تتجه أنظار العالم الآن نحو إفريقيا حيث وقائع تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة الاتحاد الافريقى من رئيس رواندا وذلك فى الجلسة الافتتاحية لقمة الاتحاد التى من المقرر أن تقام يوم الاحد المقبل فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وحينما أقول أنظار العالم أجمع فإننى أعى جيداً ما أقول حيث أقصد بالفعل تعميم الاهتمام بهذا الحدث التاريخى المهم لأن الشأن الافريقى لم يعد كما كان من قبل يخص دول القارة وحسب بل تحول الى أمر يحظى باهتمام بالغ من كل انحاء العالم وهذا بالطبع لم يكن وليد الصدفة ولم يأت من فراغ وإنما هو نتيجة تحرك دولى مكثف قام به الزعيم والقائد عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية من أجل تحويل مسارات قضايا القارة وإعطائها أهمية قصوى فى جميع انحاء العالم، فكانت زيارات الرئيس السيسى الخارجية والمباحثات المهمة التى أجراها مع قادة العالم بمثابة نقطة تحول جوهرية فى تعامل القاهرة مع قضايا القارة كما حققت فى نفس الوقت المصالح المشتركة للقاهرة والدول الأفريقية وأوروبا والعمل المشترك تجاه جميع القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك وهو ما كان له عظيم الأثر فى أن الرئيس السيسى يحظى باحترام وتقدير كبيرين من القادة والحكومات والشعوب بالدول الأفريقية. فلو عدنا الى ما شهدته زيارة الرئيس الى النمسا مؤخراً نلمس بوضوح الحرص على مشاركة مصر على مستوى القمة فى لقاء أوروبى - إفريقى تم عقده فى فيينا وذلك فى إطار منتدى أوروبا- إفريقيا وهى القمة التى نجحت فى وضع أسس واضحة للتعاون المصرى - الأفريقى - الأوروبى فى جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة وذلك حتى قبل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى ، الأمر الذى يضع أيدينا على عدد من الرسائل التى بعث بها الرئيس للعالم اجمع والتى تجسد بوضوح تطلعات الشعب المصرى بجميع اتجاهاته وانتماءاته السياسية والشعبية والحزبية بأن تكون العلاقات بين الدول الأفريقية والأوروبية ذات مواقف موحدة تجاه جميع القضايا والمشكلات داخل أفريقيا وذلك فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى من ناحية ورئاسة النمسا للاتحاد الأوروبى من ناحية أخرى وهذا بالطبع سوف تنعكس نتائجه إيجابيًا أيضاً فى التنسيق والعمل المشترك بين الاتحادين الإفريقى والأوروبى تجاه جميع القضايا التى تهم أفريقيا وأوروبا مما يترتب عنه وبكل تأكيد تحويل القاهرة الى مركز لاتخاذ القرارات التى تهم دول وشعوب القارتين. والحق يقال فإن قمة النمسا لم تكن هى الوحيدة التى حرص الرئيس السيسى على المشاركة فيها من اجل الترويج دولياً للملفات الحيوية المتعلقة بقضايا القارة الافريقية وذلك انطلاقاً من دور مصر التاريخى ومسئوليتها تجاهها فقد كانت أيضا زيارته التاريخية لألمانيا مرتين للمشاركة فى القمة الألمانية- الإفريقية وهو الذى لم يقل فى أهميته عن قمة النمسا أما زيارته للصين والتى قام فيها بالمشاركة فى منتدى الصين- أفريقيا فقد كانت ايضاً محطة مهمة فى الطريق نحو رئاسة مصر للاتحاد الافريقى ، فضلاً عن ذلك فإن التحركات والزيارات المصرية الخارجية للرئيس استهدفت فى المقام الأول العمل على تعزيز الأمن القومى المصرى والأفريقى والعربى بكل عناصره بمعناها الواسع وبما يحقق المصالح الوطنية لمصر والدول العربية والأفريقية معا بما فى ذلك المصالح السياسية والاقتصادية والإستراتيجية والثقافية وهذا بالطبع من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط بل والعالمين الأفريقى والعربى على حد سواء . وقد عبر الرئيس عن هذا التوجه بقوله: نحن عازمون على عودة مصر إلى مكانتها، والإسهام الفاعل مع بقية دول القارة فى مواجهة التحديات المتربصة بنا لاسيما الإرهاب والجريمة المنظمة والأوبئة وتدهور البيئة. واعتقد أنه بهذه الكلمات استطاع الرئيس وببراعة تامة أن يرسم استراتيجية فى منتهى الأهمية لعلاقات مصر الأفريقية انطلاقاً من العلاقات القوية التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ وإعتزاز القاهرة بانتمائها الإفريقى ولم يتوقف هذا التوجه عند حد العلاقات مع القارة بصفة عامة بل حرصت مصر على قطع أشواط أبعد فيما يخص الانفتاح على اكبر عدد من دول القارة وذلك من خلال تدشين مسارات متوازية من العلاقات الثنائية والتعاون المشترك مع دولها المختلفة، لتصبح حاضرة بقوة داخل العديد من الدول والمجتمعات مستعيدة جانبا كبيرا من ميراثها العميق مع الغالبية العظمى من الدول الأفريقية ومواطنيها الذين لا تزال أعداد كثيرة منهم تذكر فضل مصر فى تحقيق انجازات كثيرة لديهم تتعلق بمجالات التنمية المستدامة. وهو ما يجعلنى أتوقع دورًا أكبر لمصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقى التى سوف تستمر لمدة عام خاصة بعد نجاح الدبلوماسية المصرية فى استعادة الدور التاريخى والمحورى لمصر داخل القارة الأفريقية. والحق يقال إن هذا التوجه قد بدأ بالفعل قبل نحو 5 سنوات من الآن حيث بدأت الدولة المصرية تكثيف جهودها لإعادة إحياء التعاون مع القارة ، لتدب الحياة مجدداً فى شرايينها التى كادت تصاب بالجفاف وتعود القاهرة قولاً وعملاً إلى أحضان اشقائها فى أفريقيا . وإذا كنت قد تناولت هنا الدور النموذجى للرئيس ومؤسسة الرئاسة فى التوجه نحو افريقيا فإننا فى نفس الوقت نتطلع الى أدوار اخرى لمؤسسات العمل المدنى والهيئات الخاصة ومنظمات رجال الأعمال من أجل إرساء ثقافة العمل الجماعي تجاه مصر الحديثة الأفريقية فى شتى المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفنية. لمزيد من مقالات ◀ د. حسن راتب