها دول المغرب العربي, وسلطنة عمان وأصبحت صناعة لديها, والحكومة تعمل علي تطويرها, فقد يخدعنا رقم الاكتفاء الذاتي فلدينا أكثر من104% علي المستوي القومي حسابيا, لكن هناك عجز في دول كثيرة وتستورد. هل هناك عراقيل أمام المنظمة في تنفيذ برامجها في هذا المجال؟ في الحقيقة المشكلة الكبيرة محدودية موازنة المنظمة فهي ضئيلة جدا تساهم فيها الدول وتبلغ2,6 مليون دولار سنويا بكل رواتبها ومشاريعها ولذلك لاتحمل المنظمة أكثر من طاقتها, وبهذا المبلغ الزهيد نحاول قدر الإمكان أن نصنع تنمية زراعية وسمكية وحيوانية في الوطن العربي, فالمبلغ ضئيل وهزيل والتحديات كبيرة والاحتياجات كبيرة, والمنظمة فعالة جدا وتستطيع تقديم إضافات كبيرة للتنمية, ويجب ألا تقل ميزانية هذه المنظمة عن مائة مليون دولار, للقيام بمشاريع رائدة بإجراء دراسات جدوي وعمل بعض المشاريع التي تحد من الفقر وتنمية الزراعة في الريف. ثقافة التعاون مفتقدة بين الدول العربية.. وعدم القناعة بأن المنظمة وغيرها من المنظمات الأخري لاتقدم شئ؟ أنا شخصيا كما يؤكد في الشهور التسعة الماضية منذ تسلم عملي مديرا عاما للمنظمة العربية للزراعة نحاول دعم هذه الثقافة المفتقدة, وهي تحتاج لأموال تعزز هذا التعاون, ولن تأتي الأموال إلا بنمو ثقافة التعاون بين الدول العربية وإدراك أهميتها, ففي القمة العربية في الرياض في عام2007 أعتمدت الاستراتيجية العربية للتنمية المستدامة للعقدين القادمين, وكذلك في قمة الكويت الاقتصادية والتنموية الاجتماعية في أول عام2009 أطلق البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي, وتم تكليف المنظمة في الحالتين, الأولي بتنفيذ الاستراتيجية والثانية متابعتها تنفيذ البرنامج الطارئ. من البيانات والإحصاءات التي تم تجميعها لديكم في المنظمة ما هو حجم الفجوة الغذائية؟. لا ينكر الدكتور طارق الزدجالي وجود الفجوة الغذائية ويؤكد أنها كبيرة ففي عام2008 كان حجم الفجوة21 مليار, ومعظم واردتنا الحبوب وعلي رأسها القمح, ففي مصر الاستهلاك10 ملايين طن والإنتاج6 ملايين طن قمح, ويعد الإنتاج المصري ضخما جدا, وإنتاج وحدة المساحة عالي جدا عالميا, لكن النمط الاستهلاكي للمصريين مسرف, لذلك نحن بصدد عمل برنامج الغذاء العربي يركز الجزء الأساسي فيه علي التوعية, فالنمط الاستهلاكي يحتاج معالجة وليس زيادة الإنتاج, هناك هدر في الاستهلاك, وفي البرنامج نركز علي دور المرأة لأنه هو الركيزة في الأمن الغذائي العربي ويجب النظر إليها من هذه الزاوية, فالتركيز علي النمط الغذائي يمكن أن يوفر15%. ما هي امكانات التوسع الزراعي وزيادة الإنتاج.. غير المستغلة؟ هناك امكانات ضخمة جدا كما يصفها الدكتور الزدجالي فيمكن توفير كميات من مياه الري لزيادة المساحات المزروعة بنحو7 ملايين فدان علي المستوي القومي, وذلك بتطوير الري وترشيد المياه واختيار نوع المحصول, وهذا يمكن تنفيذه خلال25 سنة, ففي بعض الدول العربية توجد أراضي مطرية مثل السودان وبمساحات شاسعة, ويجب أن ننظر بشكل جاد للاستثمار الزراعي في السودان لما تتمتع به من موارد أرضية ضخمة وموارد مائية مناسبة, وتنميتها تعود بالفائدة الكبيرة علي الأمن الغذائي العربي. لكن المسألة مرتبطة بالاستقرار الاجتماعي والسياسي؟ وهناك تخوف من المستثمر العربي لوجود مشكلات مع الجنوب ودارفور, وغالبا وراءها مصالح دولية تستفيد من القلاقل والانفصالات فما هو دور الاستقرار في التوسع الزراعي؟ الاستقرار مهم لتحفيز الاستثمار ولايجب أن نكابر في هذا الأمر, لكن هناك مشاريع للاستثمار العربي في السودان فيوجد مشروع الراجحي وهو نحو50 ألف فدان, ويوجد للاخوة القطريين مشروع كبير بمساحة تزيد علي160 ألف فدان والحكومة القطرية جادة جدا في الاستثمار الزراعة, وهناك بعض الإجراءات النهائية نرجو أن توفق. كليات الزراعة في مصر لم يعد عليها إقبال مع أنها بيت خبرة مهم جدا في سد الفجوة الغذائية ويمكن أن تفيد الدول العربية جميعها.. فما تعليقكم؟ يقول مدير عام منظمة التنمية الزراعية العربية إن التعليم الزراعي مهم وكلما تتسع الفجوة الغذائية يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر به, لكي تكون مخرجاته مناسبه لقادم الأيام, فنحن أمام تحد كبير, فالفجوة الغذائية يمكن أن تصل إلي100 مليار دولار لأن المؤشرات تشير إلي اتساعها سنويا, ففي عام2033 سيصل تعداد الدول العربية نحو550 مليون فرد عربي ونحن الآن353 مليون نسمة, وهذه الأعداد المتزايدة ستحتاج لغذاء. ويري أن أكبر تحد يواجهنا هو النمو السكاني الشديد, فكان تعداد الوطن العربي عام1990 نحو223 مليون نسمة, والفجوة الغذائية كانت نحو12 مليارا دولار, ووصلت إلي21 مليار العام الماضي, وإذا ظلت الأوضاع علي ماهي عليه ستكون كارثة, وتصل الفجوة إلي71 مليار عام2020, ونمو السكان تحدي كبير. هل الفجوة الغذائية مع اتساعها مستقبلا ستؤثر سياسيا علي الدول العربية؟ أنا أعتقد أن جميع الحكومات العربية لديها إدراك تام بأهمية الغذاء, ولايحاولون استبعاد الأمن الغذائي من الأمن القومي ولهذا الحكومات بدأت برامج جيدة في هذا الشأن, لعل الأزمة المالية والغذائية التي حدثت أخيرا كانت منبه لزيادة الاهتمام بقضية الغذاء فارتفعت الأسعار كثيرا, ولهذا أتوقع أن الدول العربية تضع علي سلم أولوياتها الغذاء الأمن لمواطنيها. هل معني ذلك..انكم تدعون الدول العربية لإذابة الحدود بينها لصالح الأمن الغذائي والقومي؟ نعم كسر الحدود الزراعية بين الدول العربية المختلفة هذا المنظور التكاملي مهم جدا, ولاتستطيع دولة عربية واحدة أن تحقق الاكتفاء الذاتي بمفردها, فالظروف الطبيعية تختلف, وقد أوجد لنا الله لغة واحدة تيسر التعاون بيننا, ولا أري عائقا كبيرا في موضوع تحقيق التعاون في مجال الأمن الغذائي. وهل هناك وسيلة وإمكانية لتصدير المياه؟ كل حبة من أي محصول تصدر للخارج ماهو إلا تصدير للمياه, ولايوجد عائد آخر أفضل من المياه وعملية التصدير والتبادل التجاري العربي الأجنبي, والعربي العرب تحتاج لإعادة النظر, ومن هنا تأتي وأهمية التركيب المحصولي, وهذا ما يسمي' إدارة المياه الافتراضية' ومعناها تصدير محصول ما إلا تصدير المياه التي أنتجت هذا المحصول, فنحن نعاني من عجز مائي وأخر غذائي, ورغم ذلك نصدر ولذلك يجب النظر لتركيب المحاصيل بواقعية, ويصرخ الأمن القومي مرتبط بالأمن الغذائي. الماء العربي مصدره خارج أرضه فهل هناك خطر عليه؟ وإلي أي حد؟ هناك خطر شديد.. فالعراق تعاني بسبب أن مياهها السطحية تأتي من خارج أراضيها مثل مصر, وكنت في بغداد ورأيت ذلك بعيني, فمياه العراق تأتي عبر تركيا, ويبدو أن هناك بعض الإجراءات التي اتخذت وتؤثر علي المياه في العراق, ونرجو أن توفق العراق في مباحثتها مع هذه الدول, بحيث يعاد وضعها المائي لأنه جفت مناطق كثيرة, وأخري علي وشك الانهيار وألت للتصحر. ومنابع حوض النيل خارج الأراضي العربية, وهناك تنافس عليها وكلام كثير, لكن أري أن الخطوات التي تتخذها الدول العربية خاصة مصر والسودان جيدة, والخطوات العربية في الجنوب السوداني ودول حوض النيل بزيادة الاستثمارات والمساعدات الفنية وبناء القدرات خطوات مهمة. ويؤكد أن قضية مياه النيل أمن عربي هام جدا ويجب أن تشغلنا جميعا وتكون هاجس علي أولويات الدول العربية جميعها, لأننا نتكلم عن دولتين عدد سكانهما نحو130 مليون نسمة أي أكثر من ثلث الوطن العرب, ونرجو من الدول العربية ان تكون لها نظرة تكاملية في هذا الأمر ويكون لدينا توجه جماعي في هذا الأمر يساند توجهات مصر والسودان بزيادة الاستثمار في هذه المناطق. الإنتاج الحيواني بدأ يتراجع في الوطن العربي والأمراض الحيوانية تنتقل ومقاومتها فيها نوع من الضعف.. فما تقييمك للموقف؟ فعلا الثروة الحيوانية تقهقرت, ويوجد مشكلة انتقال الأمراض الخطيرة فالوبائيات انتشرت في العالم كله, ومنها بعض الدول العربية بسبب نمط الإنتاج والرعاية, لكن الدول العربية تتخذ إجراءات قوية تحد من هذه الكوارث, وهناك بعض الدول قد لايكون البرنامج فاعلا حتي الآن, ويري تفعيل الدور الجماعي في مكافحة وبائيات الثروة الحيوانية, وعلي كل دولة أن تقوم بدورها والتنسيق مع الدول الأخري. كنت في مؤتمر في مصر بشرم الشيخ.. فماذا كانت أهم موضوعاته؟ كان الاجتماع الوزاري العربي الأفريقي للتنمية الزراعية والأمن الغذائي, وخرجت توصيات لاستحداث وحدة لتسهيل خطة العمل العربية الأفريقية في مجال التنمية الزراعية والأمن الغذائي, وتستضيف المنظمة الوحدة للتسهيل, وسنركز علي الموضعات المشتركة, خاصة يوجد جزء كبير من الدول العربية في أفريقيا, وسيعمل التعاون علي بناء القدرات الزراعية وكذلك حصر الفرص الاستثمارية في الدول الافريقية والعربية والترويج لها, وفي المنظمة العربية الأولوية ستكون للقضايا الزراعية الكبري في أفريقيا وعلي رأسها موضوع مياه النيل لأنه يهم الأمن الغذائي العربي. هل رءوس الأموال العربية الخاصة يجب توجيهها للزراعة العربية؟ نحن نعلم ماحدث للاستثمار في الأسواق المالية في الأزمة الأخيرة خسرت رؤوس الأموال العربية مليارات الدولارات, والأفضل لو كانت هذه الأموال مستثمرة في مشروعات عربية زراعية غذائية, ونحن لانطالب باستثمارها في مشروعات زراعية دون دراسات فنية واقتصادية, ومعظم المشروعات العربية في مجال الزراعة مجدية, وهذه دعوة للمستثمر العربي للنظر إلي القطاع الزراعي نظرة حقيقية وعائدها مستمر, نحن نعول في المنظمة ووزراء الزراعة العرب علي القطاع الخاص لدعم التنمية ومستويات أعلي للأمن الغذائي العربي.