لم يكن خطاباً يلقيه الرئيس السيسى فى مناسبة عامة بل كانت كلماته ملامح خريطة طريق جديدة لما تعتزم الدولة تنفيذه لإعادة حقوق فئة من أبنائها بعد أن كانت الدولة قد اعتادت سنوات طويلة على ختم كل ما تقدمه لأعضائها, إن كانت تقدم لهم شيئا, بخاتم الإهمال واللامبالاة باعتبار أنهم لا حول لهم ولا قوة!. بعدة قرارات أعلنها خلال كلمته باحتفالية: قادرون باختلاف, يوم 24 ديسمبر الماضى أصبح السيسى أول رئيس يقررتوفير كود الإتاحة الهندسية فى جميع المرافق والشقق السكنية لإزالة المشقة على الأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة وتوفيرالأجهزة التعويضية بأسعار رمزية والتأمين الصحى الشامل لهم جميعًا على مستوى الجمهورية وعلاج النطق ليصبح أول رئيس يقدم على ذلك الأمر. وإذا كان البعض لا يزال مصراً على إكساب هذه الفئة, خطأ, لقب معوق أو ذوى الاحتياجات الخاصة إلا أنهم فى حقيقتهم ولمن لا يعرف أو يتجاهل حقيقة هؤلاء فهم أصحاب القدرات الخاصة لا الاحتياجات الخاصة، وليسوا معاقين أو معوقين «بكسر حرف الواو» بل هم متحدو الإعاقة.. فالإعاقة ليست جسدية، وإنما الإعاقة الحقيقية تتبلور فى الإعاقة الفكرية، والعجز ليس عجز الجسد إنما عجز الروح، وكف البصر لا يعنى العمى، فالعمى الحقيقى هو عمى البصيرة..! هؤلاء الإخوة والأبناء يجب احتسابهم أبطالاً، فهم لم يستسلموا لأوجاعهم وظلوا من بين الذين يتألمون ويتوجعون فى عجز وقلة حيلة، لم يستكينوا لآلامهم، لم يتسلل إليهم اليأس أو الإحباط، لم يرفعوا الراية البيضاء أمام حالتهم الصحية، بل على العكس تمردوا عليها وجسّدوا معنى الإرادة والتصميم، أما غيرهم فهم المُعوقون, بضم حرف الميم وكسر حرف الواو, طمعاً فى الحصول على قيمة الشاى وما أدراك ما يعنيه تعبير الشاى فى ثقافة بعض موظفى الدولة!. منذ أن اُقر الدستور الحالى عام 2014 لم تخضع الكثير من المؤسسات العامة أو الوزارات لبعض أحكامه التى تقر حق هذه الفئة فى تعيين 5% منها.. ويبدو أن هذه الجهات قد اكتفت فقط بالتشدق بما تضمّنته نصوص الدستور فيما يتعلق بحقوق هؤلاء المواطنين دون ترجمتها على أرض الواقع. لم يكتف الرئيس السيسى بهذه الحزمة من القرارات لإعادة حقوق أصحاب الإرادة الفولاذية لهم بل أعرب عن تقدير واعتزاز الدولة والمجتمع بهم كشريك أساسى فى بناء المجتمع ونهضة الوطن، بما يمتلكونه ويحققونه من إنجازات فى شتى المجالات ولم تكن كلماته مجرد تعبير إنشائى عن تقدير المجتمع لجهود هؤلاء الأبطال بل حرص على ترجمتها بإجراءات عملية إذ قرر أيضا توفير كود الإتاحة الهندسية لهم فى كل المنشآت الشبابية والرياضية على مستوى الجمهورية، مع زيادة مشاركتهم الدولية فى الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية، ومساواة الحاصلين منهم على ميداليات أوليمبية وعالمية بالأسوياء فى الجوائز المالية المقدمة لهم وذلك إيمانا منه بقدرات هذه الفئة من المواطنين القادرين على تحقيق ما يقارب المعجزات. توجيهات الرئيس كانت إقراراً واضحاً من جانب أرقى منصب لنتائج حققها هؤلاء الأبطال فى باراأوليمبياد ريو دى جانيرو التى جرى تنظيمها فى سبتمبر من عام 2016 إذ راحوا يطيرون كالفراشات بين ملاعب العاصمة البرازيلية ليرفعوا فى النهاية علم مصر.. وصعدوا بمقاعدهم المتحركة إلى القمة فيها بحصاد بلغ 12 ميدالية منها 3 ذهبيات و5 فضيات و4 برونزيات، فيما عجز 124 لاعباً ولاعبة ممن يقال عنهم أصحاء شاركوا فى 24 لعبة بالأولمبياد عن حصد سوى 3 ميداليات برونزية فقط بعد أن ظلوا متمسكين بوهم أنهم يمثلون الريادة والقدوة والقدرة والتفرد ومصرون على الاكتفاء بمنطق التمثيل المشرف، وهى الصيغة المهذبة لتبرير الفشل ليُستقبلوا فى النهاية كأنهم أبطال حققوا ما عجزت عن تحقيقه الدنيا كلها، بينما عاد الأبطال الحقيقيون إلى أرض الوطن باستقبال أقل ما يوصف به أنه كان فاتراً.. وهكذا لم تكن التفرقة فقط فى الجوائز المالية بين أبطال حقيقيون ومن يتوهمون أنهم أبطال وهو ما يكشف عن مدى العنصرية التى تسيل منها التفرقة وقصور نظرة الجهات المسئولة ولكن أيضا فى أسلوب استقبال الأبطال الموهوبين الذين ظلت وجوههم مجهولة حتى لجيرانهم إلى أن ظهروا على شاشات التليفزيون وبين موهومين وتتراشق أخبارهم وصورهم فى صدر الصفحات الأولى للصحف لتنافس إعلانات المياه الغازية ولا يغيب حضورهم على شاشة أى قناة تليفزيونية حتى بعد انتهاء موعد الإرسال!. بقيت كلمة أهمس بها فى أذن أبنائنا أصحاب الإرادة فلستم أصاحب الاحتياجات الخاصة، بل القدرات الخاصة، والدليل على ذلك أنكم أكملتم تعليمكم رغم ظروفكم الصحية والاجتماعية الصعبة ويجب أن تمتد يد الرعاية الكاملة لكم ولأسركم التى رعتكم أفضل رعاية حتى وصلتم إلى كل ما حققتموه من إنجازات، وفى النهاية يجب أن نكف جميعاً عن وصفكم بالمعوقين فغيركم بالفعل هم المعوقون.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولأبنائك السلامة دائما. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش