النيابة العامة تتابع حالة الطفلة "حور" وتقدم الدعم لها    الإفتاء تكرم المفتين السابقين وأسر الراحلين في احتفالها بمرور 130 عامًا على إنشائها    البابا تواضروس: نعمل معًا من أجل تمجيد اسم المسيح.. والكنيسة تختتم احتفالات 17 قرنًا على مجمع نيقية    صعود جماعي لمؤشرات البورصة المصرية بختام أولى جلسات الأسبوع بتداولات 5.7 مليار جنيه    خطة مشتركة بين اللجنة القومية لإدارة الأزمات وشبكة أرايز مصر لتعزيز جاهزية الاقتصاد الوطني    أردوغان: تركيا تقيّم كيفية نشر قوات أمن ضمن قوة الاستقرار في غزة    نتنياهو: إسرائيل عازمة على العمل لتحقيق أهدافها في كل زمان ومكان    ديوان نتنياهو: استهدفنا رئيس أركان حزب الله في قلب بيروت    "القاهرة الإخبارية": الغارة الإسرائيلية ببيروت أسفرت عن عدد كبير من الضحايا شهداء ومصابين    صفقة واشنطن وتل أبيب.. تسريبات ب«ضوء أخضر» لإسرائيل في لبنان مقابل إنهاء حرب غزة    محاضرة فنية أخيرة من عبد الرؤوف للاعبي الزمالك قبل لقاء زيسكو    طلاب ذوي الهمم بجامعة أسيوط يحصدون 22 ميدالية في بارالمبياد الجامعات المصرية بالإسكندرية    وكيل تعليم شمال سيناء يعقد اجتماعا لمتابعة الاستعدادات لامتحانات الشهادة الإعدادية    مركز المناخ بالزراعة يحذر من أمطار تصل لحد السيول يومي الأحد والاثنين    تأجيل محاكمة 80 متهم ب " خلية الأسر التربوية " التابعة لجماعة الأخوان الإرهابيية    زيارة المتاحف .. بين الأخلاقيات والوعى والتربية    توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء محطة لإسالة وتموين الغاز الطبيعي المسال بالقناة    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    إبراهيم بن جبرين: برنامج شركاء الأندية بكأس الرياضات الإلكترونية حقق نموا حقيقيا لنادي تويستد مايندز    ضبط 7 متهمين بخطف واحتجاز شخص فى التجمع الأول    الداخلية تشارك الأطفال الاحتفال بيومهم العالمي بزيارة لقطاع إدارة النجدة النهرية    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    نقابة الإعلاميين توقع بروتوكول تعاون مع مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    إسلام كابونجا باكيًا: بتحاسب على فيديوهات قديمة وآسف لو سمعتكم كلمة وحشة    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    الفنانة التونسية عفاف بن محمود تحتفي بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان القاهرة.. ماذا قالت؟    وزارة الصحة: لقاح الأنفلونزا هام لكبار السن لحمايتهم من العدوى    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يستقبل سفير قطر لبحث تعزيز التعاون الصحي المشترك    تزايد القلق داخل ليفربول بعد السقوط أمام نوتنجهام فورست بثلاثية نظيفة    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    قصف إسرائيلي يستهدف سيارة في عيتا الشعب جنوبي لبنان    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    سباليتي يعترف بتأخره في الدفع بالتبديلات أمام فيورنتينا    مواعيد الاجازات.. بالرابط تفاصيل التقييمات الأسبوعية للمرحلة الابتدائية لتعزيز مهارة الطلاب    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    «غرق في بنها».. العثور على جثة شاب أمام قناطر زفتي    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    «سويلم» يتابع منظومة الري والصرف بالفيوم.. ويوجه بإعداد خطة صيانة    أنواع الطعون على انتخابات النواب.. أستاذ قانون يوضح    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكومة والذوق العام

في حديثه لمجلس الشعب قال وزير المالية الدكتور محمد معيط إن لدى الحكومة خمسة ملايين موظف ليس لهم كراسي ليجلسوا عليها. التصريح فيه مبالغة مقصودة لإظهار التكلفة الباهظة اللازمة للاحتفاظ بجهاز حكومي ضخم كذلك الذي لدينا. موظفو الحكومة لديهم كراسي يجلسون عليها، لكنها كراسي قديمة متهالكة لأن الموازنة لا تسمح بشراء كراسي جديدة مريحة. إذا كان موظفو الحكومة لا يجدون لأنفسهم كراسي مريحة يجلسون عليها، فليس من المتوقع أن يجد المواطن الذي تجبره الظروف لزيارة مكتب حكومي كرسيا يرتاح عليه حتى إنهاء معاملته، فيضطر المسكين للبقاء واقفا كالمتسول أمام مكتب الموظف الجالس على الكرسي المتهالك.
أنا لا أتحدث عن «أليس في بلاد العجائب»، فهذا هو ما نمر به غالبا في كل مرة نذهب فيها لقضاء مصلحة في مؤسسة حكومية. لا أتحدث عن مكاتب المصرية للاتصالات التي نجت بنفسها، فخرجت من الحكومة وتحولت إلى شركة تقدم خدمة فائقة الامتياز، وإن كان كبار السن منا مازالوا يذكرون السنوات الطويلة التي كنا نقضيها في قوائم الانتظار لتركيب خط تليفون, والسنترالات التي كنا نقضي فيها الأيام الطويلة من أجل التعاقد ودفع الفاتورة والإبلاغ عن عطل. أنا أتحدث عن التأمينات الاجتماعية والمعاشات، ووزارة الأوقاف والتربية والتعليم ومكتب العمل والسجل المدني والمحليات, وغيرها الكثير من الوزارات والمصالح الحكومية. إنها الأماكن التي ستجد فيها الكراسي المتهالكة التي تحدث عنها وزير المالية، والتي ستجد فيها طبقات التراب تغطي كل شيء، والتي ستلاحظ فيها أن المكان لم يتم كنسه منذ شهور، ودليلك على ذلك هو حجم الأتربة والمخلفات الموجودة على الأرض وفي الأركان؛ وهي نفس المكاتب التي ستجد فيها أكواما لا حصر لها من الدوسيهات المتهالكة المتربة على الأرفف وفوق الدواليب. هذا هو ما تراه بمجرد الزيارة العادية وبالعين المجردة، وليس عندما تقوم بجولة تفتيشية لمكتب من هذه المكاتب. لن أسألك إن كنت قد جربت مضطرا أن تزور دورة المياه في مصلحة حكومية، فيا لها من تجربة مريرة. أذكر أياما عملت فيها بالتليفزيون، وأذكر الموقف العصيب الذي كنا نواجهه عندما كان الضيف الأجنبي الزائر يحتاج للذهاب لدورة المياه, وعندها كان علينا أن نكافح حتى نعثر على مفتاح دورة المياه الوحيدة الصالحة للاستخدام الآدمي، والتي كانت مخصصة لاستخدام رئيس القطاع الذي كان يقاوم مشاركة الآخرين امتيازاته الخاصة, وهي المقاومة التي كانت تلين عندما كان الرجل يتبين أن الأمر يتعلق بسمعة مصر.
لدينا في الحكومة عقول جبارة وكفاءات نادرة وواجهات مشرفة، لكن أغلب المواطنين لا يلتقون بهذه القامات الرفيعة، ولا يزورون الأماكن التي يعمل فيها أصحاب القامات. المواطنون يتعاملون فقط مع ملايين الموظفين الجالسين فوق الكراسي المتهالكة، وبالنسبة لعموم المواطنين فإن هؤلاء الموظفين وكراسيهم المتهالكة هم الحكومة، وهي صورة غير صحيحة لا يجوز الإبقاء عليها.
مكاتب الحكومة، باستثناء القليل جدا، هي أماكن غير صالحة للتعامل الآدمي، لا للموظفين العاملين فيها ولا للمواطنين المتعاملين معها، والتبعات المترتبة على هذا أكبر بكثير جدا من المعاناة التي يتحملها الموظفون والمواطنون في هذه المكاتب. لا أتوقع من موظف يعمل في هذه الظروف أن يكون سعيدا أو راضيا، ولا أتوقع منه بالتالي أن يعمل بحماسة تتناسب مع توقعات الشعب ووعود الحكومة وعظمة التحديات التي تواجهنا.
على قد فلوسهم, عبارة شائعة لتبرير تكاسل الموظفين عن العمل بكامل الكفاءة والحماس والطاقة طوال ساعات العمل المطلوبة منهم، ولكني أشك في أن الأجر المنخفض هو السبب في تراجع أداء الموظف الحكومي. على قد مكاتبهم, عبارة تشرح بشكل أفضل أسباب عدم الكفاءة ونقص الهمة وإهدار الوقت. نعم، أنا أتحدث مرة أخرى عن أولوية جودة الحياة على مستوى الدخل. في العمل بعد اقتصادي يتعلق بالأجر، وقد يكون منخفضا, وفيه بعد آخر يتعلق بالكرامة والرضا عن الذات واحترامها، وهي الأشياء التي تتولى بيئة العمل غير الآدمية هدمها. فمكان العمل غير النظيف والكراسي المتهالكة ودورات المياه ذات الرائحة العطنة، كل هذه الأشياء تشير إلى أن الحكومة التي تولت تجهيز مكان العمل هذا لم تقم بعملها كما ينبغي، وليس من المنطقي أن يعمل الموظفون بكفاءة تزيد على كفاءة صاحب العمل الذي يوظفهم.
أماكن العمل ليست مجرد مساحات يعمل فيها الناس، إنما هي أيضا رسالة قوية للعاملين فيها عن نوعية الأخلاقيات والتصرفات والألفاظ ومدى ارتفاع صوت الحديث والضحكات ونوعية النكات والملابس ومستوى الكفاءة وسرعة الأداء ورائحة ونوعية الطعام المسموح بأكله فى أثناء وقت العمل. هل تتوقع أن ترى موظفا يضع في رجله «شبشب زنوبة» في مكتب للمصرية الاتصالات أو في أحد البنوك؟ هل تتوقع أن تشم في أحد مكاتبهم رائحة الثوم النفاذة تنبعث من ساندويتش الباذنجان؟ إنها بيئة العمل تحدد المسموح والممنوع، حتى لو لم تكن هناك لوائح تنطق بذلك. الناس في بلادنا على دين حكوماتهم، وإذا كانت الحكومة ترضى لموظفيها بأماكن العمل هذه فإن موظفي الحكومة لن يرضوا للشعب بأفضل من ذلك. هل من المنطقي أن نتوقع من المسئول عن نظافة الحي أن يقوم بتنظيف الشارع إلى مستوى أفضل من المكتب الذي يعمل فيه؟ هل تتوقع منه أن يحرص على نظافة جدران المباني وبهاء ألوانها لتصبح أزهى من الجدران الكالحة لمكتبه في مبنى الحي الذي يعمل به؟
عندما تضع الحكومة موظفيها في بيئة عمل تحكمها معايير متواضعة، فإنها بذلك تحدد المعايير المقبولة في المجتمع كله، فيتولى الموظفون نشر هذه المعايير المتواضعة في أنحاء الوطن, وهؤلاء ليسوا قليلين، إنهم جيش من خمسة ملايين موظف يجلسون على كراسي متهالكة؛ وفي إصلاح ظروف عمل هؤلاء إصلاح للذوق العام ومعايير الأداء وأخلاق العمل في مصر كلها.
لمزيد من مقالات ◀ د. جمال عبدالجواد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.