منذ أن أعلنت أنجيلا ميركل استقالتها من رئاسة أكبر الأحزاب الألمانية توقعت جميع الدوائر السياسية أن أيامها على كرسى المستشارية باتت معدودة.، وأن رحيلها عن الحياة السياسية يبدو أمرا محتوما لا مفر منه، فبدأ المناوئون لها فى إعداد العدة للإجهاز عليها وإزاحتها من السلطة. ولكن يبدو أن هؤلاء الذين انتظروا سقوطها منذ الضربات المتلاحقة لحزبها وخسارته العديد من المقاعد فى انتخابات الولايات الألمانية الأخيرة بسبب سياستها الرحيمة تجاه اللاجئين لم يدركوا أن ميركل ليست شخصية عادية ولا سياسية تقليدية، بل هى بالفعل امرأة استثنائية لا تتكرر كثيرا فى عالم السياسة والحكم.. كما أنها لم تحتفظ بلقب «أقوى امرأة فى العالم» على مدى ثمانية أعوام وفقا لاستطلاعات الرأى التى أجرتها مؤسسات عالمية مثل مجلة «فوربس» الأمريكية وغيرها من فراغ، بل بكاريزما وقوة شخصية وذكاء سياسى حاد لن تجده بسهولة بين صفحات التاريخ. بالفعل وكما أكد المراقبون كان الصقور من المعارضين لها داخل الحزب الديمقراطى المسيحى يعولون على فوز فريدريش ميرتس برئاسة الحزب والذى لدية ثأر قديم مع ميركل بعد أن أزاحته من رئاسة الكتلة البرلمانية وحلت مكانه قبل 8 سنوات وابعدته تماما عن الحياة السياسية..وبالطبع حال فوزه سيصبح من المستحيل بقاء ميركل على رأس الحكومة. ولكن بالأمس القريب صوت حزبها على اختيار رئيسة جديدة خلفا لها وهى أنجريت كرامب كارنباور والتى ألقت بفوزها طوق نجاة للمستشارة ميركل لتنجو من سيناريو إزاحتها من رئاسة الحكومة والذى كان سيحدث بالتأكيد حال فوز ميرتس. وهنا يقول المراقبون أيضا إن خسارة فريدريش بفارق ضئيل عن كارنباور لا يصب فى مصلحة ميركل، حيث عكس التصويت أن هناك تيارا كبيرا داخل الحزب وصل إلى 49% كانوا يسعون لخسارة كارنباور المعروفة بقربها للمستشارة الألمانية ويعتبرونها امتدادا طبيعيا لها وإنها ستعمل على بقاء ميركل فى قيادة الدولة، وهو ما حدث بالفعل حيث قرر الحزب عقب إعلان النتيجة استمرار ميركل على كرسى المستشارية لنهاية مدتها فى 2021. ليس ذلك فحسب حيث أيد بقاءها أيضا الحزب الاشتراكى الديمقراطى الشريك فى حكم البلاد مع الحزب المسيحى الديمقراطى، حيث قال أمينه العام لارس كلينجبايل فى تصريحات لصحيفة شبكة «دويتشلاند» الألمانية إن اتفاقية الائتلاف الحاكم سارية مع الرئيسة الجديدة للحزب المسيحى الديمقراطى كرامب كارنباور وأن هذا القرار دون أى تحفظات أو اعتراضات. ولكن نجد من ناحية أخرى بعض الأحزاب تتجه للمطالبة بحل الائتلاف الحاكم الذى تترأسه المستشارة ميركل، حيث قالت سارة فاجنكنشت رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب اليسارى فى تصريحات صحفية إن انتخاب كارنباور أفضل من اختيار ميرتس، ولكنها أكدت فى الوقت نفسه أنه لا يمكن إحداث تحول اجتماعى مع الحزب المسيحى الديمقراطى بزعامة رفيقة ميركل وناشدت الحزب الاشتراكى عدم مواصلة الحكم مع الاتحاد المسيحي. وأيدها فى ذلك ولكن بطريقة مختلفة كريستيان لندنر رئيس الحزب الديمقراطى الحر حيث قال فى تصريحات صحفية إنه على الرغم من فوز كارنباور فإن أغلبية أعضاء الحزب كانوا يطالبون بإستراتيجية أخرى ويقول المراقبون هنا أن تصريح لندنر عكس وجود رغبة قوية لدى بعض الأحزاب فى رحيل ميركل وتغيير الإستراتجية الخاصة بسياسة اللاجئين. أما حزب الخضر كان فقد كان من أكثر الأحزاب إدراكا لما كان يحاك ضد المستشارة حيث أبدى يورجن تريتين سعادته بفوز كارنباور وقال «لا تعبثوا مع ميركل!» بينما توقع حزب البديل الشعبوى من أجل المانيا استمرار كارنباور على نهج ميركل تجاه اللاجئين، وأعرب ألكساندر جاولاند رئيس الحزب عن ارتياحه من نتيجة الانتخابات وقال فى تصريحات صحفية إن كارنباور هى امتداد لميركل من كل الوجوه وإنها شريكة فى تحمل مسئولية سياسة اللجوء. ولكن بعض المراقبين لهم رأى مختلف حيث توقعوا أن كارنباور سيكون لها حظ وإستراتيجية مختلفة عن ميركل وسيكون لها بصمة مختلفة تؤهلها لاعتلاء كرسى المستشارية بعد رحيل المستشارة. ولكنهم يؤكدون فى الوقت نفسه أنها لن تعرقل خطط ميركل فى الحكومة وسوف تدعمها للاستمرار على رأس الدولة وسيعملون بانسجام وتوافق خلال الفترة المقبلة.. وتوقع المراقبون أن تستمر الرئيسة الجديدة للحزب المسيحى الديمقراطى فى دعم سياسة ميركل تجاه اللاجئين حيث كانت شريكة لها فى طرح مبادرة الباب المفتوح عام 2015 بل إنها قالت حرفيا إن المانيا بلد هجرة ولكنها طالبت ان تكون بشكل منظم يعالج أخطاء الماضى. ولكن صحيفة بيلد الألمانية الأوسع انتشارا أكدت أن «ميركل الصغيرة» وهو الوصف الذى أطلقته على كارنباور لا تتفق تماما مع مسار المستشارة بالكامل. وقد استشهدت الصحيفة بتصريحاتها عام 2017 حينما طالبت بضرورة إجراء اختبارات طبية موحدة على المهاجرين الشباب للتحقق من سنهم. وإنشاء مراكز لترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم، كما أنها تؤيد فرض حظر العودة مدى الحياة فى منطقة شنجن على المجرمين الذين ارتكبوا مخالفات وهو الطلب الذى أثار حفيظة المستشارة أنجيلا ميركل حينها. ولكن رغم هذه التصريحات التى أطلقتها كانباور فإن لديها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه يتعلق بالحق فى اللجوء وانه على ألمانيا احترام دستورها الذى يعطى الحق فى استقبال اللاجئين ورعايتهم. لقد تأكدت جميع القوى السياسية الآن أن المرأة الحديدية مستمرة فى قيادة البلاد حتى انتهاء فترة ولايتها الطبيعية عام 2021، وأن حزبها سيظل يدعمها فى مواجهة المعارضين لسياستها بل إن خططها نحو اللاجئين والتى كانت سببا فى استقالاتها من رئاسة الحزب لن تتأثر وسيتم تنفيذها رغما عن الحالمين برحيلها.