من جديد عادت الأزمة فى فنزويلا للواجهة بعد إعادة تنصيب الرئيس نيكولاس مادورو لولاية ثانية، ذلك وسط رفض داخلى وخارجى للاعتراف بشرعيته، نتيجة لاستمرار حالة الانقسام السياسى والانهيار الاقتصادى الذى تشهده البلاد. وأعيد انتخاب مادورو-57عاما- بعد فوزه فى الانتخابات التى أجريت 20مايو العام الماضى وسط مقاطعة المعارضة، وأدى اليمين الدستورية 10يناير الحالى أمام المحكمة العليا بدلا من البرلمان الذى تسيطر عليه المعارضة، ليبدأ ولاية جديدة مدتها 6أعوام تمتد إلى عام 2025. وعقب حفل التنصيب، أعلن البرلمان الفنزويلى أن مادورو «مغتصبا» للسلطة، معتبرا أن جميع القرارات الصادرة عنه «باطلة»، فى الوقت الذى دعا فيه إلى «انتقال سياسى» وتشكيل حكومة جديدة، متوجها إلى حكومات أجنبية بطلب تجميد جميع الحسابات البنكية الخاصة بالحكومة فى الخارج. وأعرب رئيس البرلمان خوان جوايدو عن استعداده لتولى رئاسة البلاد بشكل مؤقت بدعم من الجيش، وقال فى تجمع حاشد بالعاصمة كاراكاس إنه «يجب أن يكون شعب فنزويلا والقوات المسلحة والمجتمع الدولى هم الذين يقودونا إلى تفويض للسلطة لن نتجنبه بل سننفذه». ودعا جوايدو إلى تنظيم احتجاجات شعبية أطلق عليها »ويوم سقوط ديكتاتورية ماركوس بيريز جيمينيز»، ذلك فى إشارة إلى الرئيس الفنزويلى الذى تولى السلطة من 1953إلى 1958، وأطيح به فى انتفاضة شعبية دعمها الجيش. وردا على دعوة التظاهر ضد الرئيس، دعا عدد من المسئولين فى الحكومة الفنزويلية إلى اعتقال جوايدو بتهمة «الخيانة العظمى». وتم القبض عليه من جانب المخابرات لفترة قصيرة الأحد الماضي. بدوره، أعلن ديوسدادو كابيليو رئيس الجمعية التأسيسية، التى شكلها الرئيس مادورو فى عام 2017، ومنحها كامل الصلاحيات التشريعية وسط نزاعه مع البرلمان، أن المعارضة البرلمانية هى «الجهة الوحيدة التى تغتصب السلطة..إنهم يحاولون إبعادنا عن الحكم منذ 20عاما». وبالتزامن مع الرفض الداخلى، أعلنت كولومبيا أن هناك مساعى لتشكيل تحالف إقليمى جديد لدول أمريكا الجنوبية لتشديد الضغط على فنزويلا. وأكد الرئيس الكولومبى إيفان دوكى أن هناك مساعى لإقامة تحالف تحت مسمى «بروسور»، ليحل محل اتحاد دول أمريكا الجنوبية «أوناسور» الذى تم تأسيسه فى 2008 بمبادرة من الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو تشافيز. من جهته، صرح وزير الخارجية البيرو نيستور بولوليزيو أن 13 دولة من مجموعة «ليما» ال14 لن تعترف بالولاية الثانية للرئيس الفنزويلى، مشيرا إلى طلب المجموعة من مادورو تسليم السلطة للبرلمان. وقد عكس تصاعد موجة الرفض الداخلى والخارجى الاعتراف بولاية مادورو مدى عمق الأزمة التى تعانيها فنزويلا نتيجة إخفاق «سائق الحافلات السابق» فى قيادة البلاد خلفا للقائد تشافيز(1999- 2013)، الذى جعل الدولة صاحبة أكبر احتياطى بترولى فى العالم تتربع على عرش أقوى الاقتصاديات فى أمريكا اللاتينية. فمع تراجع أسعار البترول عالميا، فشل مادورو فى استغلال باقى موارد البلاد الأخرى فى محاولة إيقاف الانهيار الاقتصادى الذى استغلته قوى المعارضة للحشد ضده فى الشارع، مؤكدا أن بلاده ضحية مؤامرة خارجية وتواطؤ داخلى، فيما لجأت حكومته إلى برنامج إصلاحى غير واقعى وغير قابل للتطبيق أدى إلى تفاقم الأزمة. ووفقا للأرقام الصادرة عن البرلمان، تصاعد التضخم لمعدلات غير مسبوقة، نتيجة لانخفاض الناتج المحلى الإجمالى لأكثر من 50% فى السنوات الخمس الماضية، فى حين سجل الدولار 60 بوليفارا. ومن جهتها، حذرت الأممالمتحدة من أن حوالى 2.3 مليون فنزويلى فروا من البلاد منذ عام 2015، وهو رقم يجعل الهجرة الفنزويلية أكبر حركة جماعية للسكان فى التاريخ الحديث لأمريكا اللاتينية، ذلك فى الوقت الذى اضطر فيه بعض المواطنين إلى بيع أطفالهم وأعضائهم من أجل البقاء على قيد الحياة. ورغم وعود تحقيق «الوحدة الوطنية» و«التقدم الكبير» خلال العام الجارى التى أطلقها مادورو، فإن الواقع هو ما يشير إلى صعوبة تحقيق ذلك، ما قد يعجل بنهاية رحلة الرئيس الفنزويلى.