ليست المرة الأولى التى يعتبر معرض القاهرة الدولى للكتاب سهير القلماوى شخصية المعرض. فى دورته الأربعين أى منذ عشر سنوات. كانت سهير القلماوى شخصية العام. وعندما أكمل المعرض نصف قرن وأصبح من أقدم معارض الكتب فى العالم. من الطبيعى أن تعتبر رئيسة هيئة الكتاب ورئيسة المعرض الأول شخصية العام. لا يتقاسم معها دورها سوى الدكتور ثروت عكاشة. الذى كان وزيراً للثقافة وقت افتتاح المعرض الأول. رغم أن بعض الصحف نشرت صوراً للدكتور عبد القادر حاتم. الذى كان يتناوب الوزارة مع ثروت عكاشة، وهو يفتتح ما قالت عنه معرض القاهرة الدولى للكتاب الأول 1969. أعرف أن هناك كتاباً يوثق لتاريخ المعرض. تم إعداده بدلاً من ترك تاريخ هذا الحدث الثقافى المهم للاجتهادات الفردية. والاعتماد على الذاكرة. والذاكرة قد لا تكون دقيقة فى كثير من الأحيان. حتى موعد كتابة المقال لم يكن الكتاب متاحاً. تواصلت مع الدكتور هيثم الحاج على، رئيس هيئة الكتاب ورئيس المعرض. والذى يقف وراء كل هذا النجاح مع مجموعة من أنبل وأنبغ مساعديه ومعاونيه. وعدنى إن كان الكتاب قد طبع فعلاً فسيوفره لى. هذه الحيرة فى البحث عن بدايات المعرض. لأنه من المعروف أن النجاح له مليون أب. الكل يدعى أنه صاحبه. وأنه أول من فكر فيه. فى حين أن الفشل لقيط. ينكره أبوه وتستنكره أمه. أتذكر إسلام شلبى، وكان مسئولاً عن النشر فى الهيئة أو كما كانت تسمى: دار الكتاب العربى. وربما سافر إلى بيروت. فقد كان دينامو توزيع. وكان من أكفأ من يوصلون الكتاب إلى كل قارئ فى كل مكان من العالم. مهما يكن بعيداً. عاد إسلام شلبى من بيروت بفكرة المعرض. البعض يقول إن معرض بيروت الدولى كان يُعقد قبل معرض القاهرة. وهذا ما لست متأكداً منه. وحتى لو حدث فمن ينشرون الكتب فى بيروت أشقاء عرب. أفضالهم الثقافية علينا بلا حدود. ولا ينكرها إلا جاحد أو مغرض. تاه إسلام شلبى، من الذاكرة ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين للمعرض. صحيح أنه لم يكن وزيراً للثقافة. ولكن من عاصروا تلك الأيام يقولون إنه جاء بفكرة المعرض. ونجح فى إقناع المسئولين المصريين بأن يكون للقاهرة معرضها الدولى للكتاب. وقد كان. أين كانت سهير القلماوى؟ إن كان هناك خلاف أو اختلاف حول الوزير. هل هو ثروت عكاشة؟ أو عبد القادر حاتم؟ وهل صاحب الفكرة الأولى هو إسلام شلبى أم غيره؟ فإن سهير القلماوى، وهذا أمر مؤكد كانت رئيسة هيئة الكتاب عندما أقيم المعرض لأول مرة سنة 1969. المشكلة أن الدكتورة سهير لم تترك لنا مذكرات كتبتها فى حياتها. ولا ذكريات حكتها لأحد من الصحفيين ونشرها. حتى نجد فيها القول الفصل. مع أنه لا قول فصل فى أى قضية من القضايا. هذا ما علمه لنا زمن غياب الثوابت الذى اكتشفنا أننا نعيشه. رأيت سهير القلماوى، لأول مرة وهى تنزل من سيارة صغيرة أمام ماسبيرو. جاءت لمناقشة روايتى الأولى: الحداد. فى البرنامج الثانى فى الإذاعة. وكان أهم برنامج نسمعه ونتابعه فى الإذاعة المصرية. عندما كان الراديو سيد الأذن العربية. ولم يكن التليفزيون قد احتل ما يحتله الآن فى تجليات المخيلة المصرية والعربية. كنا نحن الثلاثة فى انتظارها: إبراهيم الصيرفى، صاحب برنامج: مع النقاد. وكاتب هذه السطور. وسامى خشبة، الناقد الشاب الذى قرأ الرواية وكتب عنها مقالاً مهماً فى جريدة الجمهورية. حيث كان يكتب فى ذلك الوقت. وجاء ليشترك معها فى مناقشة الرواية. طبعة الرواية كانت فقيرة ومتقشفة. تشاركت مع صديق العمر المرحوم جمال الغيطانى، فى مشروع خاص لطبع مجموعته القصصية الأولى: أوراق شاب عاش منذ ألف عام. وروايتى الأولى: الحداد. عرضت علىَّ سهير القلماوى، أن تصدر طبعة أفضل. قلت لها لدىَّ رواية ثانية أوشكت على الانتهاء منها. عنوانها المبدئى: أخبار عزبة المنيسى. سألتنى ماذا تفضل؟ رغم أنه لم يكن أحد يعرفنى. لكنها خيَّرتنى بين أن تعيد نشر الرواية الأولى. أو تنشر الرواية الثانية. ذهبت إليها بمخطوط أخبار عزبة المنيسى. وكتبت لها مقدمة بديعة. ونشرتها. يوم أن أخذت منها النسخة الأولى من الرواية. كان فى مكتبها الدكتور عبد المحسن طه بدر، تلميذها الأثير. والذى بدا لى أنه الأقرب إلى قلبها. كانت تناديه: يا محسن. أبلغته أنها أصدرت رواية عن الريف المصرى. ويا حبذا لو ضمها لكتابه الذى أصبح فى المطبعة. وهو الروائى والأرض. حتى لو تأخر طبع الكتاب. لم يكن عبد المحسن مستعداً للانتظار. قال لى فيما بعد إن الكتاب كان سيقدم كجزء من إجراءات ترقيته فى كلية الآداب جامعة القاهرة. وإن كان قد كتب عن رواياتى فيما بعد فى كتب لاحقة. أما كتابه الذى أشارت له الدكتورة سهير: الروائى والأرض. وربما كان الكتاب الأول والأخير فى موضوعه. فقد نشر لاحقاً. وكانت فيه دراسة شديدة الأهمية عن كل من كتبوا روايات عن الريف المصرى. يبقى فى الذاكرة مشهدان. الأول: فى ميدان قصر النيل، الذى نسميه من باب الخطأ: سليمان باشا، وهو اسم قديم قبل تغييره إلى قصر النيل. فى أواخر سبعينيات القرن الماضى. ولم تكن سعيدة بحملة مصرية شاملة ضد رئيس مصر فى ذلك الوقت. الرئيس السادات. ولأننى كنت جزءاً من هذه الحملة. فقد عاتبتنى عتاباً لم تمكننى من أن أنطق بكلمة واحدة رداً على ما قالته.أما اللقاء الأخير إذا اعتبرناه لقاء. فقد كان فى مستشفى المقاولون العرب، عندما مرضت المرض الذى أسلمها للموت. كانت بمفردها فى الغرفة. لم يكن معها أحد. الممرضة التى أوصلتنى تركتنى عند الباب. فشلت فى أن أعرفها بنفسى. وهى كانت فى غيبوبة مرض الموت. وانصرفت من عندها شديد الحزن. كانت سهير القلماوى أول طالبة فى الجامعة. وأستاذها ووالدها الروحى طه حسين، أدخلها الجامعة وعين لها حراسة. ومكنها من السفر لأوروبا لتنجز رسالتها للدكتوراه، عن ألف ليلة وليلة. وكانت الرسالة الأولى فى موضوعها. لمزيد من مقالات يوسف القعيد