علاقة وثيقة امتدت أواصرها من زيارة واحدة فلم تعد مجرد روتين تقليدى أو عمل خيرى طمعا فى الثواب فحسب، بل أصبح لدينا اشتياق إلى الجلوس معهم للاستماع إلى نصائحهم، وإدخال الفرحة فى قلوبهم فهم يسعدون ويرحبون بأى زائر، «أكتوبر» قضت يوما مع المسنين فى رحاب شهر رمضان بدار تحسين الصحة للمسنين والأيتام بالهرم.«ماما سومة» تبلغ من العمر 60 عامًا وقضت فى الدار أكثر من 10 سنوات تركناها تحكى حكايتها فقالت: انفصلت عن زوجى بعد 11 عامًا من الزواج بسبب عدم الإنجاب وضحيت بعملى من أجل استمرار حياتنا لأن المرأة دائما المغلوب على أمرها وهى التى تتنازل عن كيانها من أجل بيتها وأسرتها. واتجهت بعد ذلك إلى العمل اليدوى من التطريز والكروشيه وخياطة المفارش والملايات واشتركت فى معارض تابعة لأحد النوادى الكبرى، ومضت الأيام إلى ان بلغت من العمر 42 عامًا ووجدت نفسى وحيدة بين أربع جدران فى شقة خمس غرف فقررت الذهاب إلى دار المسنين خوفا من الشعور بالوحدة والبحث عن «ونس». وبعد برهة صمت أضافت: «انتظر زيارة من أخواتى وأبنائهم أسبوعيًا وفى بعض الأحيان أذهب إليهم لقضاء يوم معهم بالمنزل»، مضيفة «لو يرجع بيا الزمان» كنت اشتركت فى مجال العمل الاجتماعى لأنى رأيت أثاره الإيجابية على الشخص نفسه وعلى من حوله، حيث اننى لم أجد من ينصحنى ويقول لى إنه سيأتى اليوم الذى أجد فيه نفسى وحيدة ما بين أربعة جدران. وهل رمضان يختلف؟ وما مظاهر اختلافه فى الدار؟ سألنا «سومة» وأجابت: بالطبع يختلف عن بقية الأيام فى تلاوة القرآن الكريم والصلاة والخشوع لله سبحانه وتعالى والدعاء، أما ذكرياتها خلال فترة الطفولة فى رمضان قالت «كنت ألعب مع أقاربى بالفوانيس التقليدية «أبو شمعة» فى الشارع ونغنى واحوى يا واحوى وكنا ننتظر صوت المدفع فى التلفاز والآذان حتى نتناول العرقسوس والخشاف والتمر وقمر الدين». وأخيرًا قالت سومة حلمها الوحيد فى الحياة الحج، كما أتمنى لمصر أن تعود لسابق عهدها اجتماعيا واقتصاديا، حيث إن رئيسنا عبد الفتاح السيسى مجتهد وقادر على تحقيق ذلك، مشيرة إلى أن أبرز ما حققه الرئيس خلال توليه الرئاسة هو مشروع قناة السويس الجديدة لأنه سيوفر فرص عمل جديدة للشباب وذلك بحكم دراستى ليسانس الآداب قسم تاريخ، لكن ينقصنا التواصل مع العالم الخارجى وهذا ما فعله الرئيس السيسى خلال زياراته إلى الصين وأوروبا وألمانيا وفرنسا وروسيا وغيرها. وقبل أن نغادرها ودعتنا سومة بنظرة من عينها التى كانت تدمع وهى تقول «أنا عارفة إن أنا خلاص هودع.. لكن نفسى ناس تجيلى وتزورنى.. أصل أنا ماليش ولاد وانتو زى ولادى». توجهنا إلى حجرة الحاجة نبيلة حسنين وجدنا حجرتها مليئة بالكثير من شهادات التقدير والتكريم وبعض من المشغولات اليدوية والكروشيه، ووجدناها تتصفح بعض الجرائد وتقتص منها إعلانا عن مسابقة خلال شهر رمضان للمشاركة بها وهى تمثل أول مسابقة تشترك بها رغم أنها تبلغ 66 عاما. ابتسامتها «نبيلة» تبدو أصغر بكثير من عمرها الحقيقى، فهى لا تتوقف عن الضحك والابتسامة لا تغادر وجهها توزعها على نزلاء الدار والعاملين به، فهى كانت تعمل موجهة بوزارة التربية والتعليم، وعاشت فترة فى منزلها بعد وفاة زوجها، ورفضت العيش مع أبنائها فلديها ابن متزوج ولديه 4 أطفال وابنة متزوجة ولديها طفلان، وقررت أن تعيش فى الدار حتى لا تكون عبئا ثقيلا على أحد، وتقيم فى الدار منذ 6 سنوات. كما ترى أن الإقامة فى دار المسنين ليس معناه الهروب من جحود الأبناء أو عقوقهم وإنما هى رغبة داخلية لدى الكثير من الأمهات حتى لا يشعرن بأنهن عبئا على أولادهن، وتتمثل أمتع لحظات حياتى عند مجىء أبنائى لكى يأخذونى أقضى معهم يوما، حيث أشعر بالفرحة مع أحفادى الذين أراهم كل فترة نظرا لضيق الوقت ومشاغلهم. القلوب وعن ذكرياتها مع رمضان قالت ماما نبيلة: «كانت قلوب الناس على بعضها، حيث تجد الكل يخدم الآخر خصوصًا فى شهر الخيرات، والذى يشهد المزيد من التواصل والتآلف بين سكان الحى الواحد، والذى تربطهم أواصر اجتماعية قوية تجعلهم يحتفلون جميعا بقدوم هذا الشهر، ليلتفوا حول بعضهم البعض ليتبادلوا التهانى، وكانت تحرص الأسر على تبادل الأطباق الرمضانية، بعكس الآن خاصة بعد ارتفاع أسعار الكثير من السلع الغذائية». ماما نبيلة مهتمة بالحياة السياسية وشاركت فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعن الرئيس قالت: إنه يتمتع بذكاء حاد داعية أن يحفظه الله، لأنه حقق العديد من الإنجازات فى فترة وجيزة جدا عجز عن تحقيقها آخرون، فزيارات السيسى للعديد من الدول الأوروبية أحيت دور مصر الريادى. وانتهت ماما نبيلة قائلة «إننا لا نحتاج للمال والطعام والملابس بقدر حاجتنا ليد حانية تعطف علينا وكلمات رقيقة تؤنس وحدتنا القاتلة فرغم أننا مجموعة هنا إلا أن شعورنا بأن المجتمع تخلص منا فى هذه الدار رغم المعاملة الجيدة لنا لأننا نحتاج الاختلاط بالمجتمع لنشعر يأننا مازلنا مرغوبين». للرجال نصيب وللرجال أيضًا نصيب فى الدار ومنهم سامى سعد الذى يبلغ من العمر 55 عاما ويعمل مديرا عاما بوزارة التربية والتعليم وبدأ حديثه قائلا: جئت هنا منذ 4 سنوات عندما سافر أبنائى الى الخارج لبناء مستقبلهم، فقد قررت ألا أستسلم للوحدة وبالفعل تركت المنزل واتجهت إلى هذه الدار لتكون منزلى الآخر الذى أجد فيه الراحة مع الصحبة الحلوة التى تعيننى على قضاء أوقات جيدة بدلا من الوحدة. وعن أجواء رمضان داخل الدار قال: «نحن هنا بعيدا عن الفرحة التى يعيشونها الناس خارج الدار، فكل منا يعيش فى غرفته منعزلا عن الآخر إلا فى بعض الأوقات القليلة، فالحياة روتينية للغاية وتدفع للملل». وعن طقوس وعادات وتقاليد رمضان قال سعد «إن التواصل بين الجيران يكاد يكون انعدم إلا من رحم ربى، فعلى أيامنا زمان كنا نزور بعضنا البعض، وطبق الحلويات «طالع نازل» خلال هذا الشهر الكريم بل وطوال العام أيضًا، بعكس الآن نجد الجار لا يعرف جاره وذلك بسبب تغير المجتمع للأسوأ، كما لعبت سوء الأحوال الاقتصادية والمادية دور كبير فى اختفاء تلك العادات والموروثات التى كان يتميز بها المجتمع المصرى. ويواصل سعد أن فرحة رمضان قديما كانت تتمثل فى الفانوس «أبو شمعة» الذى تسيح شمعته على ايدينا حتى تنطفئ ونجرى به وراء المسحراتى ونغنى «حالو ياحالو» وغيرها من الأغانى، بالإضافة إلى تجمع الأهل والأقارب أول يوم رمضان. وعن مصر يقول سعد: «إننى حزين على الحال الذى وصلت إليه، والذى انعكس سلبيا على الحياة الاجتماعية، كما أن أجيالنا تعرف معنى الانتماء بعكس الأجيال الحالية التى كل ما يهمها السفر إلى الخارج، ولكن الأمل يكمن فى الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يبذل جهودأ رائعا حتى تصبح مصر أفضل مما كانت عليه قبل الثورات». المسئولة نهلة أحمد مديرة الجمعية النسائية لتحسين الصحة بالقاهرة قال ل «أكتوبر»: إن شهر رمضان تكثر فيه المساعدات من أهل الخير الذين ينظمون رحلات ترفيهية وإفطارا جماعيا للمسنين خارج الدار إلى جانب حضور بعض الأسر إلينا ومشاركتهم داخل الدار أو استضافتهم لأحد المسنين لقضاء يوم كامل معهم بأحد النوادى الكبرى ليعوضوهم الحرمان من الجو الأسرى، مطالبة أن يقوم الأفراد فى هذا الشهر الكريم وفى جميع أيام السنة بزيارة المسنين لأنهم فئة ينساها المجتمع بمجرد وضعهم فى الدار، وهذه الزيارات ولو كانت متباعدة فإنها تترك أثرا طيبا فى نفوسهم وترفع من روحهم المعنوية بشكل كبير. وأوضحت نهلة أن الدار تحرص على توزيع المساعدات والتبرعات على المسنين والمسنات، حيث تم توزيع كراتين غذائية على أهالى الأسر المسجلين بالجمعية وعددهم 220 مريضا إضافة إلى صرف إعانة 200 جنيه لكل أسرة، وإن هناك حوالى 9 رجلاً و31 سيدة هم مجمل المسنين الموجودين فى الدار. وأضافت مديرة جمعية تحسين الصحة أنها على أتم استعداد لعمل شراكة مجتمعية مع أى من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى من أجل النهوض بتنمية المجتمع، مؤكدة أن وزارة التضامن الاجتماعى تقوم بمتابعة دورية للدار. مشيرة إلى أن قبول المسنين يتم وفقا لعدد من الشروط أهمها أن يكون قادر على خدمة نفسه لأن الدار لا يتوافر بها الإمكانيات الكاملة للرعاية الخاصة للمسنين، كما يتم عمل بحث ميدانى للتعرف على الحالة الصحية للمسن أو المسنة ومدى قدرتهم على الحركة، وأن معظم الموجودين فى الدار أبناؤهم مسافرون للخارج. وتتمنى نهلة أن تتاح لهم الفرصة لقبول المسنين ما بعد المرحلة الأولى «أن يكون قادرا على خدمة نفسه»، خاصة أن لديهم أماكن متاحة لتقديم المساعدة لما بعد السن الصعب للمسنين، كما نحتاج إلى عمالة مدربة على كيفية التعامل مع المسنين سواء كان أخصائيا اجتماعيا أو نفسيا وتدريب المشرفين القائمين بالفعل فى الدار أيضًا. الأنشطة وعن الأنشطة التى تقوم بها الدار تقول نهلة : الخياطة والمشغولات اليدوية البسيطة لتسلية وقتهم فى عمل اعتادوا عليه أو حاولوا تعلمه، كما أننا بصدد وضع رؤية جديدة لتطوير خطة العمل وفيما يخص تلك الأنشطة، موضحة أن «الناس دى محتاجين رعاية.. «وكل اللى طالبينه ونس وحد يسأل عليهم»، كما سيتم عمل سوق خيرى لعرض منتجات الأسر المنتجة بالجمعيات النسائية لتحسين الصحة يوم 14 سبتمبر بنادى المقاولون العرب. وأخيرًا ورغم طول الحديث معهم إلا أنهم لم يملوا منا ولم نمل منهم طوال الزيارة لم تفارقهم روح الدعابة وكأنهم أحزانهم بالابتسامة الجميلة فى وجهونا، راغبين إلا نقطع التواصل معهم.