أمر وأنا فى طريقى للعمل على تمثال شامخ تتعاظم صورته أمامى كل يوم عند انعكاس ضوء الشمس على وجهه صباحا ومساء فى ذهابى وعودتي، فأحس بالشموخ والهيبة مردهما ليس تلك الهيئة فحسب بل ذلك العمل الخالد الذى رفع اسم صاحبه إلى درجة العشق من قبل المصريين. إنه تمثال الشيخ زايد آل نهيان فى مدخل المدينة التى تحمل اسمه فى مدينة6 أكتوبر. كنت وأنا صغيرة أسمع اسمه يتردد فى جنبات بلدى مصر مصحوبا بكلمة العظيم. وككل الأطفال لم يخطر ببالى أننى سأذهب إلى أرض زايد وأنا فى شرخ الصبا لأمثل بلدى فى الشعر فى الشهر الثقافى المصرى عام 2003م بأبوظبي. لم أكن أتوقع هذا الجمال الذى اشاهده من مبان شاهقة وحدائق ساحرة ونظافة لافتة. تكفل من صحبنى من المصريين المقيمين هناك بشرح يعلوه الحب والفخر بمنجز الشيخ زايد، مشيرا إلى أن الشيخ أمر بردم أجزاء من الخليج ليبنى عليها المدينة الحديثة حين وقفت المساحة عائقا دون ذلك؛ فمن يحب ويخلص يفعل المستحيل. لم تكن البنايات وحدها هى التى لفتت نظرى وإنما كان الإنسان الإماراتي؛ فأينما سرتَ تلمس الخلق الرفيع والحياء فى المعاملة والتفانى فى العمل وسرعة الإنجاز مع ابتسامة لطيفة تحيِّيك. وقد كانت لى مشاركة فى المركز الثقافى فى أبوظبي، ثم لقاء فى جامعة زايد فرع دبى وفرع أبوظبى (عبر الفيديو كونفرانس ).وقد لمست فى كل مكان حللت به شعبا يتسم بالخلق الرفيع. كانت تجربة الإمارات الثقافية والإبداعية تتعاظم وقتها، وتتألق بطرح جوائز منها: جائزة العويس، وجائزة زايد التى أصبحت مطمح كل رموز الوطن العربى من المحيط إلى الخليج، ثم جائزة أمير الشعراء فى أبو ظبى التى شجعت الشباب للعودة إلى الشعر تجويدًا وتجديدًا، فاستنفرت هذه المسابقة كل طاقات الشباب وملكاتهم الإبداعية فى أنحاء المعمورة للمشاركة، حتى إن موريتانيا حازت اللقب عدة مرات وأصبحت منافسا قويا كل عام، بالإضافة إلى جائزة دبى والشارقة الثقافيتين. وقد واكب ذلك جهاز إعلامى قوى ومتزن لنشر الثقافة ووضعها فى صدارة خطابه، لتكتمل المنظومة وتحقق هدفها المنشود. ثم كانت مبادرة بيوت الشعر التى أطلقها من الشارقة الشيخ سلطان القاسمي: ذلك المبدع العظيم لتنتشر فى ربوع الوطن العربى وبخاصة الأماكن المحرومة ثقافيا لتكون مراكز إشعاع حضارية وثقافية تُكْتَشف من خلالها المواهب الدفينة البعيدة عن الأضواء. هذه المبادرة تبنى الإنسان دون ضجيج؛ فمن يذهب إلى الشعر من فئة الشباب وغيرهم يستحيل أن يقع فريسة للانحراف أو الفكر الظلاميِّ الهدَّام. لقد كان لتلك المبادرات الثقافية الحقيقية على أرض الواقع أثر فى بناء الإنسان الإماراتي، ولم يقتصر استثمار الشيخ زايد على الجانب الاقتصادى وحده بل تعداه إلى مجال الثقافة والفكر ليتمتع الإنسان الإماراتى بالمنجز الحضارى والتكنولوجى المُؤَسَس له والقائم على جناحيْن من التعليم والثقافة. ونحن إذ نحتفل هذه الأيام فى مصر والوطن العربى بمرور مائة عام على ميلاد شمس زايد أقامت مؤسسة الأهرام احتفالية ضخمة دعت إليها كل رموز مصر محبة وتقديرا لدوره فى الوقوف بجانبها فى أزماتها. وعلينا ونحن نبنى مصرنا الجديدة، بعد النهوض من كبوتها واستقرار أمنها، أن نستلهم روح زايد فى بناء الإنسان تعليميا وثقافيا؛ «فمصر تستطيع» معتمدة على ماضيها العريق، ومتطلعة إلى مستقبلها القريب المجيد. وعليها أن تدعم المثقفين والمثقفين وتشجعهم ليكونوا حجر الأساس فى رواج السياحة الاقتصادية والثقافية كما فعل زايد فى تجربته الرائدة. لمزيد من مقالات شيرين العدوى