كثيرة هى الأعياد والمناسبات التى يحتفل بها المصريون كل عام. كل عيد منها يكون مناسبة لتذكر ما حدث فى ذلك اليوم على نحو ما يحدث مثلا مع عيد انتصار أكتوبر وعيد الشرطة وتحرير سيناء وثورة يوليو..إلخ، ولدينا كذلك أعياد أخرى نتوقف فيها عند المعنى والدلالة والقيمة كعيد الحب وعيد الأم وعيد العلم..إلخ. وظنى، وليس كل الظن إثم، أن العالم الجليل الدكتور أسامة الأزهرى أراد بمبادرته أسبوع الوطن أن يكون عيدا ينضم لأعياد الفئة الأخيرة، أو هكذا أتمنى وأدعو أن يكون، عيدا للوطن كل عام نتفق على موعده ولتكن المبادرة هى البداية. والحقيقة أن تلك الدعوة لا تعنى أن ثمة مشكلة أو تخوفا على علاقة المصريين بوطنهم، ولكنها تمثل رسالة لمن يشككون فى تلك العلاقة ويعتبرون الوطن مجرد حفنة تراب. فالثابت أن فكرة حب الوطن والدفاع عنه بالغالى والنفيس لم تغب يوما عن عقيدة المصريين. ودائما ما ظهرت تلك الفكرة بجلاء مع تعرض الوطن لأخطار أيا كانت تلك الأخطار. فحب مصر لدى شعبها كالمارد يخرج من مكمنه إذا تعرض الوطن للخطر، ودائما ما كان ذلك المارد قادرا على دحر تلك المخاطر مهما يطُل الزمن ومهما يتوهم البعض أن الخطر قد تمكن من مصر وأهلها. تاريخ مصر والمصريين عبر آلاف السنين به من الأدلة ما يجعل من ترهات البعض بشأن إمكانية نيلهم من مصر ضربا من الخيال. ولم يحدث يوما عبر ذلك التاريخ الطويل أن نجا من تطاول على مصر وشعبها من عقاب المصريين، ولم يحدث أن تمكن أحد من الاحتفاظ بما سلبه من المصريين فى لحظة ما. وآخر من يقف فى طابور الواهمين هم الإخوان ومن يدور فى فلكهم. فمنذ نجحوا - فى غفلة - فى الانقضاض على عرش مصر مستغلين تداعيات ما حدث فى يناير 2011 تملكهم الوهم بأنهم قد نجحوا فى السيطرة على مصر والانقضاض على شعبها وأنهم امتلكوا زمام قيادته إلى حيث يريدون. حاول الكثيرون من أصحاب العقل والحكمة أن يقنعوا الجماعة بأن مصر أكبر منها بكثير وأن مصر كانت عصية على مدى تاريخها على كل من حاولوا اقتيادها عنوة والعبث بتاريخها وحضارتها. شهوة الانتصار الزائف الذى حققته الجماعة حالت بينها وبين الاستماع إلى صوت العقل ودروس التاريخ. وهنا كان من المنطقى أن يتدخل الشعب صاحب السيادة ليلقن الجماعة الدرس، فكانت ثورة 30 يونيو. ومرة أخرى ما زالت الجماعة ترفض الاعتراف بالخطأ وتحاول أن تثبت لدراويشها أنها كانت وما زالت على الطريق الصحيح بينما تقودهم فى رقصة الموت الأخيرة بمحاولتها العبث بعقيدة المصريين فى حب وطنهم والدفاع عنه. فالجماعة تحاول عبر ميليشياتها الإليكترونية وأعضائها على الأرض أن تسخر من فكرة الوطن والتمسك به والاستشهاد من أجله بعدما حولوا وبقية الجماعات المتطرفة والإرهابية الوطن إلى وثنية معتبرين الأوطان نوعا من الأصنام لابد من هدمها. إذ كشف المؤشر العالمى للفتوى بدار الإفتاء أن 100% من فتاوى الجماعات الإرهابية منها تدعو إلى تخريب البلاد، وتشدد على انعدام وإزالة الهوية الوطنية لأتباعها، مؤثرة مصلحة الأفراد على الأوطان. وفيما يتعلق بالإخوان، فإن «95%» من فتاواهم ترى أن كل تصور للوطن بعيدا عن فكر الجماعة تصور جاهلى لا يعرفه الإسلام. أما داعش فتروج لأتباعها شعارات من قبيل الوطنية وثنية وجاهلية عليكم أن تهجروها إلى دولة الخلافة، لا شك أن دعوة القومية والوطنية دعوة إلى غير الإسلام، فى تماهٍ واضح مع تصور منظر الإخوان سيد قطب حين قال: إن راية المسلم التى يحامى عنها هى عقيدته، ووطنه الذى يجاهد من أجله هو البلد الذى تقام فيه شريعة الله، وأرضه التى يدافع عنها هى دار الإسلام التى تتخذ المنهج الإسلامى منهجا للحياة، وكل تصور آخر للوطن هو تصور غير إسلامى تنضح به الجاهليات ولا يعرفه الإسلام. هذا ما تؤمن به الجماعات الإرهابية، فشهوتهم للسلطة مبرر كاف لهم لتحويل حب الوطن إلى كفر وإصرارهم على وضع الدين فى مواجهة الوطن وكأنهما متضادان وينفى كل منها الآخر! والمشكلة فى استدعاء الدين بديلا للوطنية كما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل: إن الدين ملكوت إلهى واسع ليست له حدود وطن أو تخوم أمة. ولأن المكان لم يعد محدداً، فإن الزمان تاه فى الفوضى! أما المصريون فيؤمنون أن حبهم للوطن جزء من التزامهم بدينهم الإسلامى الحنيف وهدى الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» فى حديثه الشريف: مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومَن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومَن قُتل دون أرضه فهو شهيد. حب الوطن لدى المصريين لم يكن يوما موضعا محتملا للتساؤل بشأنه. إنه كما يقال من طبيعة الأشياء. فقط الجماعات الإرهابية هى من جعل من حب الأوطان موضعا للتساؤل فى محاولة لخلخة مكانة الوطن فى نفوس المصريين. فاعتقادى أن أحدا من المصريين لم يدر بخلده يوما أن يسأل عما إذا كان يحب وطنه أم لا ولماذا يحبه، تماما كما أنه ليس من المنطقى أن يسأل شخص عما إذا كان يحب أمه أم لا ولماذا. وهنا أستدعى المشهد الرائع فى فيلم مافيا حينما سأل حسين فهمى أحمد السقا عما إذا كان يحب أمه أم لا، فاستغرب مجيبا: طبعا بحبها, فلما قال له لماذا تحبها، قال باختصار: لأنها أمى، وهنا قال له حسين فهمى إذن تحبها لأنها أمك وليس لأنها أجمل امرأة فى العالم، وهنا فهم السقا أن حب مصر لا يسأل عنه ولا يقارن الوطن بأماكن أخرى حتى وإن كانت أجمل وأغنى. عيد للوطن سنويا سيكون دعوة لتأمل معنى الوطن وماذا حققنا له وماذا نسعى لتحقيقه له، وهو بهذا المعنى لن يكون يوما لإجازة ولكن دعوة للعمل من أجل الوطن. وأخيرا وبعيدا عن كارهى الوطن، فلنملأ قلوبنا جميعا بترانيم الوطن والسلام له وللإنسانية فمصر كما قال البابا شنودة ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا. لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة