* هناك بلدان عربية تعيش «رجة» تاريخية تحتاج لإعادة النظر فى بناء الدولة الوطنية * أنا مع ما يخدم الدولة.. ومن يستخف بها عدوى حلمت بأن أكون المليجى العملاق فى «الأرض»
نعيش الآن صدمة تاريخية عنوانها الأخطار التى تهدد وتتربص بدولة الاستقلال ومكاسبه.. فهناك من القوى المفتعلة تاريخيا «إخوان، إرهاب، إسلام سياسي...» لا ترى مصالحها فى الدولة الأمة ولا المواطنة بل فى مفهوم قديم اسمه الخلافة الإسلامية والرعية.. التاريخ دائم المضى إلى الأمام ولن يعود إلى الوراء.. الحتمية تقتضى منا مواصلة البناء والتطوير. لهذا الحوار حكاية ، إذ كان مقدرا أن يتم عقب عرض فيلم «فتوى» فى تونس ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج السينمائى، ويومها لاقى استقبالا كبيرا لما تميز به موضوعه الجرىء فكرا ورسالة والذى يحذر من خطر ومخاطر الإرهابيين. ويومها قابلت الفنان المصرى فتحى عبدالوهاب وخرجنا من أجواء المهرجان وتحدثنا ومن كانوا معنا حول «فتوى» وقيمته وجرأته، وفوجئنا بدخول بطل الفيلم التونسى الفنان أحمد الحفيان المكان نفسه الذى كنا نجلس فيه وتعارفنا وهمس لى أحدهم بأن «الحفيان» ليس مجرد ممثل وإنما مثقف وصاحب رأى فهذه الجملة تلخص عقلية هذا الفنان الذى توج وفيلمه بالجوائز . واتفقنا يومها على إجراء حوار ولكن لم تسمح الظروف به، ثم مرت الأيام وكان «فتوى» من بين الأفلام التى عرضت فى آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائى. وكما فى قرطاج التى حصل فيها الفيلم على جائزة التانيت الذهبى وحصل هو على جائزة أحسن ممثل توج فى مهرجان القاهرة بجائزة أفضل فيلم عربى. وبعد تتويج الفيلم من مهرجان القاهرة كان واجبا أن نتحاور مع الفنان التونسى صاحب الرأى والرؤية أحمد الحفيان، وإليكم نص الحوار: دوافعك لقبول بطولة فيلم «فتوى» هل نابعة من قوة ورسالة العمل ضد التطرف والإرهاب أم أن الشخصية الفنية هى التى دفعت لقبوله؟ سبق أنى تعاملت مع المخرج محمود بن محمود فى سنتى 2010و2011 فى فيلم «الأستاذ» وكانت تجربة مهمة فى مسيرتي. ثم تكررت فى شريط «فتوى» فلم أتوان عن القبول. كيف لا والعمل مع محمود بن محمود فيه متعة بكل المقاييس أولها الشخصيات وبناؤها المتماسك وحبكة السيناريو إضافة إلى ذوق راق فى الإخراج. وهو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى عمل فيه التزام اجتماعى وسياسى وكذلك مصداقية ترقى بمستوى المتفرج المواطن وبالتالى كل أسباب النجاح فى هذه المغامرة متوافرة. والمطلوب هو التركيز والتحضير الجيد و ذلك ما كان. وأنا سعيد وفخور بالتجربة الثانية مع المخرج والمؤلف محمود بن محمود. تطرف الابن ومن ثم قتله وهما محور الفيلم وما تلاه من رحلة الأب فى البحث عما حدث ،هل ترى ان الأب والأم هما المسئولان عما حدث لابنهما بسبب سفر الأب وانشغال الأم فى عملها السياسي؟ فى هذا الفيلم كان التناول الإنسانى للشخصيات أهم من التناول الاجتماعي. وجوابا عن سؤالكم أقول: فى هذا الفيلم الرسالة والصرخة الإنسانية هى: «كيف لنا ألا نضيع بعضنا بعضا فى زحمة أحداث وعالم مجنون..» فعلا فى هذا الفيلم نبه الكاتب والمخرج إلى خطر البعد النفسى عن الأقارب أكثر من البعد الجغرافي. ففى تغاضى الوالدين المطلقين عن حياة ولدهما «وهنا لا اقصد الرقابة أو الحشرية كما تقولون بالمصرى» ولكن انعدام المواكبة للابن فى تطوره كأنه نوع من التخلى عن هذا المشروع المواطنى الذى تحيط به الأخطار المحدقة ومن أهمها التطرف الدينى والعنف. هل ترى أن من إيجابيات الفوضى التى حدثت فى تونس وبعض البلاد العربية أنها أظهرت على السطح كل وجوه التطرف؟ الذى نعيشه فى بعض البلدان العربية هو أكثر من أن نوصفه بفوضى، بل هو رجة تاريخية مهمة كان لا بدّ منها لإعادة النظر فى بناء الدولة الوطنية دولة الاستقلال، كما عاشت أمتنا صدمة الحداثة فى أواخر القرن التاسع عشر كذلك نعيش الآن صدمة تاريخية أخرى عنوانها الأخطار التى تهدد وتتربص بدولة الاستقلال.. ومكاسبه وأسباب استمرار الدولة ،وفى هذا السياق هناك من القوى المفتعلة تاريخيا «إخوان، إرهاب، إسلام سياسى ...» لا ترى مصالحها فى الدولة الأمة ولا المواطنة، بل فى مفهوم قديم تجاوزه التاريخ اسمه الخلافة الإسلامية والرعية، بينما التاريخ دائم المضى إلى الأمام ولن يعود إلى الوراء و بالتالى الحتمية تقتضى منا مواصلة البناء والتطوير لما سبق أن ضحت من أجله أجيال سابقة من أجل دولة الاستقلال. وهنا أجد نفسى كمواطن عربى تونسى أؤكد أنه لا ولاء إلا للدولة و مؤسساتها وليس للأحزاب والتلوينات السياسية. فكل من يخدم و يطور الدولة هو منى و أنا منه و كل من يستخف أو يخرب الدولة هو عدوى التاريخى. و شرف لى أن أتخندق فى المواطنة والدولة. هل حصول الفيلم على الجائزة الذهبية فى قرطاج يؤكد وقوف الدولة ودعمها للأفلام التى تناهض الإرهاب؟ وهل حصوله على جائزة أفضل فيلم فى قسم آفاق السينما العربية فى مهرجان القاهرة يؤكد الدعم العربى للفيلم ورسالته فى مواجهة الإرهاب؟ السينما مرآتنا التى نرى فيها أنفسنا .والدعم من الدولة للسينما فى تونس هو تماشى طبيعى مع حاجة المجتمع إلى صورته وأحلامه الإنسانية. لذلك لا تقصر وزارة الشئون الثقافية فى تونس فى دعم الإنتاج السينمائي. و هنا تطفو على السطح المواضيع الإنسانية التى تثير التساؤلات فى حق أنفسنا. فى هذا الإطار ينزل «فتوى» لمحمود بن محمود. الموضوع خطير و يمس كل العائلات العربية. و بالتالى هذا الفيلم لم يكن مرآة محلية تونسية صرفة بل تخطى ذلك إلى أشقائنا العرب والمسلمين وهم أكثر الناس اكتواء بآفة الإرهاب من أى شعوب أخري. ولكن الأهم فى الفيلم أنه يصور تفاصيل السلوك الإنسانى أمام هذا الخطر الرهيب المتربص بالعالم وهذا سر نجاح الفيلم وما زال مرشحا إلى عديد من الجوائز فى قادم المهرجانات. أغلب الأدوار والأعمال التى شاركت فيها تحمل بعدا سياسيا فهل هذا مقصود منك؟ لقد تربيت فى نوادى السينما فى بلدتى، وبالمناسبة أحيى من خلال منبركم الإعلامى الجامعة التونسية لنوادى السينما فهى التى ربتنا كجيل على أفلام تعد علامات فارقة فى تاريخ السينما العربية وكذلك العالمية. «الأرض» ليوسف شاهين وأداء الممثلين وخاصة العظيم محمود المليجي. كل أفلام صلاح أبوسيف وعاطف الطيب ورضوان الكاشف. إضافة إلى الواقعية الجديدة الإيطالية وكل الأفلام الملتزمة سياسيا. لقد تربينا فى هذه النوادى على أن السينما حرية تعبير وحلم وكذلك مسئولية والتزام بقضايا الإنسان والمجتمع. و شاهدت جان ماريا فولنتى العملاق الايطالى وقلت أريد أن أكون كما فولنتى فى «ساكو وفانزيتي» وكذلك حلمت بأن أكون كما العملاق محمود المليجى فى فيلم «الأرض». لك أكثر من عمل مع المخرج محمود بن محمود صاحب فيلم «فتوى» هل لأنه يستطيع أن يستفزك بأفكاره؟ العمل متعة ومغامرة جميلة مع محمود المواطن والإنسان والفنان المبدع. لدينا ما يجمعنا من الوعى السياسى و كذلك البحث فى أعماق الإنسان/ التونسى. وبالتالى العمل مع محمود هو تجذير لانتمائى التونسى العربى الذى أريد، رغم انى أعمل فى السينما الإيطالية والأوروبية عامة. لماذا قبلت ان تكون النهاية بهذه القسوة وهى ذبح الأب أيضا على أيدى الإرهابيين؟ لم أقبل نهاية معينة فحديثى مع المؤلف والمخرج محمود بن محمود كان فى الأداء الجيد لثلاث نهايات مختلفة ثم تركنا المسألة للتركيب الذى يعتبر كتابة ثالثة للفيلم «بعد السيناريو ثم مرحلة التصوير» وكان ما كان فى عملية التركيب النهائي. وهنا قسوة النهاية قد تكون صرخة إنسانية للمخاطر التى تحف بحياتنا اليومية وضرورة اليقظة من أجل الانتصار للحياة. هل هذه النهاية المؤلمة تؤكد استمرار الإرهاب أم كنت تفضل نهاية أخرى؟ النهاية بالنسبة لى ضمنيا هى إعلان انتصار للحياة و للإنسان. ففى قسوتها كانت ردة فعل أغلبها إيجابية من المشاهدين بعد نهاية الفيلم حيث خروج المواطنين من القاعات كان مفعما باليقظة من أجل الحفاظ على الحياة ومكاسب المجتمع والدولة والاستعداد للذود عنها و كان أغلب المواطنين يشكروننى على الأداء و يقولون «يا أحنا يا هم. ولن يمروا» وما أجمل هذا الوقع على المشاهد حين تحس انك أسهمت فى إيصال هذه الرسالة الوطنية السامية. وفى الختام وجه النجم التونسى رسالة قال فيها: كل الشكر والامتنان لهذه الفرصة الطيبة والأنيقة للحديث عبر هذا الصرح الإعلامى العربى العظيم، وهو شرف كبير لى أن أكون على صفحات جريدة الأهرام التى تتبنى القضايا الإنسانية. عاشت وعاشت تونس ولتحيا السينما التى تؤكد المواطنة الراقية.