إذا كان الأمن الداخلي في جوهره هو تحقق الشعور والإحساس بالأمان والطمأنينة والكرامة علي الأنفس والأموال والحقوق, فيصبح من نافلة الكلام القول بأنه يعتبر أحد أهم الأركان الأساسية لمنظومة الأمن القومي. في مصر, خاصة منذ نحو عقدين من الزمان أو قبلهما بقليل, والأوضاع الأمنية تسير نحو التدهور والانفلات الذي يرجع بصفة عامة في جانب كبير منه الي تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وغياب الرؤية الشاملة والتخطيط السليم والإدارة الحديثة, والي إصابة عديد من أجهزة الشرطة في عهد النظام السابق, من جانب آخر, بالتخلف والضعف وفتور الإرادة وقصور الهمة رغم تنبيه وجهود البعض من أبنائها ومخلصيها وبناء علي ماسبق, فانه يصبح من الخطأ والخطر معا النظر الي الوضع الأمني الآن ومعالجته علي أنه انفلات وقتي فرضته تداعيات الثورة الشعبية في 25 يناير 2011 وبمناسبة الحوار الحقيقي الدائر الآن حول وحدة بنيان ونسيج الشعب المصري. والجهود المبذولة لاصلاح أو تطوير أجهزة الشرطة, وبعيدا عن اقتراح حلول مؤقتة, ومن موقع التقدير البالغ لهذه الهيئة ولأبنائها فإنني أعرض النقاط التالية لعلها تحقق بعض الفوائد: 1 بعد تخبط العقيدة النظامية للشرطة كما تبلورت في شعارها المعلن, فقد آن الأوان لكي نرتكز علي الثوابت الفكرية والدستورية التي توجب أن يكون الشعار الشرطة في خدمة الشعب بالقانون. فاذا كانت السيادة للشعب وهو مصدرها فإنها لاتمارس إلا عن طريق القانون. ويقتضي ماسبق ألا يقبل بحال من الأحوال التعلل بعدم تفعيل بعض القوانين واللوائح أو الاستهانة بها. 2 بعد تجاوز جهاز أمن الدولة السابق للكثير من مهامه, فقد آن الأوان لكي يمثل جهاز الأمن الوطني بوزارة مستقلة نظرا للطبيعة الخاصة لعمله ومنعا لتعدد الجهات الآمرة والموجهة لنشاطه والتي سوف تخضع في هذه الحالة لإشراف رئيس مجلس الوزراء من ناحية ولرقابة مجلس الشعب من ناحية أخري. 3 وإذا كانت التمددات الشرطية في جميع الأنشطة العامة والخاصة قد أدت الي عدم قدرة هيئتها علي القيام السليم ليس فقط بواجبها الأساسي في توفير الأمن للوطن والمواطنين وإنما باختصاصاتها المضافة أيضا, فإن الأمر يقتضي النظر في فصل العديد من هذه الاختصاصات أو أجزاء منها عن الشرطة وإعادتها الي وزاراتها وأجهزتها المحلية, مع استمرار التعاون بينهم والتي من أمثلة شرطة; الأموال العامة, المرافق, الكهرباء, التموين, المواصلات, المطافئ, السياحه, الجوازات, الاتصالات (من الملائم أن تلحق قوائم الجوازات وكذا الاتصالات بوزارة الأمن الوطني), تنفيذ الأحكام (ويستحسن إلحاقها بالشرطة القضائية). 4 وتوفيرا لحسن وانتظام الأداء العملي والنفسي, وتحفيزا لإظهار الكفاءات والمواهب وتمكينا للتعامل السليم مع الطوارئ والأزمات, فإنني أقترح: أ تخرج جميع أفراد هيئة الشرطة, جنودا وضباطا, من معهد علمي واحد هو أكاديمية الشرطة التي يبدأ الالتحاق بها بعد الحصول علي الشهادة الإعدادية بحيث يشمل الخريجين وطبقا للرغبة والتميز: مندوب الشرطة, بعد سنتين ويحمل شهادة الثقافة العامة. أمين الشرطة, بعد أربع سنوات ويحمل شهادة الثانوية الفنية. ضابط الشرطة, بعد ست سنوات ويحمل شهادة الليسانس في علوم الشرطة. وتعطي الأكاديمية جل اهتمامها للتدريب العملي الراقي والمستمر والتخصص النوعي المبكر والإعداد البدني والثقافي السليم. ب تقسيم قوات الأمن المركزي لقسمين كل منهما له مهمة محددة مدرب عليها سلفا, قسم لمكافحة الشغب في المدن بالتجهيز الخفيف المتعارف عليه, وقسم لتأمين المناطق الصحراوية والمائية والمنشآت العامة ويجهز بما يلزم من قوات خاصة وأجهزة وأسلحة اشتباك. ج عودة نظام رجال الدورية الراجلة والمعززة بأدوات اتصال بدوريات راكبة مجهزة وذلك نظرا لعدم وجود أو كفاية أجهزة الرادار والتصوير المنتشرة في المواقع كما في البلاد المتقدمة. د إنشاء مركز علمي دائم لإدارة الأزمات الأمنية (غير غرف العمليات الطارئة) يقوم بالتنبؤ بالأزمات ويمنع نشوءها والتصرف الفوري حال ظهور بوادرها. 5 واذا كان قانون هيئة الشرطة يقرر أنها هيئة مدنية نظامية وليست عسكرية أو شبه عسكرية, ويصبح من الواجب: أ تغيير الرتب العسكرية الي مسميات وظيفية مثل مندوب,أمين,ضابط, معاون, مأمور, مفتش, مدير... وما يتبع ذلك من تغيير الزي العسكري وعلامات الرتب الي زي عملي بعلامات نسيجية مميزة للوظائف المختلفة. ب إنهاء نظام الاستعانة بفوائض مجندي القوات المسلحة للعمل بالأمن المركزي وغيره من الوحدات الشرطية. 6 ضرورة قيام وزارة الداخلية ببناء إستراتيجية واضحة للغايات المرجوة والأهداف المحددة والسياسات المفصلة والخطط المبرمجة- في المدي القصيرة والمتوسطة والطويلة- بحيث يقوم علي بنائها وإدارتها متخصصون ذوو رؤية مستقبلية وإدارة حديثة وعلم وخبرة. 7 أهمية دراسة أن تمثل المحافظات في مجلس الشوري في حالة الإبقاء عليه بعدد متساو من الأعضاء لكل محافظة بحيث لا تستأثر المحافظات الكبيرة القريبة من دلتا النيل عند التصويت علي القرارات بجل المشروعات الخدمية والتنموية علي حساب تلك الأقل حجما أو كثافة أو الأبعد مسافة أو خطا, بحيث لاتكون هناك فرصة للشعور بالتهميش أو حتي بالغربة و الانعزال.