مات عارف سعد الدين, وصدق إحساسى وليته ما صدق بأنه لن يعيش طويلاً فى زمن كزماننا. دائماً, وكلما رأيت طلعته أمامى وأنا فى طريقى إلى مكتبه بالأهرام الذى كان يشبه "بيت العيلة" كنت أشعر أنه "إبن موت" يحب لقاء الله فأحب الله لقاءه, وهو لم يكن معنا كثيراً, فروحه كانت وكأنها تسبح هناك مع عالم آخر, عالم أختفى من حياتنا تلك التى نعيشها.. لو عرفت عارف ودققت فى عينيه, ودخلت فى عقله, وتحسست روحه وتوقفت عند كلماته.. لقاءه وكرمه.. عطفه وقلقه على كل من حوله.. لو مسكت بتلابيب مشاعر الأطفال التى تستحوذ عليه لتأكدت أنه لم يكن معنا وأنه كان "إبن موت" عارف سعد الدين كان "طينة" أخرى باتت نادرة من زمن الرجولة والشهامة, والتضحية وإمتلاك تفاصيل الضميرالإنسانى.. كان كتلة من المشاعر التى تحترق يوماً بعد يوم فى زمن إهدار القيمة, والتجاوزات المعيبة فى حق كل صاحب حق. كان يعشق عمله حتى لوكان فيه فناءه, ويذوب فى "أهرامه" مهما تناولته الألسن, لم يحمل فى قلبه غُصُة من متطاولين, ولم يُعكر صفاء قلبه حقد حاقدين, أما مساعدة زملاءه والخوف عليهم فكانت دستوره الإنسانى داخل مؤسساتنا. كان ينظر إلى دنيانا من علياء ومضات إحساسه الدائم بأنه سيلاقى ربه قريباً لينظر إلى تلك الدنيا الزائفة من هناك وعلى وجهه نفس الإبتسامة البريئة الطفولية التى كانت تخرج من فاهه لحظات صفائه معى, مهدداً لى أننى "لو لم أشرب الشاى غصب عنى سيبلغ الحكومة فوراً" ! أشعر أنه معى الآن ينظر إلى ويقول لى هل تتذكر هذا "الكيبورد" الذى تكتب رثائى من عليه: إنه نفسه الذى أعددته لك ووضعت حروفه العربية عليه, وهل تتذكر برامج هذا الجهاز الذى تحمله الآن, كم أتعبتنى في تحميلها.. أراه يقول لى: يا صديقى أنا لا أخاف لقاء الله لأنه كان وسيبقى دائماً هو الأرحم بى, والأقرب إلى نفسى من كل الدنيا وما عليها, أما أنت فمن سيصلح لك جهازك.. ومن يلقاك بإبتسامتى التى تفتح لك الأبواب يوم الثلاثاء لتقول لى "عندكم صفحة النهاردة" عارف يقول لى: يا أخى لا تحزن من أجلى ولن أخرج من الصورة فاليوم أنا شهيد, أكرمك الله مثلى! المزيد من مقالات حسين الزناتى