يبدو أنه ليس لدينا فى مصر ما يردع البعض عن أن يدّعوا لأنفسهم كذباً، وعلى شاشات التليفزيون المملوك للدولة، أنهم خبراء فى موضوعات معقدة هم أبعد ما يكونون عن الإلمام بها، لأنها تحتاج إلى دأب عمر كامل فى الدرس والمراجعة، فى حين يتضح من كلامهم أن علمهم وخبرتهم لا تزيد على ما يعرفه البسطاء الذين يتابعونهم، بل إن أقوالهم لا تخرج عما تنشره الصحف السيّارة، كما أن قنوات التليفزيون تساعدهم بالترويج لهم على الشاشة بما يشجعهم على التمادى، بل وعلى توسيع نشاطاتهم! أنظر فقط إلى الصفة التى تلحق باسم أحدهم على الشاشة فى أثناء حديثه بأنه (خبير فى الشئون الأوروبية)! هكذا، كل الشئون! يعنى أنه يمكنه البت فى تاريخ أوروبا وصراعاتها البينية ومع الخارج، وتسليحها، واقتصادها ونظمها التعليمية وأوضاع مدارسها وجامعاتها، والصحة والرياضة..إلخ! وهناك من يزيد على هذا بأنه (خبير فى الشئون الدولية)! وإضافة إلى هذا وذاك، هناك: بتاع كله! (بصوت العبقرى توفيق الدقن)، ويتحدث هذا بثقة من له القول الفصل فى قضايا تتراوح بين ارتفاع أسعار البطاطس والطماطم وحتى تظاهرات أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وقرار ترامب بالإغلاق الجزئى للحكومة، إلى المنافسة على هدّاف الدورى الانجليزى، وترجيحاته بين صلاح وأوباميونج وكين..إلخ. هؤلاء الضيوف يردّون الجميل على الهواء مباشرة بالإفراط فى مدح المذيعات والمذيعين والمعدات والمعدّين، بالإشادة بذكائهم وحُسن تجهيزهم للبرامج..إلخ، وهكذا تبدو السعادة على وجوه الجميع بالرضا عن الإنجاز الذى يحققونه! ربما تكون المهارة الوحيدة لهؤلاء الضيوف أنه لا يخرج عنهم ما قد يتسبب فى أى مشكلة لمن يستضيفونهم، بما يمنحهم الأولوية فى الاستضافة على الخبراء الحقيقيين فى القضية المطروحة، لأنه من الوارد، ومن الطبيعى، لمن يفهم فى موضوعه ألا يتطابق رأيه بالضرورة مع ما هو سائد. وكان المفتَرَض أن ينال هذا النوع من الاجتهاد والاختلاف تقديراً خاصاً وأن يُنظر إليه على أنه مفيد فى عرض وجهات النظر المختلفة بما يثرى الحوار العام ويعود بالنفع على عموم المشاهدين.