بعد رحلات شاقة محفوفة بالمخاطر ودفع مبالغ باهظة للمهربين نظير نقلهم فى قوارب غير آمنة، والتنقل بين عدة دول أوروبية من أجل الوصول لألمانيا، التى فتحت أبوابها لهم. يواجه أغلب اللاجئين معاناة التغلب على صدمتهم الأولى فى ترك وطنهم والتركيز على حياتهم الجديدة وكيفية بنائها.و يقع بعضهم فى حيرة بين التمسك بتقاليد وعادات ثقافتهم، التى نشأوا واعتادوا عليها وبين التأقلم، على الحياة الأوروبية بكل ما تكفله لهم من حريات وحقوق وواجبات للطرفين. وبينما ينجح البعض فى الاندماج والتأقلم يجد آخرون أنفسهم ضحايا للخوف الشديد من طمس هويتهم السورية، مما يعوق تأقلمهم ومواكبة الحياة الأوروبية ويهددهم بالانعزال وفقدان أعمالهم التى تساعدهم على إيجاد حياة أفضل وأكثر استقرارا وتقدما. وفى تقرير نشرته مجلة «تايم» الأمريكية، تقول منى بونيمان، أستاذة علم النفس والاخصائية النفسية والتى تعمل مع اللاجئين فى مدينة بيلفلد الألمانية: «عادات وثقافة المجتمع الألماني، الذى يعيش فيه اللاجئون أفضل بكثير لصحتهم النفسية، ولكن المتعلقين ببلادهم وإصرارهم على التمسك بما تحمله من ثقافة وعادات وتقاليد يعوق دمجهم فى وطنهم الجديد».وتضيف قائلة: «تواجهنى هذه المشكلة فى كثير من الأحيان، ويكون الحل فى وجود شبكة دعم اجتماعي، فهى السبيل للاستقرار العاطفى للاجئين، ولكن أكبر جوانب التوتر يكمن فى دور المرأة فى المجتمع حيث بدأت أخيراً فى رؤية زيادة فى التوترات الزوجية وأن النساء يثرن فى كثير من الأحيان، فيتعرفن على العائلات الألمانية ويردن الحصول على الحريات نفسها، وبعضهن يردن حقوقا جديدة ، وإذا لم يحصلن عليها، يطالبن بالطلاق». كان الاندماج هو الشرط الأساسى فى قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لقبول قرابة مليون لاجئ فى الفترة ما بين 2015 و 2016، وذلك لتخفيف مخاوف الناخبين الألمان من أن اللاجئين سيشكلون عبئا على الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وكذلك لتجنب الانعزال الذى تعانيه الموجات السابقة من المهاجرين من تركيا والبلقان. فثقافة المجتمع الألمانى تؤكد الحريات الفردية، التى غالباً ما تكون متعارضة مع المجتمعات التى تعتز بالروابط العائلية الممتدة. وعلى عكس الموجات السابقة من المهاجرين، الذين جاءوا بحثاً عن وظائف وكانوا مستعدين بشكل أفضل للتكيف مع بلدهم المضيف، لم يكن لدى اللاجئين السوريين الجدد خيار كبير سواء فى ترك بلادهم أم لا أو فى اختيار المكان الذى ينتهى المطاف اليه اشتراط تعلم اللغة الألمانية واحتضان القيم الألمانية بدا لكثير منهم وكأنه فرض وليس فرصة، خاصة عندما تتعارض هذه القيم مع العادات السورية. وقد تناول التقرير قصتين جسدتا ذلك الصراع، الأولى للاجئة السورية آية، 23 عاما، التى لجأت هى وزوجها لألمانيا عام 2015، بعد زواجهما بشهر واحد، وقد عاشا فى البداية حياة شاقة فى مخيم للاجئين مما أثر سلبيا على نفسية زوجها، وبدلا من البحث عن حلول لتحسين أوضاعهما، فقد كان يصب غضبه عليها فكان ينهال عليها ضربا بصفة مستمرة، ولكن تغير الوضع للأفضل بعدما حصلوا إجباريا على دورات تدريبية لتعلم اللغة الألمانية والدمج فى المجتمع، والتى من خلالها تعلمت اية الكثير عن حقوق المرأة، كما تعلم زوجها أن ضربه لها يعد غير إنسانى بل وغير قانوني. وقد أنجبا طفلهما «جود» بعد عام. وما تملكه آية، التى كانت تعمل مهندسة معمارية فى سوريا، من ذكاء وطموح بالإضافة للعزيمة والإصرار جعلاها تتقدم بشكل سريع فى تعلم اللغة الألمانية ووجدت عملا مناسبا لها وأصبحت هى عائل الأسرة بينما اكتفى زوجها بمشاهدتها فقط ما أشعل الغيرة فى قلبه، وكلما سعت للتأقلم والاندماج كلما تقوقع زوجها وانعزل حتى أصبح يتردد على مسجد به عدد من الرجال السوريين، الذين لم يفلحوا فى إيجاد عمل ويشاركونه نفس الغضب. كما بدأ فى افتعال المشاكل معها ورفض المشاركة فى الأعمال المنزلية، ورغم محاولاتها المستميتة لإقناعه بنسيان ما تعلمه فى المجتمع الشرقى وأن يتعايش بالفكر الجديد الذى يحض على المشاركة فإنها فشلت مما جعلها ترى أن الحياة بينهما أصبحت مستحيلة فلجأت إلى طلب الطلاق. وبعد أسبوعين، كالمعتاد عادت آية ليلا بعدما أنهت عملها وإذا بها لا تجد ابنها وزوجها، وبعد ساعات من الانهيار جاءها اتصال من شقيق زوجها، الذى يعيش بسوريا، ليقول لها إن زوجها ونجلها فى طريقهما لسوريا، وإذا كانت ترغب فى رؤية ابنها عليها العودة لسوريا. واتجهت آية للشرطة كى ينقذوا ابنها الطفل الذى ولد بألمانيا وله حقوق، ولكن للأسف اكتشفت أنهما وصلا اليونان وأن أحد المهربين عبر بهما الحدود التركية وهما فى طريقهما لسوريا. وبعد أيام وصلتها رسالة من زوجها أنهما فى ادلب، وقال لها: «لقد اصبحت ألمانية .. عودى لبلدك وثقافتك.. عودى لتصبحى أما جيدة». وقد وجه القضاء الألمانى تهمة الخطف للزوج مما يعنى انه إذا عاد مجددا لأى من دول الاتحاد الأوروبى سيتم القبض عليه. ورغم أن ابنها ولد فى ألمانيا فإنه يعامل كمواطن سورى ليس للقضاء سطوة عليه، والأزمة الأكبر أنه إذا تركت اية ألمانيا وعادت لسوريا يسقط عنها حق اللجوء. وبعد شهور من الأمل فى أن يعلم زوجها أن مستقبل الابن سيكون أفضل فى ألمانيا، باتت تشاهد صور الطفل وتتحسس ملابسه وتحتضنها والدموع لا تفارق عينيها، وتقول: «إذا عدت سأخسر كل شيء حريتى وحقوقى وعملى وما تعلمته هنا وحق اللجوء»، وتضيف: «هربت من بلدى كى لا يولد ابنى وينشأ فى الحرب وما بها من مخاطر .. فكيف أتركه يعيش بها وحده .. ابنى أهم وأغلى من كل شيء .. سأعود». أما رشا 32 عاما التى وصلت مع عائلتها من حلب عام 2016، فقد أصبحت دائمة الخلاف مع زوجها، الذى يريدها أن تتعلم اللغة الألمانية وتجد عملا يوسع من دائرة علاقاتها ويسهم فى دخل الأسرة ويقول لها «لماذا لا تكون زوجتى قوية ومستقلة؟ ماذا لو حدث لى شيء ما؟ يجب أن تكونى قادرة على العمل». لكن رشا، التى تزوجت عندما كان عمرها 14 عاماً ولديها الآن خمسة أطفال، لا تعرف شيئاً عن العمل خارج المنزل. من ناحية أخري، يتعرض بعض الآباء اللاجئين الذين يسمحون لبناتهم المراهقات بقضاء وقت مع الفتيان، واللاجئات المطلقات والأرامل، اللواتى قد يصادقن أو يواعدن رجالا، لانتقاد حاد من الأسر السورية مما يمثل ضغطا عليهم ويدفع بهم للإنعزال.