محطة مياه العدوة تخدم 200 ألف نسمة بالمنيا ضمن حياة كريمة    الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة: القيمة المضافة لتطوير شبكة الموانئ ستظهر خلال 5 سنوات    حبس سيدة متهمة بقتل زوجها أمام أطفالهما ال3 في الإسكندرية    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    الذهب يتراجع في بداية التعاملات العالمية.. والأوقية تخسر 3 دولارات    هشام مهران يستعرض خدمات النيابة الرقمية واحدث حلول الذكاء الاصطناعي وأول مساعد ذكي بالمطارات المصرية    مديرة قسم الصحة باليونيسيف: برامج متكاملة لدعم الأم والطفل في مصر    بعد صلاة الفجر.. كلمات تفتح لك أبواب الرحمة والسكينة    تعليم الإسكندرية: تحقيق عاجل في واقعة تعدٍ على طالب بمدرسة النصر بنين    عزيز الشافعي يكشف كواليس أغنية "قرار غلط" ويضع النقاط على الحروف    مجانًا بث مباشر.. مشاهدة مباراة مصر ضد كاب فيردي| اليوم دون تقطيع وبجودة عالية    رئيس لجنة التحقيق فى أحداث اللاذقية: محاكمات المتهمين تبدأ صباح اليوم    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    طقس اليوم الإثنين.. استقرار نسبي والعظمى تصل ل25ْ درجة في القاهرة    السيطرة على حريق نشب في سيارة ملاكي و4 موتوسيكلات بأرض فضاء بالزاوية الحمراء    بمناسبة ذكرى استشهاده.. القصة الكاملة لاغتيال العقيد محمد مبروك: بطل هزّ عرش جماعة الإخوان الإرهابية    #جزيرة_الوراق تتصدر مع تحوّلها لثكنة عسكرية .. ودعوات للتصدي بالثبات في الأرض    ترامب يتوعد بعقوبات شديدة على الدول التي تتعامل تجاريا مع روسيا    جدول ومواعيد فعاليات اليوم الخامس لمهرجان القاهرة السينمائي    ياسمينا العبد: شخصيتي في ميدتيرم هي الأصعب.. مركبة من عدة شخصيات في آن واحد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 17 نوفمبر 2025    هتشحن بكام؟.. قيمة زيادة كروت الشحن المتوقعة    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    أبرز عروض كارفور في الجمعة البيضاء 2025.. خصومات هائلة    قوات حرس الحدود الأمريكية تعتقل 81 شخصا في شارلوت كارولاينا الشمالية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 17 نوفمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    رويترز: الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد يجرى محادثات مع نظيره الفنزويلى    مصادر عسكرية سودانية: مقتل 6 من قيادات الدعم السريع في محور بابنوسة    مدير الترميم بالمتحف الكبير: المركز أول مبنى في المشروع.. وتمر كل القطع عليه    مروة صبري تعتذر ل دينا الشربيني: «أنا غلطت والصلح خير»    تريزيجيه: فضلت منتخب مصر على أستون فيلا.. والقرار أنهى رحلتي في إنجلترا    إيطاليا تسقط أمام النرويج برباعية في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم    كلب ضال يعقر 9 أشخاص فى منطقة الكرور بأسوان    عاجل- الفصائل الفلسطينية تؤكد شروطها تجاه أي قوة دولية محتملة في قطاع غزة    نتنياهو يواصل التهرب من تشكيل لجنة تحقيق رسمية في هجوم أكتوبر    الدفاع الجوي الروسي يسقط 31 مسيرة أوكرانية خلال ساعات    رجب بكار: منتخب مصر ضحى بي في أمم أفريقيا 2019    نائب رئيس اتحاد كاب فيردي: غياب صلاح لن يؤثر على قوة منتخب مصر    هل تناول اللحوم والألبان خطر على الصحة في ظل انتشار الحمى القلاعية؟    اللجنة المصرية في قطاع غزة توزع الخيام على النازحين المتضررين من الطقس السيء | فيديو    السجن المشدد عقوبة جريمة الإضرار بالأمن القومي من خلال تقنية المعلومات    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    بعد تأهل الكونغو الديمقراطية.. تعرف على نظام الملحق العالمي المؤهل لكأس العالم    مودي ناصر: طارق السيد فاوضنى للانضمام للزمالك والموسم الحالى هو الأخير مع إنبى    ضبط 16 جوال دقيق مدعم وإغلاق مخابز مخالفة في حملة تموينية موسعة بالعياط    أخبار × 24 ساعة.. وزارة التضامن: 10.2 مليون طفل من سن يوم إلى 4 سنوات    بولندا تستقبل 2026 باحتفالات مبهجة.. أسواق الهدايا تضيء مدينة بوزنان    بعد جولة ناجحة بأهم 3 عواصم أوروبية.. عين الحسود تصيب أحمد سعد    وزير التعليم الأسبق ل ستوديو إكسترا: التقييم المدرسى يجب أن يكون له هدف واضح    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    لأول مرة بمستشفيات الفيوم.. نجاح تركيب منظمات ضربات القلب وأجهزة الصاعق الداخلي    قضايا الدولة تفتتح مقرا جديدا لها بالوادي الجديد (صور)    أول رد رسمي من تربية أسيوط على واقعة سحب مقررين لأحد الأساتذة    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى..
كارت الذاكرة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 12 - 2018

أنا سيدة فى الثانية والثلاثين من عمري، مطلقة ولديّ ولد وبنت، أحببت زميلا لى فى الكلية التى التحقت بها، وقد تعثرت فى الدراسة، وظللت بها ثمانى سنوات حتى حصلت على الليسانس، وخلال هذه الفترة الطويلة ربطتنى بزميلى قصة حب، وكانت والدته واخته دائما على تواصل معي، وهذا ما طمأننى أكثر له، وتمت خطبتنا، وأنا طالبة، ولكن أهلى فسخوها بسبب تدخلات أمه غير المبررة، وقلة دخله، حيث عمل فى وظيفة مندوب مبيعات، ورأى أبى أن الخطبة سوف تشغلنى عن الدراسة، ولكن أمام إصرار زميلى على الارتباط بي، ورغبتى فى أن أكون زوجة له، عدت إليه، وقضينا معا أياما صعبة، ولم يشغلنى شئ، وقلت فى نفسى أنه يكفينى حبه، ووقفت بجانبه، وتبادلنا الحب بصدق، أو هكذا تخيّلت، ثمّ اكتشفت أنه يكذب عليّ، ويحادث فتيات كثيرات، ولديه هاتف لا أعلم عنه شيئا، ولم أتوقف عند ذلك كثيرا، وتخيلت أنها نزوة سرعان ما تنتهي، وأنه لن يبقى إلا الحب الراسخ الذى جمعنا، واعتبرت والدته أمى الثانية، وعند شراء الأثاث وجدت شخصية أخري، إذ تدخلت فى كل شئ من الأثاث والشبكة حتى التفاصيل الصغيرة، وكاد أبى يفسخ الخطبة مرة أخري، وجاءنى خطيبى باكيا، طالبا منا أن نعذر أمه، وأن الأمور ستكون على ما يرام بيننا بعد الزواج، وأنه لن يتزوج غيري، ولن أكون لأحد سواه حتى لو اضطر إلى إلقاء ماء نار على وجهي، وليكن ما يكون، إذ إن الحياة وقتها ستصبح بلا قيمة بالنسبة له مادمت غير موجودة فيها!، فتوسّلت إلى أبى ألا يكسر قلبي، فوافق على زواجى منه نزولا على رغبتى ودون اقتناع به، وارتضيت اختيارات أمه المتسلطة التى لم تتوقف عن إبداء الملاحظات على الأثاث والأجهزة، ومر يوم الزفاف بصعوبة بالغة، وأنا أدعو الله ألا تقع مشكلة بين أسرتينا حفاظا على صورتنا أمام الآخرين.
ومر عام، وأنا أحاول التأقلم على حياتى الجديدة، وكنت متأكدة من أن هناك ما يخفيه زوجى عني، وأنه لم يتخل عن الكذب الذى لازمه خصوصا فيما يتعلق بعلاقاته بأخريات، وقد أنجبت ابننا الأول وتصورت أنه سيتغير بعد أن يصبح أبا، ولكنى اتصلت به ذات يوم، وسألته أين هو؟، فقال إنه خرج من عمله، وفى طريقه إلى المنزل، وبعد وقت طويل، كررت الاتصال به لأطمئن عليه، فأخبرنى أنه تعرّض لحادث، فهرعت إليه حاملة ابني، وجاء أبى معي، ففوجئت بأن الحادث فى طريق بعيد عن بلدتنا، ولم يستطع تبرير وجوده هناك، وحاول التذرع بأسباب واهية، منها أنه كان يتفق على عمل جديد، وقال لى كلاما متقطعا غير مترابط، ومع ذلك أشفقت عليه، وتألمت للجرح الذى أصابه، واستعنا بطبيب من معارفنا لإسعافه، ولم يأت أحد من أهله، وساندته بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة حتى تعافى من إصابته، ثم اكتشفت أنه يتعاطى أقراصا مخدرة، ففتحت درج مكتبه فى المنزل، وأخذت ما كان يخفيه فيه، فشكانى إلى أمه التى شكتنى إلى أبى بدعوى أنه يعطى هذه الأقراص على سبيل الهدية لمن يتعاملون معه!، وغضبت عند أبى من جديد، ثم رجعت بعد مفاوضات من أجل الهدف المعتاد بأن يتربى الابن بين أبويه، وتغيّر زوجى كثيرا، وتعلق جدا بابنه، أما أنا فانعزلت عن حماتى ولم أعد أتحدث إليها، وكان هو صاحب هذا الاقتراح، وتعلمت ألا أترك بيتى لأى مشكلة، وشغلت نفسى بدراسة دبلوم تربوي، فرحّب بالمسافات بيننا، وتوقف عن الصرف على البيت، واضطررت إلى مد يدى لأبي، وأصارحك القول إننى رأيت فى نفسى عيبا يساوى ما يفعله بي، إذ بدأت فى الرد عليه بكلام سيئ جارح مثل «أبويا اللى بيصرف عليا، انت مش راجل، انت بخيل»، مع أن هذا وصف لفعله.
ووجدتنى حاملا فى ابنتي، فبكيت حالي، وجاءنى وربت على كتفي، وعزمنى على العشاء فى مطعم شهير، واشترى لى ملابس جديدة، وأعطانى مبلغا كمصروف لي، وشعرت أنه أحس بالندم، وقرر أن يعوضنى عن معاناتي، وفى اللحظة نفسها دق جرس هاتفه، وسمعته يقول لمن اتصل به أن الخط الثانى مغلق، فسألته: هل أتيت بخط ثان؟، فثار فى وجهى وقال: «مجتش فرصة أقولك»، ونام وتركنى فى ذهولي، وهدانى تفكيرى إلى أن آخذ هاتفه، وهو نائم وأضع الشريحة الجديدة فى هاتفى لأعرف من يراسله عليها ولم أتوصل لشئ سوى رقم اتصل به سبع مرات وهو مغلق، ثم اهتديت إلى أخذ «كارت الذاكرة» من هاتفه ووضعه فى هاتفى لأرى مثلا صورة تهدينى إلى ما يخفيه عني، وليتنى ما فعلت، فلقد ظللت من الساعة الثانية عشرة ليلا إلى السادسة صباحا، أسمع مكالمات بينه وبين فتيات كثيرات جدا، إذ كان يسجل المكالمات الهاتفية بينه وبين أى متصل، وأكثرها مع سيدة معه فى العمل، مطلقة ولديها طفل، وأنهما اتفقا على السفر للعمل معا بالخارج، وتذكرت فعلا أنى رأيته يخرج جواز السفر من مكتبه، واعتقدت وقتها أنه يرغب فى تخويفى بأنه سوف يسافر، ويتركني!، ووجدت من بين المكالمات محادثة مع رجل عن فتاة قال إنها جميلة ولكن سمينة وأنه يريدها منتقبة، ومحادثة أخرى مع قريبة له عن أختها التى كان يقول أنه يحبها، وتزوجت من غيره وحزينة فى حياتها لأنها لم ترتبط به ومازالت تحبه، والكثير من هذه النوعية من المكالمات!
فبكيت بحرقة وألم، وتساءلت، وأنا أجلس وحدى على سريري: «أين الحب وكيف تصنّع أمامى أنه يحبنى»؟.. وانتفضت من مكاني، وذهبت إلى الحجرة التى نام فيها، وأيقظته من النوم، وقلت له: «أريد أن أتحدث إليك»، وأبلغته أننى علمت بكل شئ من «كارت الذاكرة»، فلم تتغير ملامح وجهه، وقال ببرود: «وماذا أفعل؟»، فرددت عليه: «ألن تدافع عن نفسك؟» قال: لا.. فاتصلت بأبي، فجاءنى وأخذنى أنا وابنيّ، وظللت فترة طويلة بين الصلح والغضب، وزادت غطرسة أمه معي، فكل مشكلة بيننا يحكيها لها، وهى التى تشير عليه بما يصنعه، فينفذ ما تقوله بالضبط، ولم تشر عليه يوما برأى صواب، وهى بما تفعله تريد أن ترضيه حتى فى الخطأ سواء علاقاته النسائية أو تعاطيه المخدرات التى لا ترى فيها ما يشينه وتعتبر أن هذا كلاما مرسلا بلا دليل، وأنه رجل ويعرف مصلحة نفسه، وتريد فى الوقت نفسه أن تزيدنى تعبا وإرهاقا، ولا أدرى أى أم هذه؟.. ولقد كان الموقف الفاصل بيننا بسببها أيضا، حيث تأخر زوجى إلى الثانية والنصف صباحا بلا سبب، وعلمت هى بتأخره، حيث أننا نسكن فى منزل واحد، ولما عاد وجدنا معا، وتدخلت فى الكلام، فقلت لها: إما أن تشهدى بما يرضى الله يا تتفضلى انزلى لما نحل المشكلة»، فصرخت فى وجهى ونعتتنى بألفاظ أعف عن ذكرها، ثمّ ضربتنى هى وابنتها دون أن يحرك زوجى ساكنا، وجاء أبى وأخذنى وابنيّ، وكانت النهاية، فانفصلنا، وصرت مطلقة، ومرت الأيام ولم أتزوّج، كما أنه هو الآخر لم يتزوج، ولو لم يفعل ما فعله، ولم تتدخل أمه فى حياته، لكنا أسرة مستقرة، وتحيرنى كثيرا عبارة «الحب قبل الزواج»، إذ يرددها الكثيرون، ويبنون عليها أحلامهم، ثم لا تلبث حياتهم أن تنقلب رأسا على عقب، فهل لديك تفسير لذلك، وما هى نصيحتك لمن تعيش الظروف التى عانيتها قبل أن ينهدم المعبد على من فيه؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لم يكن تحوّل الحب بينكما إلى علاقة فاترة بعد الزواج تعبيرا عن أمر عارض أو استثنائي، باعتبار أن الزواج عن حب لا تنفصم عراه، ويستطيع الصمود أمام الأنواء والأعاصير، فالواقع أن تحوّل الحب بعد فترة من الارتباط الرسمى صار شبه قاعدة عامة، فما أكثر المشكلات بين من تزوجوا عن حب، ويحمل البريد إليّ رسائل يصعب حصرها، ويدور عدد كبير منها، حول هذه المشكلة التى تثير الدهشة والإستغراب، ومع ذلك فإن هناك من نجت سفينة حياتهم من الغرق، وواصلوا الإبحار فى نهر الحياة دون عوائق، والفرق بين هؤلاء وأولئك هو الفرق بين الحب الحقيقي، وما يسمى «تجربة الوقوع فى الحب»، أو «الانجذاب المفاجئ» الناتج فى الغالب عن الحاجة الغريزية للتواصل مع الطرف الآخر لإشباع الحاجات العاطفية والجسدية، فمن تجارب الكثيرين فى الحياة نجد أن ما يتخيله البعض حبا قبل الزواج، ليس هو الحب الحقيقى الذى يمكن للإنسان الركون إليه حتى النهاية، فالوقوع فى الحب حينئذ يكون مجرد حالة مؤقتة، إما أن تتحول فتأخذ شكل العلاقة الصحية بعد الزواج إذا كان الشريكان على قدر كاف من الوعي، أو أن تصبح علاقة مشوهة تكون فيما بعد مصدرا لمعاناة الطرفين إن أصرا على العيش فى أوهام تجربة الوقوع فى الحب، ومن الواضح أن تجربتك تندرج تحت النوع الثاني، ولم تكن حبا حقيقيا على الأقل من جانب زوجك منذ أن تعرفت عليه فى الجامعة، وتدلل على ذلك تصرفاته، والأحداث المتتالية مع أهله منذ خطبتكما، وأعتقد أن دافعه للزواج منك كان هو الواجهة الإجتماعية التى تغلفها تجربة حب، ثم يفعل ما يحلو له، ويرضى غرائزه فى الخفاء!
وأنت على الجانب الآخر اندفعت إليه بلا حساب، ولم تراعى تحفظات أبيك عليه، وغاب عنك أن للعقل دورا كبيرا فى تقرير المصير قبل الزواج، فالحب والمشاعر ليست كافية لإنجاح العلاقة، إذ يجب أن يحكمها تحمل المسئولية لبناء حياة زوجية ناجحة، ويحتاج الحكم على تركيبة أى شاب إلى بعض الوقت، فإذا ظهر منه ما يشكك فى تصرفاته ونمط حياته، يمكن التراجع عن الارتباط به فى فترة الخطبة.
أما إذا تم الزواج، فإن الأمر يقتضى مزيدا من التريث قبل طلب الطلاق، خصوصا إذا تعلقت المسألة بالاشتباه فى أنه على علاقة عاطفية بأخري، ففى الغالب يعود إلى زوجته الأولى من تلقاء نفسه، مدركا قيمتها، ومقدرا تضحيتها من أجله، فالزوج يشبه «شريط المطاط»، إذ يبتعد إلى أقصى مدى ممكن قبل أن يرتد باندفاع إلى ما كان عليه، وهذا التشبيه هو أصدق تلخيص للدورة العاطفية للرجل، فعندما يحب امرأة يحتاج إلى الابتعاد عنها من حين لآخر قبل الاقتراب منها مرة أخري، ويكون هذا الابتعاد لإشباع حاجته إلى الحرية والاستقلال، وقد يلجأ إلى الصمت، وهنا يجب التمييز بين عقلى الذكر والأنثي؛ فإذا كان عقل الأنثى يميل إلى التعبير أكثر؛ فإنَّ الذكر يفضل الصمت أحياناً، وهو ما تراه الزوجة إهمالاً، ولذلك عليها إدراك أنَّ العقل الذكورى يميل إلى الصمت أكثر من ميله إلى الكلام، وعلى الرجل أن يدرك هو الآخر أنَّ الأنثى تحتاج إلى الكلام، ولذلك عليه أن يتواصل معها بصورة ترضيها، ولكن للأسف فإنكما افتقدتما هذه الفلسفة التى كان من الممكن أن تساعدكما على الاستمرار معا فى حياة مستقرة.
ومع الإقرار بأن ما فعله زوجك السابق بانخراطه فى علاقات غرامية غير مبررة، فإن التجسس على هاتفه المحمول أو تفتيش أغراضه الشخصية بلا إذن منه لا يصح أبدا، وكذلك الحال بالنسبة لك، فلا يفتش متعلقاتك، وليس لأحد أن يتجسس على الآخر، وكلما قامت علاقة الزوجين على التفاهم، والتراحم، والتعاون، والثقة، وإحسان الظن، والتجاوز عن الهفوات، كان ذلك أدعى إلى التجاوز عن الأخطاء دون إطلاع الآخرين عليها، والنصيحة المثلى فى مثل هذه الظروف هى إغلاق كل مدخل للشيطان يفسد من خلاله الحياة الزوجية؛ وقد روى مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه، وبين امرأته - قال - فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت»، وليعمل كل زوجين بالآية الكريمة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» (الحجرات 12)، ولا يعنى ذلك ترك الحبل على الغارب، فيفعل كلا الزوجين ما شاء، إنما نتحدث عن أن القاعدة هى الثقة، ولكن إذا كانت هناك أدلة وقرائن على السلوك غير السوي، فذلك شأن آخر، ولا يدخل فى باب الشك.
أما عن تدخل والدة مطلقك فى حياتك بتوجيهه وتحريضه ضدك، فهو أمر غير مقبول، فتدخل الأم فى حياة ابنها الزوجية لا عذر ولا مبرر له، وعليها أن تدع له المسئولية والاستقلالية عنها، والاعتماد على نفسه فى تربية أبنائه وحل مشكلاته الزوجية، والواقع أن الأزواج وحدهم هم من يسهمون فى خراب حياتهم الزوجية عندما يسمحون لأحد بالتدخل فيها، وخاصة أمهم كنوع من البر بها، لكن ردعها لا يعنى عدم طاعتها أو تقديرها، فكل زوجة تريد حياتها الخاصة بعيدا عن تدخل الآخرين، وإذا كان لابد من تدخل الأم، فيجب أن يكون تدخلها لمصلحة أسرة ابنها كتقويم سلوك أحفادها أو توجيه ونصح زوجة ابنها لا أن تقلب حياته رأسا على عقب، وبالتالى تخسره وهو يخسر نفسه وحياته دون أن تشعر أن لها يدا فى ذلك.
إن حياتك مع مطلقك، ما كان لها أن تستمر، ولا يمكن أن تعود مرة أخري، فاطوى هذه الصفحة من حياتك، وابدئى حياة جديدة، ولكن إياك أن تفكرى فى الزواج، وآثار طلاقك مازالت داخلك، أو أن تتزوجى بآخر، وأنت تحملين المشاعر والحب لمطلقك حتى لا تنهار حياتك، وتفقدى نفسك، وفقك الله، وسدد خطاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.