يثار من وقت لآخر مدى جدوى المجانية فى الخدمات العامة مثل التعليم والعلاج وخاصة التعليم وقد نص فى الدستور المصرى فى المادة التاسعة عشرة من دستور 2014 على ان تكفل الدولة مجانية التعليم الالزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية، او ما يعادلها فى مؤسسات الدولة التعليمية وفقا للقانون. وقد نص دستور 2014 فى المادة الحادية والعشرين على المجانية فى جامعات الدولة ومعاهدها وفقا للقانون. ومن ثم حرص الدستور على أن يتم تنظيم المجانية بنصوص قانونية وفقا للقانون بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية بين فئات الشعب. وهذا يدل ويؤكد أن نصوص الدستور على المجانية جاءت بطريقة غير مطلقة بل بضوابط وقد ترك تنظيمها للقانون وقد فهم البعض, على غير صواب, بانه لا يوجد قيود وضوابط دستورية على مجانية التعليم وغيرها وأن تكون مطلقة للكافة وهم من يستحق ومن لا يستحق المجانية وأن الغرض من هذه المجانية هو أن يكون التعليم مجانا للجميع منهم القادر وغير القادر. وإذا راجعنا التجربة المجانية فى مصر بهذا المعنى فنجد أن هذا لم يحدث بل انقلب التعليم وأصبح مجانيا بالنسبة للدولة وغير مجانى بالنسبة للطلاب وأولياء الأمور وانقلبت الآية وفقدت مصر موردا أساسيا لتطوير وخدمة التعليم وتكلف الطلاب وأولياء الأمور أضعاف ما كان يمكن أن يدفع للدولة لتطوير التعليم. وكان من غير الطبيعى والمقبول وخاصة فى الجامعات أن يستخدم بعض الطلاب فى الجامعات سيارات فارهة ومع ذلك يتمتعون بالتعليم المجانى، هذا علاوة على ظهور دروس خصوصية ليست فقط فردية ولكن أيضا دروس خصوصية جماعية وهى التى أطلق عليها السناتر ويتكلف أولياء الأمور ايضا أضعاف المصاريف، ومن ثم لم تتحقق المجانية والعدالة الاجتماعية وفقدت الدولة جزءا كبيرا من مواردها. إن العدالة تقتضى أن يكون الدعم أو المجانية لمن يستحق أما عن دعم القادرين على حساب غير القادرين فهذا غير مقبول، وحتى القادر نفسه على استعداد لدفع تكاليف التعليم بدلا من دفع الدروس الخصوصية وإهدار طاقات الطلاب وملايين الجنيهات التى تصرفها الدولة على التعليم الذى لايعترف به الطلاب وأولياء الأمور خاصة أن القائمين على التعليم يروجون لضعف التعليم الحكومى وقوة الدروس الخصوصية، وذلك لأغراض شخصية والضحية فى النهاية هم أولياء الأمور. ولابد أن نعترف بأن سياسة الدولة الحالية هى الاهتمام بتطوير الخدمات ومن أهمها التعليم وأن تصل الى مستحقيها من خلال دعم غير القادر وعدم المساواة بين القادر وغير القادر بطرق عديدة خاصة ان الدولة نجحت فى الفترة الأخيرة إلى حد ما فى مواجهة دعم الوقود ودعم الكهرباء للقادرين، وكذلك فى سياسة التموين والبطاقات التموينية وغيرها لكى تكون الدولة سندا لغير القادر. ومن ثم يجب ان نستخدم نفس المعايير والضوابط التى تميز بين القادر وغير القادر لندعم الأخير بالمجانية التعليمية او غيرها فتتحقق العدالة. لابد أن نواجه إنهاك الدولة باستخدام الطرق الحديثة فى التكنولوجيا لكى نفصل بين مقدم الخدمة وطالب الخدمة، وكثير من الدول على سبيل المثال وصلت إلى درجة كبيرة لتطبيق التعليم عن بعد فى بعض مواد التعليم، وان يكون من خلال تنظيم وإعطاء المقررات والامتحانات بالطرق الالكترونية لكى تتحقق العدالة والمساواة. وأخيرا، لاستكمال المنظومة التعليمية وهى أساس التنمية والتقدم لابد من الاهتمام بالقائمين على العملية التعليمية ماديا وصحيا واجتماعيا وكل المتطلبات الحياتية لكى نقلل المعوقات العملية فى مواجهة الإصلاح التعليمى، وكذلك نشجع تطوير التعليم والاعتماد على النفس بما يعود بالنفع على بلدنا. لمزيد من مقالات ◀ د. نبيل أحمد حلمى