ما أبدع أن تطرح الجامعة فى إطار معركتها التنويرية قضية تطوير العقل المصرى باعتبارها تعد أخطر القضايا المؤرقة فى إثراء الوعى المجتمعى واستعادة الروح الثقافية بكل ما حملت من زخم فكرى وتجربة تاريخية حية يمكن أن تحقق دافعية نحو المشاركة فى البانوراما الحضارية المعاصرة. وليس هناك من قضية يمكن أن تسوق طوفانا من التساؤلات كمحاولة الخوض فى مسائل وإشكاليات هذا العقل من حيث بنيته ومساراته الأفقية والرأسية وتاريخه المكتنز بالمآثر، وحاضره المتراجع الباعث على ضرورة إنهاضه وتجديده وتحديثه تحت مظلة التيارات المعرفية المطوقة للوعى الإنسانى المعاصر. إن منطلقات الجامعة فى إصلاح العقل المصرى قد تمثلت فى ضرورة تغيير طريقة التفكير باعتبارها ثابتة فى جوهرها عبر عصور مختلفة إلا فى استثناءات قليلة، وان السبيل إلى إقالة هذا العقل من عثراته إنما يبدأ بتطوير العقل الدينى الذى ينبثق عنه خطاب دينى مستنير يستطيع سحق الفكر الإرهابى المدعوم من القوى الإمبريالية، لكن.. ما هى الإستراتيجية الفاعلة فى تغيير طرائق التفكير فى العقل المصري؟ وما هى المآخذ البارزة فى طريقة التفكير؟ وما هى كيفية التغيير والانتقال من التقليدية والرتابة الذهنية إلى آفاق التنوع والتجديد وفضاءات الخيال؟ وكيف يختلف تيار الوعى المستحوذ على العقل المصري؟ وكيف يكون أو يتميز تيار الوعى داخل هذا العقل بالثبات ومؤشرات التغير تلاحقه؟ وكيف يبرأ هذا العقل من هالات الوعى الزائف منطلقا نحو أسس المنطق وملامح الحقيقة؟ بل وكيف تتكون لهذا العقل إرادة تاريخية تتسامى به نحو الفعل الخلاق؟ وهل يمكن لهذا العقل أن يحقق صحوة تدعمه فى معترك الثقافة الإنسانية المعاصرة وسباق المختبرات الفكرية؟ إن الطابع الثقافى والفكرى العام حين يتطور يأخذ مسارا تقدميا حضاريا وتتغير خلاله تضاريس خريطة العقل المصرى عندئذ يصبح الوعى الدينى صحيحا ومصوبا ومتسقا مع روح العقيدة الإسلامية فى سموها الفكرى وانطلاقاتها المعرفية. وفى إطار هذا المتجه تتبلور لدينا كينونة ثقافية مصرية مستقلة لها ثقلها ورصانتها. تنبذ شوائب الحضارة المعاصرة وتستمسك بجميع المباديء التى أعلت من شأن العقل الغربي، وتتحرر من سطوة الفكرة القاتلة التى تستهجن التراث على كليته بينما هو يزخر بدرر فكرية وظفتها ثقافات وحضارات كثيرة. ومن ذلك يتحرك مؤشر التصاعد الضامن لوجود الرؤية وشحذ الملكة لدى العقل المصرى وتلك من أوليات التطوير. ولعل ما أفاضت به قرائح المفكرين من أمثال زكى نجيب محمود، طه حسين، آركون، عابد الجابري، مالك بن نبى وغيرهم من الذين عالجوا قضية العقل العربى والمصرى يمكن أن تمثل بؤرة مضيئة وبوصلة هادية نحو تفكيك تلك القضية فى أدق دقائقها وتعد تقدمة نحو تأسيس إستراتيجية صارمة تكون محققة بالفعل لصحوة واستفاقة بل لنقلة نوعية تعصف بكل طرق التفكير المعتلة طبيعة وزمنا، ليظل العقل المصرى رافدا مؤثرا من روافد الإبداع يؤمن بأن ممارسة النقد فضيلة ويوقن بأن الأسئلة ستظل هى محركات الفكر. لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبو العلا