بعد أكثر من 250 يوما دون حكومة فى لبنان، تعود الحكومة أخيرا لتبصر النور، وتطوى صفحة من الخلافات والتراشقات السياسية بين مختلف الأحزاب والطوائف. مسار طويل ومخاض عسير وشاق خاضه سعد الحريرى رئيس الحكومة اللبنانية من أجل تشكيل هذه الحكومة، فبعد تسميته رئيسا للحكومة فى 24 مايو الماضى بعد الانتخابات النيابية وموافقة رئيس الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب اللبنانى بموافقة 111 نائبا وامتناع 17 نائبا، خاض سعد الحريرى ماراثونا طويلا من أجل حلحلة العقد والعقبات التى تواجه تشكيل الحكومة. مر تشكيل الحكومة اللبنانية بالكثير من العقبات، وكان الحريرى يمد حبال الصبر طويلا حتى لا يفشل فى مهمته ويتفرغ لبنان لما هو أهم من التشكيل وهو الوضع الاقتصادى المأزوم والبدء فى تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر الذى وضع خطة لخروج لبنان من أزمته الاقتصادية. لم يكد يمر شهر بعد تسمية الحريرى رئيسا للوزراء على قرب تشكيل الحكومة حتى خرجت العقدة المسيحية - المسيحية الكامنة، بين التيار الوطنى الحر برئاسة جبران باسيل وزير الخارجية وصهر رئيس الجمهورية وبين سمير جعجع رئيس القوات اللبنانية، وذلك بشأن الحقائب الوزارية حيث طالبت القوات بحصة أكبر كونها فازت بخمسة عشر نائبا وعليه تطالب بحصتها من الحكومة، وظل التلاسن بينها طويلا، إلى أن تم تفكيك هذه العقدة، وما إن تهيأ الحريرى فى أكتوبر الماضى بإعلان تشكيل الحكومة حتى تظهر عقدة هى الأصعب والأعنف، وهى عقدة تمثيل النواب السنة الستة، وهم النواب المقربون من حزب الله، أو ما يطلق عليهم بالنواب الستة المستقلين. خلال تلك الأشهر الماضية خرجت تصريحات من الحريرى وميشال عون و بعض الوزراء المحسوبين عليهم بقرب تشكيل الحكومة، لعل أشهرها أنه سيتم الإعلان عنها قبل انعقاد دورة الأممالمتحدة، ثم إنها ستخرج للنور قبل نهاية العام، ثم لاحقا قبل انعقاد القمة العربية الاقتصادية ببيروت، لكن كل هذه الوعود والتصريحات تكسرت على صخرة الخلافات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين. طيلة الأشهر الماضية من أكتوبر حتى مساء 31 يناير الماضي، والحريرى يحاول عبر وساطات عدة حلحلة هذه العقدة، فقبل أيام من الإعلان كانت هناك جولة باريسية جمعت الحريرى وجبران باسيل ثم الحريرى وسمير جعجع للإعلان النهائى عن الحكومة. لكن كلمة السر كانت نبيه بري، فطيلة الحديث عن قرب تشكيل الحكومة لم يحدد نبيه برى أى موعد محدد لتشكيل الحكومة إلا قبل الاعلان عنها بأسبوع واحد، وتحديدا يوم 23 يناير، حيث صرح بعد لقائه الحريرى بأن الحكومة بنهاية الأسبوع وبالفعل فمساء الخميس الماضى تم اعلان الحكومة. لم يحمل إعلان تشكيل الحكومة أى مفاجآت فى الأوزان النسبية للأحزاب والطوائف، لكنه حمل مفاجآت فى الأسماء والوزارات، لعل أبرزها هو تسمية امرأة وزيرة للداخلية لأول مرة فى تاريخ لبنان والوطن العربى وهى ريا الحسن التى حملت حقيبة الاتصالات فى وزارة الحريرى الأولى عام 2009، أيضا وزارة الطاقة حملتها سيدة وهى ندى البستانى فى ظل الصراع اللبنانى الاسرائيلى على الغاز فى شرق المتوسط وبدء كونسرتيوم عالمى للتنقيب فى حقول غاز لبنان، كذلك توزير مى شدياق التى تعرضت لمحاولة اغتيال منذ سنوات لمعارضتها الوجود السوري، حيث كان واضحا أن هناك رغبة من القوات اللبنانية لوجودها ضمن التشكيل اللبناني، فخلال الأشهر الماضية كان يتم تسريب اسمها، مرة كوزيرة للثقافة واخرى لحقيبة الإعلام، إلى أن تم تسميتها وزيرة دولة لشئون التنمية الادارية. ومن مفارقات التشكيل كان اختفاء حقيبة مكافحة الفساد التى كانت موجودة فى الحكومة السابقة، ليتندر اللبنانيون على ذلك، بأن عدم وجود وزارة لمكافحة الفساد، أنه تم القضاء عليه فى عهد الحكومة السابقة.