حفظ أسرار الزوجية له أهمية كبرى فى بناء الحياة الأسرية السعيدة باعتباره قيمة أسرية شرعية واجتماعية وأخلاقية، لذا حظر الشرع الشريف على كلا الزوجين التحدث عنها والكشف عن مستور هذه العلاقة، خاصة أنها ذات طبيعة خاصة مبنية على الامتزاج والميثاق الغليظ ودوام الألفة. ومعنى السر هو ما يكتمه صاحبه ويحرص على إخفائه وعدم ظهوره، وقد يكون فعلا أو قولًا أو وصفا أو حالا من الأحوال، وقد يكون مالًا أو مواقف، وقد يكون غير ذلك. وتنشأ الأسرار والأمور الشخصية بين الزوجين مع بداية تكوين حياتهما الأسرية، ثم تزداد مع مرور الأوقات والمواقف التى يبوح فيها كل طرف بمكنوناته وخباياه للآخر فى محبة ومودة، وهو تسليم فطرى يصحبه ثقة واطمئنان فى تهيئة جو السكن والحب لهذه الحياة على أقوى ما يكون من المودة والرحمة؛ وفى ذلك يقول الله تعالي: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) النساء: 21. وقد اعتبر الشرع الشريف وأقر بأن للأسرار حرمة وللبيوت صيانة من عبث أهل الفضول ونكاية أهل الشر، حيث نهى عموم المسلمين عن التجسس وتتبع العورات وفحص الأخبار للوقوف على الأسرار والخبايا، كما فى قولِه تعالي: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) الحجرات: 12. وفى خصوص الزوجين شدد الشرع الشريف فى منع كُلٍّ من الزوجين من إفشاء خصوصيات الحياة الأسرية قطعًا لذريعة ادعاء أحدهما أن ذلك من حقه باعتبار خصوصية نفسه؛ وذلك لما فيه من إضرار للطرف الآخر وانتهاك لحرمته وكرامته وخيانة أمانته، وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضى إلى امرأته، وتفضى إليه، ثم ينشر سرها» صحيح مسلم. وهو إجراء ناجع، ووقاية مبكرة من حدوث أحد أسباب انتشار ظاهرة الطلاق فى الوقت الراهن، وهو إفشاء الأسرار الزوجية والشئون الخاصة للأسر؛ نظرًا لما يترتب على ذلك من تداعيات كبرى كتصدع العلاقة الزوجية، والسماح للأهل والأقارب بالتدخل بما قد يؤدى إلى وقوع الأذي، وتهديد كيان الأسرة واستقرارها وكشف أسرارها، وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فى بَيْتِهِ» سنن الترمذي. بل أكد الشرع الشريف ما يجب أن يسود العلاقة الزوجية من تعامل الزوجين بالتفاهم وحسن الظن تجاه بعضهما وعدم تتبع أسراره وما قد يصاحب ذلك من التنصت والتفتيش حول الخصوصيات، حيث عدَّ ذلك سلوكًا عدوانيًّا سيئًا لتضمنه انتهاك الحرمة والخصوصية، وفى ذلك يقول الله تعالي: (ولا تجسسوا) ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ»(سنن أبى داود)، ومن المعلوم أن الحقوق الزوجية متقابلة، فالرجل مطالب بأن يكون أمينًا على بيته وأسراره، وكذلك المرأة مطالبة بأن تكون أمينة على بيتها وأسراره. وبذلك أحاط الإسلام بنيان الأسرة بجملة من القيم الأسرية التى تضمن لها الصفاء والسكن والمحبة، وتحافظ على أسرار أفرادها وكرامتهم أمام الآخرين حتى وإن كانوا أقارب للزوجة أو الزوج؛ لأن الأمور الزوجية من شأنها أن تطوى ولا تحكي، ففى إشاعتها فساد عظيم، وقد جاء فى المثل السائر: «البيوت أسرار». لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية