فى كل التفسيرات...تبدو ثمانى سنوات مجرد فترة قصيرة فى عرف الزمن، وإن كان هذا لا ينفى وصفها بالسنوات المؤثرة الهادئة.. أما وكيف يؤثر الهدوء الذى ما عهدناه يصنع شيئا، فهذا ما تؤكده حكاية أكمل الدين إحسان الأكاديمى والدبلوماسى الذى يعتمد مبدأ التناغم والتوافق واستطاع عبر محاولات دءوبة مثابرة تسجيل نقطة وصول مهمة للجمع بين بلاد المسلمين. حدث هذا فى الواقع القريب، فجزء من قصتنا بدأت أحداثها فى انتخابات الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامى عام 2004التى كانت تخوضها ثلاث دول عبر ثلاثة مرشحين من بنجلاديش و ماليزيا و تركيا التى فازت فى النهاية بمقعد الأمين العام للمنظمة. جدير بنا أن نتوقف قليلا عند هذه المنظمة، فقد ولدت فى الخامس العشرين من سبتمبر عام 1969 لتنسب مبكرا لأول مؤتمر يعقد فى الرباط يجمع القادة المسلمين عقب حريق المسجد الأقصى الشهير ولتنضم الدول تباعا و تلتقى فى هذا الكيان الذى أصبح لسان حال المسلمين فى العالم. كانت لحظة فاصلة شاركت فيها مصر التى أضفت أبعادا سياسية و دبلوماسية كما شاركت فى سياسة الأمين العام الذى انطبعت تحركاته بتوازن و دبلوماسية حاذقة. السبب أن الأمين العام أكمل الدين إحسان تركى الأصل ومصرى المولد والتربية والتنشئة، فهو من مواليد 26 ديسمبر عام 1943 فى حى الحلمية الجديدة، حى المتعلمين والمثقفين أمثال المؤرخ أحمد تيمور باشا والكاتب أحمد زكى باشا، ونضيف إليهم والده محمد إحسان أفندى التركى الذى جاء إلى مصر ليحصل على الشهادة العالمية من الأزهر الشريف. كان بيته فى حقيقة الأمر بيتين أحدهما يطل على شارع سنجر الخازن والأخر على شارع إلهامى باشا، وكانت مهمة الإبن أكمل إحضار صحف ومجلات مصر كل صباح وعلى رأسها جريدة الأهرام. فالوالد محمد إحسان حريص على متابعة عمود «ما قل ودل» للكاتب أحمد الصاوى محمد رئيس تحرير الأهرام فى بداية الخمسينيات، والأبن أكمل حريص على متابعة مجلة السندباد التى كان يحررها محمد سعيد عريان بكل شخصياتها و تعليقاتها المصرية. حتى إذا ما أطلت سنوات الشباب، يتشبه بوالده ويصبح قارئا للأهرام ومتابعا لمقالات الأستاذ هيكل فى بيت لا يختلف عن أى بيت مصرى، التحق إبنه بالمدرسة لتستهويه العلوم ويضطر مثل غيره لإعادة إمتحان مواد فى الثانوية العامة تسربت لظروف سياسية، ليقرر الالتحاق بكلية العلوم ويتتلمذ على أيدى العلماء د. محمود حافظ رئيس المجمعين العلمى ومجمع اللغة العربية ود. عبدالحافظ حلمى وغيرهم، ويحصل على الماجستير بتفوق. لم يكن هذا كل ما حققه فى شبابه «المصرى»، فقد عمل فى دار الكتب بديلا عن والده الذى رحل مبكرا، وقدم كتابين إلى المكتبة العربية هما» القصة القصيرة التركية» الذى كتب د.ثروت عكاشة أشهر وزراء ثقافة مصر مقدمة له، ومسرحية «حكاية حب» للشاعر التركى الكبير ناظم حكمت، لتنشر الأهرام أخبار اعنهما فى صفحتها الأخيرة « بدون عنوان». ثقافة المسلمين بعدها يسافر إلى تركيا لمتابعة شأن عائلى، فيجد ما يؤهله لتأسيس مركز أرسيكا فى اسطنبول للمحافظة على فنون وحضارة وتاريخ العالم الإسلامى. كان هدفه الأساسى بعد الحصول على الدكتوراة و الاستاذية فى تاريخ العلوم أن يضع حدا للأحكام المسبقة عن تاريخ العالم الإسلامى عبر حوارات ومؤتمرات فى أوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا والقوقاز وجنوب آسيا. كان الأسلوب حياديا منحه فرصة تعارف كبرى أهلته لأن يصبح يوما أمينا عاما للمنظمة التى هى دبلوماسية وسياسية فى الأساس، والتى تضم وتتعامل فى الأساس أيضا مع كثير من هذه البلاد. كل شئ أصبح جاهزا، الخبرات تطول منصبه كأمين عام فتتبنى المنظمة التعاون الإسلامى، وتنشأ هيئة مستقلة لحقوق الإنسان ضمن برنامجها العشرى، وترتفع التجارة البينية بين الدول الإسلامية، وتصدر برامج خاصة لأفريقيا كمبادرات لتصنيع وتسويق القطن، وتخرج قوانين خاصة بعدم ازدراء الأديان، ويبحث جديا فى تمكين المرأة وإقامة خطوط سكك حديدية بين البلاد لتسهيل التعاملات التجارية، وتقدم الاقتراحات لجمع البلاد الاسلامية فى كيان علمى وثقافى كبير، ويدفع بالكثير من المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة. لم يكن وحده، كان معه عطاء المنان بخيت الذى أصبح وزير الدولة للشئون الخارجية بالسودان، ود.على أكبر صالحى رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وعزت مفتى وعبدالله عالم السياسيين السعوديين، والسفير مهدى فتح الله ممثل الدبلوماسية المصرية، ود.عطاء الرحمن أشهر علماء باكستان. وقبلهم مهاتير محمد ونبيل العربى وسليمان ديمريل الذين ساندوا تحديث ميثاق المنظمة التى لم تطرأ عليها تغيرات الحياة منذ السبعينيات. صارت المنظمة مواكبة لفكرة أن التعلم لابد وأن يكون نوعا من الالتزام الاجتماعى لنتقدم بمستوى التعليم الجامعى فى التخصص وبناء كوادر ذات مستوى رفيع علمى وتكنولوجى. العلم فريضة إسلامية، والابتعاد عن تسييس الدين هدف، والاعتدال قوانين يجب أن تتحلى بها الدول قبل الشعوب. ثمان سنوات انتهت لتبدأ مرحلة أخرى فى الحياة وإن وصفت بأنها مرحلة سياسة داخلية وترتيب لأفكار وخوض لانتخابات فى تركيا، ولكن أبدا لم يتغير أكمل الدين إحسان، الذى يبلغ عامه الخامس والسبعين هذا الشهر ولا يزال يحرص على أن يأتى إلى مصر، وأن تأتى مصر إليه عبر كتب ومقالات ومشاركات. فمازال ذاكرا لمصر ومواطنا من الحلمية الجديدة يقرأ ويكتب ويعلق على كل صغيرة وكبيرة تحدث فى بلاد المسلمين. فأفضل ما يعتقده أن الإنسان مهمة وإختيار.