لأن دور المسنين والمسنات ليست مجرد مبان وحجرات من الحجر الأصم ولكنها تضم بين جدرانها الكثير من الحكايات الإنسانية من بينها حكاية «ماما سلوي» التى يقول مسئولو الدار بالإسكندرية إن حكايتها مؤثرة للغاية فهى تلخص نهاية مؤسفة لأحلام كبيرة لكنه قضاء الله وقدره. بمجرد أن التقينا بها قالت وهى تستعيد لحظات الألم والذكريات الصعبة: «محمد ابنى حنيته كان ليها العجب لدرجة أنه من كتر طيبته وجمال شخصيته وروحه الحلوة كانت الناس بتقول عليه ابن موت ورغم أنه كان ابنى الوحيد ولم أنجب غيره، لكنى كنت حاسة إن عندى عشرة أولاد». هكذا بدأت ماما سلوى حديثها كما يطلق عليها العاملون ورواد الدار، فهي تبلغ من العمر 74 عاما، فهى الأم والجدة لحفيدين من ابنها الشهيد محمد، الذى راح ضحية لإحدى العمليات الإرهابية فى سيناء، ليترك الأم معلمة اللغة الفرنسية تدخل فى غيبوبة لمدة شهرين كاملين حزنا على فقيدها وابنها الوحيد. ماما سلوي، التى تشبه الى حد كبير الممثلة رجاء الجداوى فى أناقتها وجمالها، ستجدها تتحدث بروح جميلة وهى تذكر ابنها الشهيد محمد، ذلك الابن البار شهيد الواجب. فالأم الجميلة فارق زوجها الحياة منذ سنوات عديدة ولحق به الابن لتبقى وحدها بمنزلها بالدور الرابع. ورغم الزيارات المتكررة لحفيديها مروان ورولا وزوجة الابن المخلصة فى رعاية والدة زوجها الشهيد إلا أن كل شيء بمسكنها كان يذكرها بهما رائحة الجدران كانت تشع بالذكريات الجميلة التى دوما ماكانت تعتصر قلب الأم والأرملة المسنة. فاختارت أن تنتقل الى إحدى دور المسنين لتكون وسط سيدات ربما تتفق ظروفهن مع ظروفها وتجد الونس بينهن. تقول ماما سلوي: فى منزلى لم أحتمل أن أظل وحدى أتذكر فراق ابنى الوحيد وزوجى كما أننى تعرضت لبعض الحوادث الصغيرة فمنزلى ليس به مصعد كهربائى وأكثر من مرة تنزلق قدمى على السلم وخشيت أن يحدث ماهو أشد من ذلك، فقررت الانتقال الي دار المسنين ربما أجد الونس والألفة الدائمة. وتضيف: دائما ما يأتى حفيداى لزيارتى وأسعد جدا بهم وأضع صورهم بجوارى وعلى الحائط مع صور ابنى وزوجة ابنى أرملته. وتابعت الأم والجدة: تظل لى الذكريات الجميلة وأحاول قدر الإمكان أن أتجاهل أكثر ذكرى مؤلمة لى وهى يوم سماعى خبر رحيل ابنى الوحيد شهيد الواجب ولكنها تظل تطاردني. ولكننى أجد فى حفيدى مروان كل حب وحنان فهو يشبه والده كثيرا ويأتينى بين الحين والآخر فأنا متعلقة جدا به وأتمنى فى المستقبل أن أراه وقد حقق حلم والده المرحوم الشهيد «محمد»، وبينما تتحدث الينا تحجرت الدموع فى عينيها «يارب يطلع حفيدى بطل زى ابوه».