اسم جامع لكل معانى الانضباط السلوكى والأخلاقي، وهى نقيض الاعوجاج والانحراف والخروج على طريق الجادة، فإذا قيل: فلان مستقيم فهى كلمة جامعة لكل معانى الصلاح والانضباط دينيًّا وفكريًّا ومجتمعيًّا وسلوكيًّا، وقد سأل سيدنا سفيان الثقفى (رضى الله عنه) النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله، قل لى فى الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: بقل آمنت بالله، ثم استقما، ويقول الحق سبحانه وتعالى مخاطبا نبينا محمدًا (صلى الله عليه وسلم): بفَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ». ولأهمية الاستقامة فى حياتنا كان ذكرها فى فاتحة الكتاب التى يقرأها المسلم فى صلاته سبع عشرة مرة فى الصلاة المفروضة فقط كل يوم وليلة، داعيا ربه (عز وجل) فى كل صلاة فرض أو نفل: ااهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ«، والصراط المستقيم هو صراط الله (عز وجل)، حيث يقول سبحانه مخاطبا نبينا (صلى الله عليه وسلم): بوَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ». وجزاء المستقيمين عند الله (عز وجل) جد عظيم، حيث يقول الحق سبحانه: اوَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا«، ويقول سبحانه: بإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، ويقول سبحانه: بإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ». إنه لجزاء عظيم يرقى إلى درجة نزول الملائكة عليهم، فقد ذكر كثير من المفسرين أن ذلك يكون فى الدنيا قبل الآخرة ساعة الاحتضار، تتنزل عليهم الملائكة لتبشرهم وتطمئنهم ألا تخافوا مما أنتم مقبلون عليه وألا تحزنوا على ما خلفتم خلف ظهوركم، فأنتم وهم فى رعاية الله وعنايته وحفظه بنَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآَخِرَةِ». وحسبك بمن كان الله (عز وجل) وليّه، ألم يقل سبحانه: بأَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِى انْتِقَامٍ». على أن مفهوم الاستقامة لا يتجزأ، فلا يوصف بالمستقيم من استقام فى شئون العبادات، وقصر فى حقوق الناس فى باب المعاملات، كما لا يمكن أن يوصف بالاستقامة من حافظ ظاهرًا على الصيام والصلاة ولم يؤد حق العمل الذى كلف به، أو أخذ يتحايل على التفلت منه أو عدم الوفاء بحقه، أو عدم مراقبة الله (عز وجل) فيه. وهل يمكن أن يوصف بالمستقيم مدمن، أو عاق، أو غشاش، أو محتكر، أو كذاب، أو منافق، أو محتال، أو آكل للسحت، أو ظالم، أو نمام أو مغتاب؟! إن الاستقامة تعنى أول ما تعنى الوفاء بحق الله وحق الخلق وحق النفس، والتحلى بمكارم الأخلاق التى هى لب لباب الدين، والتى هى غاية بعثه ورسالة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) الذى قال ملخصًا الهدف الأسمى لرسالته: بإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاقا. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة