فى مواجهة الانسحاب الأمريكى العشوائى والمفاجئ،لم ينتظر الرئيس السورى بشار الأسد ولا الجيش هذا الانسحاب، إذ وصلت مجموعات كبيرة من القوات السورية إلى أقصى جنوب شرق سوريا لاستعادة منطقة «هجين» وحسم معركتها بمواجهة «داعش»، وحتى لا يهدد تنظيم داعش الإرهابى مجدداً الانتصار السوري. كما نشر الجيش السورى تعزيزاته العسكرية فى الشمال الغربى لمدينة منبج، خاصة بعد ما أكد البنتاجون أن تنفيذ الانسحاب يعمل وفق جدول عشوائي، وذلك لضمان سلامة أمن العمليات. ويأتى الانتشار السورى بالتنسيق مع مجلس منبج العسكرى فى إطار حشد واسع النطاق للقوات فى المنطقة، وسط مخاوف من التحرك التركى فى الشمال، ومحاولة التوغل التركى وقضم المزيد من الأراضى شرقاً بذريعة ملء الفراغ العسكرى بعد سحب القوات الأمريكية ومواجهة «داعش»، دون مساومة على دور وبقاء الحلفاء فى سوريا. فمن غير المؤكد أن يلتزم النظام التركى بالتفاهمات التى أجراها مع الروس والإيرانيين، منذ عملية آستانة التفاوضية فى كازاخستان، حيث سبق وأن تعهد الرئيس التركى بألا تتجاوز قواته ال12 كيلومتراً، لتتوغل أضعافها مع درع الفرات وغصن الزيتون. ولاشك أن ما يجرى على الأراضى السورية من صراعات إقليمية ودولية يعيد تموضع القوى المحلية ويرسم خريطة تحالفات جديدة، فى المنطقة العربية، على أسس من المصالح المتبادلة. ففى الوقت الذى أعلن فيه الرئيس الأمريكى نيته سحب قواته تراجع ليؤكد أن الانسحاب سيكون تدريجيا، ورغم اتفاق سوتشى لوقف إطلاق النار والاستقرار فى إدلب السورية، تعلمنا الأخبار أننا فى انتظار عملية عسكرية من قبل الأتراك شرق الفرات. ثم يلوح فى الأفق بوادر لانفتاح عربى مع حكومة الأسد قبيل القمة المقبلة فى تونس، لكن تبقى المعادلة معقدة فى العديد من المواقف إزاء الملفات السورية المتشابكة غير واضحة. ورغم حملة الانتقادات فى الأوساط السياسية الأمريكية لقرار ترامب بالانسحاب العسكرى من سوريا، ووصفهم إياه ب «النهج العشوائي» ، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك. فالسيناريوهات المعلنة تقود إلى فرضية أن الانسحاب الأمريكى من سوريا وتمركزه مرة أخرى فى العراق هو أمر مؤقت. ووفقاً للتقارير الإعلامية المنشورة طلبت وزارة الدفاع الأمريكية من العراق شغل مساحات جغرافية أكبر فى قاعدة فى محافظة كركوكالعراقية التى يرجح أن تستقبل عددا أكبر من الجنود المنسحبين، وهو ما حذر منه كثيرون من الخبراء العسكرين معتبرين أن الإنسحاب والعودة إلى خط الحدود الوهمى مسالة مناورة سياسية، فالولايات المتحدةالأمريكية لن تنسحب طالما روسيا باقية فى المنطقة. فتلك هى الركيزة الاستراتيجية العسكرية لواشنطن، الأمر الذى برهن عليه الزيادات المتواصلة فى أعداد جنودها من القوات الخاصة والمدربين والمستشارين للقوات الحليفة، سواء الكردية أو قوات المعارضة المسلحة، وهى ذات الاستراتيجية التى اتبعتها واشنطن فى معارك استعادة المدن فى العراق. فضلاً عن تمركز القوات الأمريكية فى قاعدة التنف والتى تقع داخل الأراضى السورية ومتاخمة للحدود مع العراق والأردن، وتعتبر موقعا جغرافيا مهما لجميع أطراف الصراع، فقد شكلت منطقة التنف منصة استقبال الدعم اللوجيستى القادم من أمريكا إلى الجهات المسلحة التى تدعمها فى سوريا، فضلا عن كونها مركزا لتدريب بعض الميليشيات المسلحة هناك مثل جيش العشائر ومغاوير الثورة وجيش سوريا الجديد وغيرهم. ومن جانبها أثبتت روسيا أن أمريكا أنشأت قاعدة ثابتة فى التنف، وأن البنتاجون نشر فيها منصات صورايخ، بالإضافة إلى منطقة محظورة على مساحة 55 كيلومترا مربعا لمنع وصول الجيش السورى وحلفائه إلى هناك، مما يعزز فكرة أن الانسحاب الأمريكى من الأراضى السورية كاملة، أمر شبه مستحيل.