صوت المواطن كلمة الحسم فى صندوق الوطن    وزير الداخلية يأذن ل 22 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    انتخابات مجلس النواب وحلم الديمقراطية!    محافظ بني سويف: حياد تام وتيسيرات شاملة في انتخابات مجلس النواب 2025    تقديرًا لأمانته.. مدرسة بقنا تكرم تلميذًا أعاد «انسيال ذهب» لمعلمته    سعر جرام الذهب صباح اليوم فى مصر    بورصة أسعار السمك والمأكولات البحرية الشعبية بأسواق الإسكندرية اليوم 9 نوفمبر 2025    ينطلق اليوم برعاية السيسي.. كل ما تريد معرفته عن معرض النقل الذكي واللوجستيات والصناعة    باستثمارات قطرية وإماراتية: الساحل الشمالى الغربى «ريفيرا مصر»    رئيس منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول «أوابك» ل«روزاليوسف»: مصر والسعودية فى صدارة الدول الرائدة فى الهيدروجين الأخضر    طريقة إضافة الزوجة والأبناء على بطاقة التموين عبر الإنترنت بخطوات سهلة من المنزل    42 مليون أمريكى لا يجدون قوت يومهم    انقلاب فى نيويورك    صدق أو لا تصدق الجولانى يكافح الإرهاب!    الأمم المتحدة: أزمة نزوح غير مسبوقة في السودان.. وتصاعد العنف في الفاشر    الهلال الأحمر يدفع ب 280 ألف سلة غذائية ومستلزمات إغاثية عبر قافلة «زاد العزة» ال 68 إلى غزة    غارة من مسيرة إسرائيلية على محيط بلدة الصوانة جنوبي لبنان    اختطاف ثلاثة مصريين على يد تنظيم القاعدة في مالي    الخارجية الروسية: موسكو لن تنجر وراء استفزازات بروكسل في قضية التأشيرات    نهائي السوبر المصري| الأهلي والزمالك.. مواجهة نارية لتأكيد التفوق والثأر    مواعيد مباريات اليوم.. قمة مان سيتي مع ليفربول ورايو فاليكانو أمام الريال ونهائي السوبر المصري بين الأهلي والزمالك    عمرو الحديدي: الأهلي يفتقد إمام عاشور قبل نهائي السوبر    معسكر الزمالك للسوبر.. هدوء وتركيز وجلسات تحفيزية للمدير الفني    الحبس 6 شهور لعاطل بتهمة التسول في روض الفرج    التعليم تحدد موعد انطلاق امتحان نصف العام لصفوف النقل والشهادة الإعدادية .. اعرف التفاصيل    استكمال محاكمة المتهمين بقتل طفل شبرا الخيمة فى قضية الدارك ويب اليوم بعد قبول استئنافهم    «الأرصاد»: طقس اليوم خريفي مائل للبرودة.. والعظمى بالقاهرة 28 درجة    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    جامعة الدول العربية تكرم مدحت وهبة المستشار الإعلامي لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان تقديرا لجهوده    نقيب الموسيقيين يكشف تطورات الحالة الصحية ل إسماعيل الليثي: بين أيادي الله    لأول مرة فى تاريخ ألمانيا.. تامر حسنى يشعل الاجواء فى ستاد يايلا أرينا الألمانى بحضور 30 ألف شخص    «المتحف الكبير» وسر فرحة المصريين    «المتحف المصرى الكبير» أقوى من «الجاهلية»    القاهرة السينمائى يحلق بكبرياء على جناحى اتفاق السلام والمتحف الكبير    الأرشيف والمكتبة الوطنية يستعرض نتائج الدراسة المسحية لواقع المكتبات في الإمارات ومدى تبنيها للذكاء الاصطناعي    شعلة حب لا تنطفئ.. ما هي الأبراج المتوافقة في الزواج والعلاقات العاطفية؟    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 9-11-2025 في محافظة قنا    عميد المعهد القومي للأورام: قدمنا خدمة إضافية لنحو 32 ألف مريض 2024    اختتام فعاليات مؤتمر المعهد القومي للأورام "مستقبل بلا سرطان"    «المعاهد التعليمية» تدخل أحدث طرق علاج السكتة الدماغية بمستشفياتها    بعد مسلسل كارثة طبيعية، ما مدى أمان الحمل بسبعة توائم على الأم والأجنة؟    سر الطعم المميز.. طريقة عمل الدقوس اللذيذ يمنح الكبسة والمشويات نكهة لا تقاوم    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 نوفمبر    أحمد جعفر: تريزيجيه اكتر لاعب سيقلق دفاع الزمالك وليس زيزو وبن شرقي    صفاء أبو السعود: حفل «جراند بول» يدعم مرضى السرطان.. ويقام للمرة الأولى في مصر    إخلاء سبيل شخص وصديقه بواقعة التحرش اللفظي بسيدة فى بولاق أبو العلا    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    «إنت بتغير كلامي ليه! أنا عارف بقول إيه».. نقاش ساخن بين أحمد فتحي وخالد الغندور بسبب نجم الزمالك    عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأحد 9-11-2025 في مصر    «معي في قائمة المنتخب».. حلمي طولان يفاجئ لاعب الأهلي قبل ساعات من السوبر    كورنيليا ريختر أول أسقفة في تاريخ الكنيسة الإنجيلية بالنمسا    أرتيتا بعد التعادل مع سندرلاند: لا أريد الشكوى من أي شيء    نعكشة تاريخية (9) جنون فرنسي!    مقعد آل كينيدي!    «عدد كتب الغيب 3».. خالد الجندي: الله قد يغير في اللوح المحفوظ    أمين الفتوى: صلاة المرأة بملابس البيت صحيحة بشرط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمة شيخ الأزهر في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
نشر في الوطن يوم 22 - 12 - 2015

حصلت "الوطن" على نص كلمة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذي حضره الرئيس عبدالفتاح السيسي، وجاء فيها:
في بدايةِ كَلمتي يُسعدني أن أتقدَّمَ إليكم سيادةَ الرَّئيسِ ولشعبِ مصرَ، والأُمَّتينِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ شُعوبًا وحُكَّامًا، بأَطيبِ التَّهاني بحُلولِ ذِكرَى مَولِدِ خَيرِ النَّاسِ وأَعظَمِهم، وأَرحَمِهم وأَنبَلِهم، سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه، وعلى إِخوانِه منَ الأنبياءِ والمرسلينَ.
كما يَسُرُّني أن أَتقدَّمَ لإخوتِنا المسيحيِّينَ في مصرَ والعالَمِ كُلِّهِ: شَرقِهِ وغَربِهِ، بِأطيَبِ التَّهَانِي بذِكرى ميلادِ نَبيِّ المحبَّةِ والمودَّةِ والسَّلامِ، سيِّدِنا عيسى بنِ مَريمَ، سلامُ اللهِ وتَحيَّاتُه عليه، يَومَ وُلِدَ، ويَومَ يَموتُ، ويَومَ يُبعَثُ حَيًّا.
وإنَّهُ لَمِن بَشائرِ الخَيرِ، وعَلائمِ اليُمنِ وأَماراتِ الفَأْلِ الحَسَنِ: أَن نُوَدِّعَ عامَنا هذا، ونَستقبِلَ بعدَ أيَّامٍ مَعدوداتٍ، عامَنا الجديدَ في ظِلالِ هاتينِ المناسَبتينِ الكَريمتينِ، وما تَبعَثانِهِ في نُفوسِ المسلمينَ والمسيحيينَ مِن نَفَحاتِ الأَملِ في عامٍ جديدٍ، وغَدٍ مُشرِقٍ، حافِلٍ -بإذنِ اللهِ-بالإخاءِ، والوَلاءِ للوطنِ، وبَذلِ المزيدِ منَ الجُهدِ والعملِ والعَرَقِ، لترسيخ الاستقرارِ، وتَحقيقِ الخيرِ والنَّماءِ والتَّقَدُّمِ، والوُقوفِ في مواجَهَةِ الإرهابِ وجماعاتِ العُدوانِ المسَلَّحِ على البِلادِ والعِبادِ.
يَصعُبُ كَثيرًا، بل يَستَحيلُ، على المتَأمِّلِ في تاريخِ نَبيِّ الإسلامِ أن يُلِمَّ بسيرتِهِ العَطِرَةِ في جِلسَةٍ، أو مُحاضَرَةٍ واحدةٍ، أو يَعرِضَ لجانِبٍ واحدٍ من جَوانبِ عَظَمَتِه الإنسانيَّةِ والنَّبويَّةِ؛ وذلكَ لأنَّ حياةَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هي صورةٌ مُجَسَّدَةٌ للإنسانِ الكاملِ، والشَّخصيَّةِ العظيمةِ، في شَتَّى وُجوهِها وجَميعِ أَنحائِها، إذ تَفَرَّدَ تاريخُه صلى الله عليه وسلم بأنْ سُجِّلَ في كُتبِ التَّاريخِ والسِّيَرِ تَسجيلًا دَقيقًا، حتَّى لم تعُدْ تخفَى علينا خافيةٌ في طفولتِه أو شبابِه أو شمائلِه الخِلْقيةِ وصفاته الخُلُقيةِ، وأكادُ أقولُ: بل وكلّ حركَاتِه وسكناتِه، كلُّ ذلك سطره المؤرِّخون في أكثرَ مِن مائةِ بابٍ مِن أبوابِ السِّيرةِ والتاريخِ، سرَدُوا فيها أحوالَه، وأحصَوْا فيها أنماطَ سلوكِه وتصرُّفاتِه في العاداتِ والمعاملاتِ والعباداتِ، وهذا أمرٌ لم نعهَدْه في تاريخِ عظيمٍ مِن العظماءِ غيرِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقد كانَتْ هذه العظمةُ الواسعةُ، في هذه الشَّخصيةِ الواسعةِ، مصدرَ نورٍ وهدايةٍ للحَيارَى والتَّائهينَ، ومنبعَ قدوةٍ وأُسوةٍ لكلِّ مُستشرِفٍ لمعنًى من معاني الحقِّ والخيرِ والجمالِ.
ولقد جسَّدَتِ الذاتُ المحمَّديةُ "الأُسوةَ الصالحةَ والمنهجَ الأعلى للحياةِ الإنسانيةِ في جميعِ أطوارِها؛ لأنَّها جمَعَت بينَ الأخلاقِ العاليةِ، والعاداتِ الحسنةِ، والعواطفِ النَّبيلةِ المعتدلةِ، والنَّوازعِ العظيمةِ القويمةِ".
فالغنيُّ الثَّريُّ لا يَعدَمُ الأُسوةَ بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وهو يروحُ ويغدُو بقوافلِ التِّجارةِ بينَ الحجازِ والشامِ، والفقيرُ المُعدِمُ لا تفوتُه الأُسوةُ به صلى الله عليه وسلم بعد أن صدَعَ بأمرِ اللهِ وحَمَلَ رسالةَ الدِّينِ، وتخفَّفَ مِنَ الدُّنيا، حتَّى صحَّ مِن سيرتِه صلى الله عليه وسلم أنَّه خَرَجَ مِن الدنيا ولم يشبَعْ مِن خُبزِ الشَّعيرِ، وكذلكَ يتأسى به القائد منصرًا كان أو منهزمًا، وكذلكَ التاجرُ والعاملُ، وقُلْ مثلَ ذلك في المعلِّمِ والمتعلِّمِ والصَّغيرِ والشَّابِّ والكبيرِ والأبِ والزَّوجِ والصَّديقِ، واليتيمِ والمتألِّمِ والمهمومِ والمحزونِ والصَّحيحِ والمريضِ وغيرِهم.
فكلُّ هؤلاءِ وأمثالُهم يجِدونَ في سيرتِه صلى الله عليه وسلم القُدوةَ والأُسوةَ، أو التَّسليةَ والعَزاءَ، ويرونَ في شخصِه العظيمِ الأُنموذجَ والمثالَ.
ولا عجبَ في ذلكَ بعدَ أن اختارَه اللهُ مجمعَ الكمالاتِ الإنسانيةِ، والحقائقِ الإيمانيةِ، وقالَ فيه: "مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" {النساء: 80}، وقال: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" {آل عمران: 31}، بل قال ما هو أبعدُ مِن ذلك: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" {الفتح: 10}.
واليومَ، ونحنُ نَحتَفِلُ بمولِدِ هذا الرسولِ الكريمِ؛ نشعُرُ بأننا في أمَسِّ الحاجَةِ إلى تجديدِ حياتِنا في شَتَّى مَناحِيها: الشخصيَّةِ والاجتماعيَّةِ والإنسانيَّةِ، على هَدْيٍ مِن الأخلاقِ المحمديَّةِ، وأَن نلتَمِسَ في رياضِها عِلاجًا للأَزَماتِ التي تمرُّ بها أمتُنا العربيَّةُ والإسلاميَّةُ، وبَدَتْ سُحُبُها السَّوْداءُ تتجمَّعُ في الآفاقِ، وتُنذِرُ بأَوْخَم العواقِبِ.
ومَرَّةً أخرى: لا يَصلُحُ آخِرُ هذه الأمَّةِ إلا بما صَلَحَ به أولُها، وأولُ ما صَلَحَ به أمرُ الأمَّةِ هو تأسيسُ وَحدتِها على أساسٍ مِن الأُخوَّةِ الدينيةِ والوطنيةِ، كما هو مَسطورٌ في وثيقةِ المدينةِ المنوَّرةِ ودُستورِها.
ونحنُ نَعلَمُ أنَّ صاحِبَ هذه الذِّكرَى قد بُعِثَ في أمَّةٍ وثنيةٍ ممزقة ومُتفرِّقةٍ؛ أمةٌ مُمزقة في عقائدها، حيث اتخذَتْ كلُّ قبيلةٍ منها وَثَنًا خاصًّا تعبُدُه وتتميَّزُ به عن القبائلِ الأخرى، وأمةٌ مُتفرِّقةٌ في نِظامِها الاجتماعيِّ إلى طبقاتٍ تنظُرُ كلٌّ منها إلى الأخرى نظرةَ استعلاءٍ ممزوجٍ بالعَداءِ، وكذلك كانت مُتفرِّقةً في أمرِ حكمها ونظامِها، حيثُ لا حُكومةَ ولا قانونَ، بل عَصَبيَّةٌ قَبَليَّةٌ لا مَكانَ فيها لأُخُوَّةٍ في وطنٍ أو عَقيدةٍ أو عَيْشٍ مُشترَكٍ، اللهُمَّ إلا أُخوَّةَ القبيلةِ، وعقيدةَ الدَّمِ، ومَنطِقَ السَّطْوِ والغَلَبةِ.
هذه الأمَّةُ التائهةُ تحوَّلَتْ على يدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه بعدَ هِجرتِه للمدينةِ إلى مجتمعٍ مثاليٍّ يقتربُ مِن الجمهورياتِ المثاليَّةِ والمدنِ الفاضِلةِ التي داعَبَتْ أحلامَ الفلاسفةِ وأَخْيِلَتَهم، ومِن العجيبِ أن يَتِمَّ هذا التحوُّلُ مِنَ النَّقيضِ إلى النَّقيضِ في فترةٍ زمنيَّةٍ لم تَزِدْ على عَشْرِ سنينَ! ولم يمرَّ على هذه الأمَّةِ الوليدةِ تسعون عامًا حتى رفرفَتْ أعلامُها بالعدلِ والخيرِ والسلامِ على أقطارِ العالَمِ آنذاكَ مِن الأندلس غربًا إلى الصين شرقًا.
واليومَ، وبعدَ أن ضَعُفَتْ فيما بيننا أواصِرُ الوَحدةِ، وتقطَّعَتْ وشائِجُ الأُخوَّةِ في الدِّينِ وفي العُروبةِ، واستحكَمَتْ نَزَعاتُ العَصَبيَّةِ بين مَذاهِبَ وطوائفَ، طالما تآخَتْ على مَدَى أكثرَ مِن أربعةَ عَشَرَ قرنًا مِن الزمانِ، واستقرَّتْ على التفاهُمِ والتسامُحِ والاحترامِ المتبادَلِ، وبعد أن تنازَعْنا وصار بأسُنا بيننا، واستحَرَّ القتلُ على المذهبِ والطائفةِ والعِرْقِ؛ ليس أمامَنا -بعدَ كلِّ ذلكَ- إلَّا أن نَستَلْهِمَ سِيرةَ صاحِبِ الذِّكرى وهَدْيَه في القضاءِ على العَصَبيَّاتِ والتحزُّباتِ، والخروجِ مِن هذا المأزِقِ الذي لا ندري هل دَخَلْناهُ مُختارِينَ أو مجبورينَ، وبوَعْيٍ أو بدونِ وَعْيٍ؛ وذلكَ حتى لا يتحقَّقَ فينا الوعيد الإلهيُّ، في قولِه تعالى: "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" {الأنفال: 46}.
وقولهِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الشَّريفِ: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا" قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ". قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".
وانظُرُوا حَضَراتُكُم إلى هَذا التَّصويرِ النَّبويِّ الَّذي يَنطَبِقُ تَمامَ الانطِباقِ على أوضَاعِنا الرَّاهنةِ اليَومَ، فهُناكَ قَصعَةٌ فِيهَا طَعامٌ شَهيٌّ، وهُناكَ جائِعونَ مُتربِّصونَ بهذهِ القَصعَةِ، يَدعُو بَعضُهُم بَعضًا للانقِضَاضِ عليها واقتِسَامِهَا فِيمَا بَينَهُم. ولَو أنَّكَ تَرجَمتَ قَصعَةَ الطَّعامِ في الحديث الشريف بثَرَواتِ العربِ والمسلمينَ المادِّيةِ والفِكريَّةِ والبشريَّةِ لانطَبَقَت الصُّورةُ على واقِعِنا الآنَ تَمامَ الانطِبَاقِ.
نَعَم لَيسَ أمَامَنَا الآنَ إلَّا أَنْ نَقِفَ إلى جِوارِ دَعَواتِ الوَحْدَةِ والاتحادِ والتَّحالُفِ، وإلا أَنْ نَدعَمَها ونُؤازِرَها، فَهِيَ وَحْدَها -بعدَ اللهِ تَعَالى-الكَفِيلَةُ بإنقَاذِ أُمَّتِنا مِنْ أَزَمَاتِها الخانِقَةِ، هذهِ الأُمَّةُ التي يتوفَّرُ لهَا مِنْ مُقَوِّمَاتِ التَّحَالُفِ والاتحادِ ومصادرِ القوَّةِ ما لَمْ يتوفَّرْ لغيرها مِنْ دُوَلٍ اتَّحدتْ رَغْمَ تبايناتِ اللُّغَةِ والعِرقِ والمذهَبِ والطَّائفةِ، ولعلَّ مِنْ نَفَحاتِ صاحِبِ هذهِ الذِّكرى مَا أَلهمَ اللهُ بِهِ قَادَةَ العَرَبِ والمسلمينَ، وجمَعَ عَلَيهِ قُلُوبَهم مِنْ إعلانِ التَّحالُفِ الإسلاميِّ العَسكريِّ للتَّصَدي للإرهَابِ ولجَمَاعَاتِ العدوان المسلَّح، ونحنُ وإِنْ كُنَّا في الأزهرِ-سِيَادَةَ الرَّئيسِ- نُؤمنُ بضَرُورةِ التَّصَدِّي العَسكَريِّ والأمني لهذا الوَباءِ الَّذي ابتُلِيَت بِهِ الأُمَّةُ، ونُرَحِّبُ أَوْسَعَ التَّرْحِيبِ بِهذا التَّحَالُفِ الَّذِي نَسْألُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَلَ عَلَى يَدَيْهِ نِهَايَةَ هَذا الْكَابوسِ الجَاثِمِ عَلَى صُدُورِ النَّاسِ فِي الشَّرْقِ والْغَرْبِ؛ فَإنَّ الأَزْهَرَ –إلى جانبِ ما بَذَلَه ويبذُلُه مِن جُهودٍ في هذا المجالِ- لا يمَلُّ مِن تَكرارِ نِدَائِه وَدَعْوَتِه لِتَحَالُفٍ عَرَبيٍّ إِسْلاميٍّ مِن أحرارِ العلماء والصادِقينَ مِن رِجالِ الفِكرِ، لِمُوَاجَهَةِ الإرهاب بنقض أفكاره، وتفكيك مقولاته فِي أَذْهَانِ ضَحَايَاهُ؛ لِإِيمَانِنَا بِأَنَّ العُدْوَانَ إِذا كَانَ يُواجَهُ بِالسِّلاحِ، فَإِنَّ الْفِكْرَ إِنَّما يُواجَهُ بِالحِوَارِ وَالحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ.
هذا وإنَّ الأزهر في دعوته لوحدة الأُمَّة واتِّحادها يعي جيدًا خصوصيات الأقطار العربية والإسلامية، وإنَّما يدعو إلى وحدة الأهداف العليا والمصالح المشتركة المبنية على التكامل والتشاور وتوحيد الجهود.
ولا يسعني في ختام كلمتي إلَّا أن أتذكر شهداء مصر الذين ضحَّوا بأرواحهم وأنفسهم، وقدّموا أغلى ما يمتلكون دفاعًا عن وطنهم وعن أهليهم، سائلًا المولى سبحانه أن يتقبلهم في عليا الجِنان، وأن يرزق أهلهم وذويهم الصبر والرضا بقضاء الله الذي لا رادّ لقضائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.