منذ أن عرف المجتمع المصرى وسائل التواصل الاجتماعى وهو يصر على استخدامها فى غير ما وجدت من أجله، وباتت وسيلة للتناحر والتباعد، وتحولت الى سهام مسمومة تهدد السلم المجتمعى، فليس معقولا ان كل فرد يستطيع ان يكتب بضع كلمات لا يلقى بالا لما يمكن ان تحدثه من ردة فعل سلبية او تنال من كرامة شخص او تؤثر على نفسيته وتنتقص من مهنيته، دون أن يكون هناك رقيب من ضمير او قانون ان غاب الضمير، فوسائل التواصل ليست منصات اطلاق نيران عشوائية فى وجوه من يخالفوننا فى الرأى، او الانتماء الرياضى او الفكر الثقافى او الاداء المهنى لأية مهنة ابداعية يكون المتلقى لها صاحب قرار الرفض او القبول لمضمونها، فالاصل أن الابداع حالة يتباين معها متذوقوها بين قابل و رافض، ومادام اختلف الناس حول امر ما فلا يمكن ان يحكم عليه بالفشل، من هنا تبدو الآراء التى يصدرها البعض وتتضمن احكاما قاسية تجاه اخرين مرفوضة بالمرة. والامر لم يعد مقصوراً على الخلافات السياسية، لكن الامر الذى فاق حدود الاحتمال ونفد معه الصبر، تلك الظاهرة التى تفشت وطغت على وسائل التواصل جميعها، وتساوى فيها المثقف مع محدود الثقافة، والكبير مع الصغير، والرجل والمرأة دونما تمييز، تلك الظاهرة التى اصطلح على تسميتها «التحفيل» وتعنى سخرية مشجعى فريق من اقرانهم مشجعى الفريق المنافس عند تلقى خسارة رياضية، وكأنهم اتفقوا مع سبق الاصرار والترصد على اغتيال الروح الرياضية، التى هى سلوك انسانى نبيل ابتكر من اجدادنا المصريين القدماء لممارسته للترويح عن النفس والتريض واكتساب اللياقة والصحة، وكذلك التعارف على الاخر وتقبله فى الحياة والتعاون معه جارا فى المسكن او زميلا فى العمل، واكتساب خبرات من الاحتكاك مع الاخرين، ثم التنافس معهم من أجل الفوز واثبات الذات، دون تعال او تكبر، فينمو بالممارسة الرياضية البدن والعقل، ولذا ظهرت الحكمة التى تقول العقل السليم فى الجسم السليم لتكون دعوة لممارسة الرياضة، اما أن تصبح الرياضة مرمى نيران تشتعل فيه الحرائق بفعل الدخلاء عليها ممن لا يعرفون فلسفتها ويجهلون قيمها النبيلة، ولم يتشرفوا بممارستها، ونسوا أن لها عملة بوجهين اولهما الفوز والاخر الخسارة، وانه لا يوجد فى الرياضة عبر تاريخها وإلى قيام الساعة فريق يفوز دائما واخر يخسر دائما، وانما متعتها واثارتها تقوم على الامرين معا وإلا غابت الاثارة وأصاب التنافس ملل يسحب من رصيد الرياضة وشعبيتها الطاغية. للأسف الامر تجاوز السخرية من المنافس كما هو فى حالة الاهلى والزمالك التى استفحلت فى الفترة الاخيرة عقب اى اخفاق كروى، ليصل الى مرحلة التراشق التى يطول رزازها رموزا وتاريخا لكلا الناديين ويظهر المشجعين فى ثوب التعصب المقيت الذى ترفضه الروح الرياضية ويتنافى مع قيمها، فتجد كل طرف وقد تسلح برسوم او عبارات مسيئة، او استحضر من التاريخ نتائج سلبية ليذكر بها منافسه، ومن عجب ان هذا المنافس يمكن ان يكون شقيقه او احد ابناء عمومته وربما صهره او رفيق درب دراسة او عمل، ويتسبب هذا التحفيل فى احتقان يؤثر على العلاقات الانسانية بينهم وربما ادى الى قطيعة، ونظرة واحدة لتويتر او فيسبوك تحديدا سنجد العجب، وستعقد الدهشة ألسنتنا وتعجزها عن النطق بما كتبه مثقفون كبار وفنانون نجوم وشخصيات عامة من رجال الرياضة والاقتصاد والاعلام ، كلمات تنطق بالتعصب الاعمي، وتفتح باب القطيعة بين الارحام، ومن عجب أن السيدات دخلن على خط التحفيل هذا باسلوب فاق الرجال فى التجاوز، وباتت كل واحدة منهن تشهر سيف كلماتها بجرأة تحسد عليها، ولديها استعداد لتطعن بها حتى أقرب المقربين اليها ماداموا على غير انتمائها الكروى، لكننى شخصيا توقفت امام شخصيات مبدعة بعضها نموذج يحتذى به فى التشجيع المثالى وهو الفنان القدير نبيل الحلفاوى الذى كتب متعجبا ممن يسخرون من خسارة فريق مصرى فى بطولة قارية وسخر سلفا ممن سيسخرون من تعجبه منهم، والاخر لن أذكر اسمه.. فآراؤه على توتير تصيبنى بغثيان، وأجدنى اتوقف امام اعماله الفنية التى تابعتها لا تسأل كيف لمن كتب هذه الكلمات الغنائية الرقيقة ان يكتب هذه الكلمات المسيئة حتى لعناصر من الفريق الذى يشجعه. إن الامر جد خطير وعلى علماء الاجتماع وعلم النفس التدخل بسرعة لدراسة هذه الظاهرة التى تغتال أجمل ما فى حياتنا وهى الرياضة بما تمثله من سمو ورفعة وقيم نبيلة، يحتاجها المجتمع لتكون قاطرته للتسامح، وليست ساحة للصراع والعنف والكراهية، وعلى نخبة المجتمع ان تقوم بدورها فى التصدى للخارجين على هذه القيم وتصويب مسارهم فى التشجيع الرياضى. لمزيد من مقالات أشرف محمود