► البصيرة العلمية والإلمام بمستجدات العصر شرطان رئيسيان للمجدد ► نستفيد من الخبرة المصرية فى تأهيل المفتين والتعامل مع المستفتين أكد الشيخ السيد عبد الله رفقى آل الشيخ، أمين عام دار الإفتاء بدولة جزر القمر، أن الوعى السليم ونشر الثقافة الدينية الصحيحة يسهمان فى التجديد الديني، لاسيما تجديد وضبط الفتوى، وتضييق الخناق على غير المتخصصين ومواجهة أدعياء العلم. وأوضح آل الشيخ أنه لا يوجد فى بلاده الفكر المتشدد والتكفيرى لاعتماد المنهج الوسطى فى الدعوة، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرة المصرية فى الإفتاء خاصة فى تأهيل المفتين عن بعد وطرق التعامل مع المستفتين، وتحصين النشء والشباب ضد الأفكار المنحرفة مثل التطرف، والمحافظة على تماسك الأسرة، وذلك عن طريق البرامج التى تنفذها دار الافتاء المصرية. وفى حوار ل «الأهرام» قال أمين عام دار الإفتاء بجزر القمر إن بلاده تطلب الدعم العلمى والمادى من مصر عامة والأزهر على وجه الخصوص، والى نص الحوار. كيف يكون التجديد فى الفتوى من وجهة نظر فضيلتكم؟ بداية أريد توضيح أن معنى لفظ «الفتوى» أو «إفتاء»، هو التجديد بعينه، بمعنى أن الفتوى التى يطلبها المستفتى، ليست حكما شرعيا جامدا منقولا من كتب السابقين، بل لابد أن تراعى زمان ومكان وواقع وحال السائل، أما عن كيفية التجديد فى الفتوى، فذلك يجب أن يمر عبر عدة محاور، أولها وأهمها من يقوم بعملية التجديد، وأعنى هنا المفتى أو عالم الدين أو المتخصص فى ذلك الشأن، وهذا لابد له من شروط تتحقق فيه حتى يكون قادرا ومؤهلا لإصدار الفتوى، والمحور الثانى يخص المستفتى الطالب للسؤال والفتوى، إذ عليه أن يعلم ويعى أهمية الفتوى وما يسأل عنه وخطورته، وهذا يجعله يبحث عن أهل التخصص ولا يذهب إلى أدعياء العلم، فإذا ما لقى المؤهل للفتوى لا يخفى شيئا عمن يستفتيه، حتى يأخذ الحكم الصحيح، ثالث المحاور يتمثل فى ضرورة وجود بيئة مهيئة تساعد المستفتى على سهولة ويسر الحصول على الفتوى من مصدرها السليم والمعتبر شرعيا، مثل انتشار لجان الفتوى من الجهات الرسمية بمختلف المدن، واستخدام الوسائل الحديثة فى ذلك الأمر، وتطويع وسائل التواصل الاجتماعى لخدمة الفتوى الصحيحة، ونشر الثقافة الدينية الصحيحة، حتى يتم التجديد بالفعل وتضبط الفتوى ويضيق الخناق على غير المتخصصين وأدعياء العلم. وما شروط المجدد؟ أبرز هذه الشروط تتمثل فى أن يكون المجدد مدركا لمستجدات العصر وأحوال الناس، ولديه البصيرة العلمية، وعلى دراية كاملة بالمنهج العلمى الصحيح فى تنزيل الحكم الشرعى واستنباطه من الأدلة الشرعية، ويملك القدرة على التواصل مع أفراد أهل زمانه بمختلف فئاتهم وأعمارهم وثقافتهم، بالإضافة طبعا إلى الشروط الأصلية فيمن يقوم بعملية التجديد، مثل العلم والفقه والدراسة العميقة، والتعلم من المؤسسات الدينية والعلمية الرسمية المعتمدة فى ذلك الشأن، وعلى رأسها بالطبع الأزهر الشريف وما يتبعه من مؤسسات كدار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف. ماذا يمثل الأزهر بالنسبة لكم؟ شعب جزر القمر بمختلف أطيافه ومؤسساته وحكومته، ينظرون إلى الأزهر الشريف بمصر ومؤسساته العلمية التابعة له على أنه كعبة العلم والعلماء، ويكفى أن أقول لك إن جميع خريجى الأزهر هم من يتقلدون المناصب الرفيعة لدينا، وهم من يقودون النهضة الدينية فى بلادنا، فمفتى جمهورية جزر القمر من خريجى الأزهر الشريف، وأيضا بعض السفراء والوزراء، لذا دائما نحن بحاجة الى دعم مصر على العموم والأزهر على وجه الخصوص فى كل المجالات، لذا أناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن ينظر إلى دولة جزر القمر نظرة خاصة، فنحن نعتبر أنفسنا جزءا لا يتجزأ من الوطن العربى ومصر، كما أطلب من الأزهر زيادة عدد البعثات التعليمية لشباب جزر القمر. وماذا عن طلاب جزر القمر فى مصر، وبعثات الأزهر لبلادكم؟ الطلاب الوافدون من جزر القمر للدراسة بالأزهر عدد لا بأس به، لذا ومن خلال جريدتكم الغراء أناشد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بأن يجدد مساعدته المادية والمعنوية والعلمية بزيادة المنح التعليمية المقدمة لأبناء جزر القمر، وفى الوقت نفسه إرسال بعثات علمية من الأزهر الشريف إلينا، حيث إن جزر القمر تدين بالفضل بعد الله سبحانه وتعالى، الى وجود خريجين من الأزهر الشريف فيها. التعليم الأزهرى حدثنا عن مدى تأثير التعليم الأزهرى فى بلادكم؟ بالطبع له دور إيجابى كبير ومؤثر فى نشر التدين المعتدل والفكر الإسلامى الوسطى، ويكفى أن أقول لك إن جميع الذين يتلقون التعليم من بلادنا فى الأزهر الشريف، لا يسببون لنا أى مشكلات أو قلاقل، إنما المشكلات تأتينا من بعض من يتلقون تعليمهم من غير مؤسسة الأزهر وخارج بلادنا، حيث يتأثرون بالفكر المتشدد ويحاولون نشره فى البلاد، ولكن والحمد لله، تمسك الشعب لدينا بالمنهج الوسطى المعتدل يحصنه ضد الفكر المتطرف. وما دور وطبيعة عمل دار الإفتاء فى جزر القمر؟ وهل يوجد تعاون مع نظيرتها بمصر فى ذلك الشأن؟ دار الإفتاء فى جزر القمر تعتبر أكبر جهة دينية رسمية فى البلاد، فهى تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، وتشرف على النشاط الدينى فى أنحاء جزر القمر، بجانب إصدار الفتاوى التى تمس حياة المسلمين، وإرشادهم فى الأمور الدينية، فدار الإفتاء فى جزر القمر يتعدى دورها هذه الوظيفة التقليدية الأساسية، فتقوم أيضا بمهمة الإصلاح بين الأفراد والعائلات وتتوسط فى حل الخلافات بين مختلف أفراد المجتمع، وغيرها من المشكلات الاجتماعية، والوقوف الى جوار المحتاجين والمحافظة على كيان الأسرة واستقرارها، خاصة فى الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وما يستتبع ذلك، ودائما ما يتم التعاون والاستفادة بخبرة دار الإفتاء المصرية سواء فى تدريب من يقومون ويتصدرون للإفتاء لدينا، أو من خلال التعاون والدعم فى استخدام الأسلوب العلمى والوسائل الحديثة فى التعامل مع جمهور المستفتين، وتفكيك الفكر المتطرف وتحصين الشباب والنشء ضد الأفكار المنحرفة، خاصة أن دار الإفتاء المصرية رائدة فى هذا المجال، كما نحرص كل الحرص على الحضور والمشاركة فى مؤتمرات الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف فى مصر. التيارات المتشددة حدثنا عن المذهب المعتمد فى بلادكم، وهل توجد لديكم تيارات دينية متشددة؟ وما أحوال اللغة العربية لديكم؟ جزر القمر دولة صغيرة، والحمد لله، غالبية الشعب مسلم، ونتبع مذهب أهل السنة والجماعة، ونتبنى فى الفقه مذهب الإمام الشافعى لكن نحترم جميع المذاهب الأخرى فى إطار أهل السنة والجماعة، إلا أن المذهب الشافعى هو المعتمد لدينا، وهو ما نتعبد به الله، وبفضل الله، لا توجد لدينا جماعات إرهابية أو تيارات دينية متشددة، وذلك لأن الوسطية هى المنهج المعتمد، والذى عليه عامة الشعب، ويرجع هذا إلى الجهود الدينية التوعوية المستمرة لنشر صحيح الدين بين جميع شرائح الشعب، واضطلاع الدعاة بدور كبير داخل المجتمع، رغم أننا لا نعفى أنفسنا من التقصير، ولكن نحاول بذل الجهد قدر المستطاع، فالوعى الدينى السليم يشكل حصانة لدى شبابنا من الانجراف خلف الفكر المنحرف بمختلف أشكاله، أما اللغة العربية فتعد إحدى اللغات الرسمية لدينا، بجانب لغتنا المحلية «القمرية» واللغة الفرنسية، وهى لغة التعليم والدواوين الحكومية، ونسعى لتعزيزها ودعم حضورها داخل المجتمع. أخيرا.. كيف ترون وتقيمون مؤتمر الإفتاء الذى عقد بمصر منذ وقت قريب وشاركتم فيه؟ وهل تحقق الهدف من تنظيمه؟ بلا شك، حقق المؤتمر هدفه، فانعقاد المؤتمر يتزامن مع الصراعات والمشكلات فى دول كثيرة بالعالم، وانتشار فوضى الفتوى، حيث تجد من يفتى بمذهبه ومن يفتى حسب بلده، والإفتاء لا يكون هكذا، وإنما يكون بالكتاب والسنة والفقهاء واجتهاد العلماء المتخصصين، فمثل هذه المؤتمرات تحقق التشاور والتباحث فى إشكاليات وتطوير أساليب الدعوة على وجه العموم، وتجديد الفتوى على وجه الخصوص، كما أن المؤتمر حقق أهدافه بجمع شمل علماء الأمة من جميع بلدان العالم، لمناقشة ما يطرأ على الساحة من قضايا ومستجدات، ومحاولة وجود حلول لها وكيفية التعامل معها.