تتسلم مصر خلال أيام رئاسة الاتحاد الإفريقى لعام مقبل. وستكون الرئاسة المصرية للاتحاد إيذانا رسميا وعمليا بزوال نغمة «غياب مصر عن إفريقيا»، إذ ستكون الدبلوماسية المصرية من الآن فصاعدا أقرب من أى وقت مضى إلى القارة، وستكون مصر عامة فى قلب إفريقيا، وفى مركز القيادة، كما ستكون إفريقيا نفسها فى قلب مصر، وعلى رأس أولويات سياستها الخارجية. ومن أبرز التقارير والأبحاث التى رصدت موضوع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، التقرير الذى أصدره أخيرا المركز المصرى المستقل للفكر والدراسات الاستراتيجية. فقد تناول المركز فى تقريره الذى حمل عنوان «رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى .. فرص وتحديات فى بيئة متغيرة» أبرز الموضوعات المدرجة على جدول أعمال الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقى خلال 2019، والتحديات التى تواجه هذه الرئاسة، والتوقعات العامة لما يمكن أن تسفر عنه رئاسة مصر من نتائج على المدى القريب والبعيد. وأشار تقرير المركز البحثي، الذى يتولى إدارته الدكتور خالد عكاشة، ويشغل منصب المستشار الأكاديمى له الدكتور عبد المنعم سعيد، إلى أن الرئاسة المصرية لإفريقيا تأتى فى ظل سياقات إفريقية متغيرة، بما يطرح العديد من الفرص والتحديات. ويحدد التقرير عددا من الفرص وراء رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى العام الحالي، والتى يمكن استثمارها بما يعود بالنفع على مصر وإفريقيا، ومن أبرزها : أولا : قيادة مصر مرحلة جديدة من تطوير العمل الإفريقى المشترك، بقوة دافعة لتطوير التكامل القاري، من خلال مواصلة جهود إصلاح الاتحاد الإفريقي، بما يعزز حوكمة الدول الأعضاء للاتحاد، وبما يجعل مفوضية الاتحاد أكثر قدرة على تقديم العون اللازم للدول الأعضاء، بغرض تحقيق أهداف أجندة 2063 الإنمائية، كما ستسعى مصر إلى تعزيز آليات عمل لجنة المندوبين الدائمين المنظمة القارية من قرارات وسياسات. ثانيا : دعم العلاقات العربية - الأفريقية، نظرا لاحتلال الدائرتين صدارة اهتمام السياسة الخارجية المصرية، وفى هذا الشأن، تتزامن القمة العربية - الإفريقية الخامسة المزمع عقدها فى الرياض مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى لتشكل فرصة تاريخية لتطوير العلاقات العربية - الإفريقية من خلال استثمار العلاقة الاستراتيجية التى تجمع مصر والسعودية أبدت العديد من الأطراف الدولية المهمة رغبتها فى تطوير علاقاتها بالقارة الإفريقية مع الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي. ثالثا : تطوير العلاقات داخل القارة الإفريقية، كوحدة واحدة داعمة لتوجهات العالم النامي، على المستوى الاقتصادى والسياسى والأمني، فى جميع المحافل الدولية، وقد أبدت الصين منذ وقت مبكر ترحيبها بالرئاسة المصرية للاتحاد، وتطلعها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المشتركة لكل من الصين وإفريقيا، كما أبدت العديد من الأطراف الدولية المهمة رغبتها فى تطوير علاقاتها بالقارة الإفريقية فى ظل الرئاسة المصرية، من بينها روسيا التى تعتزم عقد أول قمة روسية إفريقية، وكذلك فرنسا التى سبقت تزامن زيارة رئيسها إيمانويل ماكرون للقاهرة تسلم مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، ويتوازى ذلك مع الحرص المصرى على إقامة علاقات إيجابية متوازنة مع مختلف الأطراف، فى إطار تعاون الجنوب الجنوب، وتجنب تقسيم دول القارة الإفريقية، بما يدعم مباديء السياسة الخارجية المصرية من احترام وحدة الدولة وسيادتها، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول إلا فى إطار منظومة القانون الدولي، وفتح الأسواق الإفريقية لبعضها بعضا، من خلال استكمال اتفاقيات ثنائية، وإقليمية بدأ العمل بها بالفعل. رابعا : تعزيز الاستراتيجية المصرية للتنمية الشاملة فى إفريقيا، فى ظل ما تعانى منه القارة الإفريقية من حاجة للدعم الدولى لمسيرة التنمية، عن طريق الاستفادة من الخبرة المصرية المكتسبة فى تحقيق التنمية فى السنوات الخمس الماضية، وذلك من خلال تشابك الخبرات الاقتصادية المصرية مع القوى الكبرى، والمؤسسات المالية الدولية، لحشد الموارد المالية والاستثمارات والدعم الفنى للقارة على النحو الذى بدأ بالفعل من خلال المشاركة الفعالة فى منتدى الصين - أفريقيا، ومنتدى روسيا إفريقيا، ومنتدى ألمانيا إفريقيا، والمنتدى الأوروبى الأفريقى فى عام 2018، والتى يمكن أن تتسارع وتيرتها خلال الشهور المقبلة مع تعدد الشركاء الدوليين من الدول الكبرى والمنظمات الدولية التى يمكن التعويل عليها فى هذا الشأن. خامسا : التوافق الإفريقى حول القضايا الأمنية الرئيسية، وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب، حيث انخرطت مصر فى تقديم الدعم المباشر للدول الإفريقية فى مواجهة التحديات الأمنية عبر تدريب وتأهيل الجيوش الوطنية، على غرار ما تقوم به مصر مع دول G5 فى الساحل الإفريقى : موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، النيجر، تشاد، وما أعلن عنه أخيرا مع جنوب السودان، وحصول العسكريين الأفارقة على زمالة أكاديمية ناصر العسكرية العليا، والتدريب المتاح فى مركز القاهرة لتسوية المنازعات وحفظ السلام فى إفريقيا، وتدريب الدبلوماسيين الأفارقة فى معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية المصرية، ويأتى هذا الإجراء لضمان احتواء التهديدات الأمنية المختلفة على المستوى الإقليمى بما لا يفتح الباب للتدخلات الأجنبية، بالإضافة إلى مشاركة القوات المصرية ضمن مهمات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى أكثر من دولة إفريقية. سادسا : البناء على الموروث التاريخى الإيجابى الذى ترسخ فى فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر وتقدير الدول الإفريقية لجهود مصر حينذاك فى دعم حركات التحرر الوطنى الإفريقى. تحديات متوقعة ومع ذلك، وعلى الرغم من تعدد الفرص المتاحة أمام مصر فى رئاستها للاتحاد الإفريقي، يظهر العديد من التحديات المتوقعة، التى يرصد التقرير أبرزها فيما يلى : أولا : محدودية القدرات المالية للاتحاد الأفريقي، حيث يعد الخلاف بشأن تمويل الاتحاد الإفريقى إحدى الإشكاليات المزمنة التى تواجه الاتحاد منذ تأسيسه، والتى تعيق تطوير العمل الإفريقى المشترك، فتقليديا، يظهر تعارض فى مواقف الدول الأكثر مساهمة، والدول الأكثر احتياجا واستفادة من إنفاق الاتحاد، وعلى الرغم من التزام مصر المتجدد بكونها واحدة من أكثر الدول مساهمة فى تحمل نفقات الاتحاد الإفريقي، فقد تحفظت على صيغة قرارات قمة كيجالى لعام 2016 بشأن تمويل الاتحاد، والتى اعتبرتها مصر متجاوزة فى بعض جوانبها للسيادة المصرية فى المجال المالي، ومؤسسة للمزيد من عدم التوازن فى تحمل الدول الأعضاء للأعباء المالية، وهو الموقف الذى تؤيده كل من الجزائر والمغرب ونيجيريا وجنوب إفريقيا، والتى تشكل مع مصر الدول الأكثر مشاركة فى تحمل الأعباء المالية للاتحاد. ثانيا : تصاعد حدة المنافسة بين عدد من الأقطاب القارية، حيث ينذر العديد من العوامل بتصاعد حدة المنافسة بين عدد من الدول الإفريقية ذات الثقل والتأثير، سعيا من كل منها لممارسة دور أكبر داخل الاتحاد، فقد اجتمع عدد من العوامل الظرفية لتفتح الباب أمام بعض اللاعبين الذين عادوا مثل المغرب، والقدامى مثل إثيوبيا، للسعى لتوسيع دائرة نفوذها فى المنظمة القارية، فعودة المغرب للساحة الإفريقية قد تؤدى لإيجاد مناخ من المنافسة التقليدية مع الجزائر، وفى المقابل، تنتهج إثيوبيا سياسة خارجية نشيطة تستهدف إعادتها إلى ممارسة دور صانع السلام الإقليمى والقاري، بما يتيح لها المزيد من التأثير السياسى فى دوائر جوارها المختلفة فى القرن الإفريقى وحوض النيل، على النحو الذى تجسد فى قضية الخلاف المصرى الإثيوبى بشأن سد النهضة. ثالثا : تصاعد حدة التدخلات الخارجية فى أفريقيا، بعد أن أصبحت ظاهرة القواعد العسكرية الأجنبية فى إفريقيا أكثر انتشارا، خصوصا فى البحر الأحمر والقرن الإفريقي، والساحل الأفريقي، وهذه الظاهرة يصاحبها استمرار سعى مختلف اللاعبين الدوليين للتأثير على القرارات الإفريقية سياسيا واقتصاديا عبر حزمة من وسائل الإغراء والضغط تكون محصلتها غالبا قرارات لا تضع المصالح الإفريقية فى أولوياتها، مما سيضع أمام مصر تحديا جديدا يتعلق بمواجهة أنماط مستحدثة من التدخلات الخارجية تحتم مواجهتها قدرة مصر على تشكيل موقف إفريقى موحد قادر على الحفاظ على استقلال القرار الأفريقى أمام تحديات المستقبل. بسرعة تأسس الاتحاد الإفريقى بصورته الحديثة فى 9 يوليو 2002، ليخلف منظمة الوحدة الإفريقية التى تأسست 1963 ب32 دولة. تتخذ أبرز قرارات الاتحاد فى اجتماع نصف سنوى لرؤساء الدول والحكومات من خلال «الجمعية العامة». العاصمة الإثيوبية أديس أبابا هى مقر الأمانة العامة للاتحاد، وتقام اجتماعات لهيئات أخرى بالاتحاد فى عواصم إفريقية متنوعة. أبرز منظمات الاتحاد الإفريقى هى برلمان عموم أفريقيا، والجمعية العامة، ومجلس السلم والأمن. يتولى منصب رئيس المفوضية الأفريقية الآن : موسى فكي. أجندة 2063 التى يعمل عليها الاتحاد هى إطار عمل استراتيجى للتحول الاقتصادى الاجتماعى للقارة على مدى الأعوام الخمسين عاما المقبلة، وهدفها التسريع فى تنفيذ مبادرات النمو والتنمية القارية المستدامة، ومن بينها خطة عمل لاجوس، ومعاهدة أبوجا، والمشاركة الجديدة لتنمية أفريقيا «النيباد».