المُوفَّقُ، حقًا، من يجعل شعارَه في الحياة: شكرَ الله تعالى؛ فيعمر نهاره، ويضيئ ليله، بتلك العبادة؛ متوجهًا بها لربه، سواء على: رحمةٍ تُبارِكُ حياته، أو عافيةٍ تُبهِجُ نفسه، أو رزق يُطَيِّبُ عيشه، مرددًا: "الحمدُ لله"، فإنه لو لم تكن من نعمة من الله، سبحانه، سوى رحمته، أو عافيته، أو رزقه؛ لكفى بها نعمة. لقد وعد الله، تعالى، الشاكرين بالمزيد، وتوعد الكافرين بالعذاب الشديد، مخبرًا أن الشُّكر سببٌ في بقاء النِّعم، وزيادتها؛ فقال، عزَّ مِنْ قائل: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ".(إبراهيم:7) قال البغوي: "تَأَذَّنَ" أَيْ: أَذَّنَ، وأَعْلَمَ.. "لَئِنْ شَكَرْتُمْ" نِعْمَتِي، وآمنتم.. "لَأَزِيدَنَّكُمْ" فِي النِّعْمَةِ.. "وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ"، نِعْمَتِي فَجَحَدْتُمُوهَا.. "إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ".. أضاف الواحدي: "تهديدٌ بالعذاب على كُفران النِّعمة". إن الشكر عبادة ترفع قدر الشاكرَ عند ربِّه، وقد ربط، سبحانه، بينه وبين عبوديته، وأبان أن شاكريه الحقيقيين هم أهل عبادته، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ".(البقرة: 172)، وقال: "فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ".(النحل: 114). وفي قوله تعالى: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ". (سبأ: 13). نلاحظ استخدام تعبير "عِبَادِي" للدلالة على غامر رحمة الله، وثنائه على "الشاكرين"، وشرف مكانتهم لديه. أما الطريق للوصول إلى هذه المكانة، فهو الذكر والشكر، وقد جمع بينهما الله سبحانه وتعالى، فقال: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ". (البقرة: 152). قال الواحدي: "المعنى: (فَاذْكُرُونِي) بالطَّاعة، ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ بالمغفرة". وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "المعنى: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي؛ أذكركم بمعونتي". ولدى الحسن البصرى فإن الله يذكر من ذكره، ويزيد من شكره، ويعذب من كفره. في هذا الصدد يرى ابن القيِّم أن: "مبنَى الدِّين على قاعدتَين: الذكْر والشكر، فذِكْرُه مستلزم لمعرفته، وشُكْرُه متضمنٌ لطاعته.. فثبت بما ذُكِر أنَّ غايةَ الخلق والأمر أن يُذكَر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وهو، سبحانه، ذاكرٌ لِمَن ذكرَه، شاكرٌ لمَن شَكَره، فذِكْره سبب لذكْره، وشُكره سبب لزيادته مِن فضْله". والعافية مع الشكر خير من البلاء مع الصبر؛ وقد قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلى فَأَصْبِرَ".(منهاج القاصدين). وختامًا، العجب، كل العجب، ممن لا يشكر الله، سبحانه، على الرغم من عائد الشكر بالأساس على نفسه. جاء في القرآن عن سليمان، عليه السلام، أنه: "قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ".(النمل: 40). فاللهم اجعلنا لك ذكَّارين، لك شكَّارين، لك مطواعين، إليك مخبتين، أواهين، منيبين. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد