إذا كان الإعلام المصري متهما بأنه يخاطب نفسه، أو أن صوته لا يصل إلي العالم، فإن أقل ما يقال عن الإعلام الأجنبي الكاره لمصر أنه ما زال يعمل من برجه العاجي، رافضا الاعتراف بحقائق الأمور، ويخاطب الرأي العام الأجنبي مفترضا فيه السذاجة، وكأنه يتحدث إلي كائنات فضائية! ظهر ذلك بوضوح من خلال التغطية «الغريبة» أو القادمة من عالم آخر التي قدمتها بعض وسائل الإعلام المعروفة بعدائها للدولة المصرية لعدد من الأحداث المتعاقبة التي جرت مؤخرا علي أرض مصر. فقد أعربت وكالة «رويترز» للأنباء وشبكة «سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية عن استيائهما صراحة من تجاهل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته ومحادثاته في القاهرة أخيرا القضايا الخلافية مع مصر، وبخاصة المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان، واتهمته بالتخلي عن الشعارات التي طرحتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وأسهمت في التمهيد لثورات «الربيع العربي» عام 2011. وظهر من خلال هذا الموقف الغاضب من جانب رويترز وسي.إن.إن تجاه الوزير الأمريكي الذي لم يأبه لمطالب بعض المنظمات والنشطاء بإثارة قضية حقوق الإنسان مع المسئولين في مصر مدي الاستعلاء الذي تبديه معظم وسائل الإعلام الغربية نحو شعوب دول المنطقة، ومن بينها مصر، وتبريرها، بوقاحة مفرطة التدخل في شئونها وصياغة حياتها ومستقبلها وتزييف إرادتها والعبث بمقدراتها، ووأد أحلامها في الاستقرار والتنمية والتقدم وتحقيق الإنجازات. وجن جنون رويترز من بومبيو بالذات بسبب تجاهله الحديث عن هذه القضايا الخلافية تحديدا في خطابه الذي ألقاه في الجامعة الأمريكية بالتجمع الخامس، فقالت بتاريخ 11 يناير 2019 تحت عنوان «المراجعة الغريبة لكلمة بومبيو في القاهرة» إن كلمة بومبيو تضمنت انتقادا لخطاب أوباما الشهير في جامعة القاهرة عام 2009، والغريب أن رويترز انبرت سريعا للدفاع عن أوباما في مواجهة اتهامات بومبيو، فزعمت أن أوباما لم يتناول ما ذكره بومبيو، وكأن الوكالة نصبت نفسها «محاميا» عن أوباما وسياساته الكارثية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مسئوليته عن انتشار الفوضي والإرهاب، بل وعن ظهور تنظيم داعش نفسه، لدرجة أنها بثت أكثر من تقرير بهذا الهدف، ومن بينها ما بثته بتاريخ 9 يناير 2019 بعنوان «مبعوث ترامب يبلغ زعماء الشرق الأوسط بما يريدون سماعه». وفي الوقت نفسه، وفي شأن آخر، كما توقعنا في تقرير سابق، واصلت وكالتا «رويترز» و«أسوشييتدبرس» للأنباء التشكيك بكل قوة في الدلالات الإيجابية لافتتاح مسجد وكنيسة العاصمة الإدارية الجديدة، عبر إنكار جهود الدولة المصرية لترسيخ قيم المواطنة والمساواة، وكذلك عبر ترديد مزاعم بشأن استهداف الإرهاب للمسيحيين فقط، رغم أن الحقائق تقول إن الإرهاب يستهدف المسلمين والمسيحيين علي حد سواء. فقد بثت وكالة أسوشييتدبرس تقريرا بتاريخ 6 يناير 2019 بعنوان «الرئيس السيسي يفتتح كاتدرائية ومسجدا في العاصمة الجديدة»، زعمت فيه أن سياسة الرئيس السيسي لم تفعل سوي القليل لحماية المسيحيين في ريف مصر، ومضت تقول إن مراسم افتتاح المسجد والكنيسة أكدت ما يحلو لوسائل الإعلام المؤيدة للحكومة تسميته بالنسيج الوطني للمسيحيين والمسلمين». ولا ندري حقيقة من أين جاءت وكالة أسوشييتدبرس بهذه الأحكام والأوهام! وعلي الجانب الآخر، واصلت شبكة «سي.إن.إن» إصرارها علي الانفراد من خلال موقعها الإليكتروني بالترويج لتعقيبات محمد البرادعي عبر «تويتر»، بشأن أي موضوع، رغم أن آراءه هذه لم تعد تثير أي اهتمام من جانب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بمن فيهم بعض خصوم الدولة المصرية أنفسهم! فقد ظهر ذلك في الخبر الذي بثته الشبكة الأمريكية بتاريخ 9 يناير 2019 عن سجن الناشط أحمد دومة 15 سنة وإلزامه بسداد 6 ملايين جنيه، حيث أصرت علي استدعاء البرادعي من الماضي السحيق، ونشرت له تغريدة عبر تويتر يستنكر فيها العقوبة المشار إليها بدعوي أنها تستهدف الانتقام من دومة! متي تنزل وسائل الإعلام الأجنبية من عليائها، وتغادر برجها العاجي، لتنقل الحقائق المجردة عما يجري في مصر، بدلا من هذا التشنج في فرض آرائها علي الرأي العام العالمي، وبدلا من إنكار الإنجازات التي تجري علي الأرض، بما في ذلك إنشاء العاصمة الإدارية، وتطبيق القانون بقوة علي مخالفيه، بداية من المعتدين علي حرية الدين والعقيدة، ونهاية بمن اعتدوا علي المنشآت والمصالح العامة، واستحقوا العقاب.