لم أسهر يوما لحشو أرغفة الفينو بالجبنة الرومى واللانشون وأستلذ بمتعة الأرق منتظرة الصباح لركوب باص الرحلات، لم أجلس طوال الليل أتحدث إلى صديقاتى هاتفيا للتخطيط للرمح والتمشية بعد المحاضرة غدا، ولما تزوجت لم أكن بكفاءة الأمهات اللاتى تدربن على اقتناص المتعه أينما كانت، فكنت أحاول وتبوء محاولاتى بالفشل دوما بنسيان أدق وأهم الأشياء شأن الذهاب إلى المصيف بلا فوط أو مايوهات وترمس الشاى والشبشب. فهذه الأمور لها محترفيها، أما أنا فقد كنت أمتلك معطيات المتعه لكنى لا أجيد استعمالها، أملك دراجة لكنها مخصصة فقط لجلب الاحتياجات والمشاوير، رغم انى قادرة على تحويلها إلى سفينة فضائية أحلق بها بعيدا، كنت أملك عروسة فقط لكى أبقى صامته تسكتنى عن الزن فى الخروج للعب مع بنات الجيران الوحشين -فى اعتقاد جدتى- كنت أستعملها للزينة على سريرى تدريبا على إجراء حوارات الفضفضة مع الكائنات البلاستيكية، بحديث صامت أهزى إليها وتنظر لى بامتعاض لأنى لم أمنحها ما خلقت لأجله وهو اللعب، ويطول الحديث حتى ينهار الصمت بيننا ونغفو. تربيت على أن أغفل المتعه.. أتجاهلها، حتى أن أسرتى يوم أن جلبت تلفازا لم يكن السبب ترفيهيا بل ردا لاعتبار أخى الذى قام أحد أصدقائه من الجيران باذلاله رافضا استضافته لمشاهدة المباراة، فقرر أبى بعنجهية كرامة الموظف ألا يمر النهار بدون تلفاز فى بيتنا، كانت الألولوية دائما للشقا، للعمل، للتفكير. مطحنة لازالت تهرس يومى حتى الآن، وإذا جربت اقتناص المتعة فدائما ما تذهب نصفها إلى دوامات التجهيز، أما النصف الآخر فيأكله الخوف، الخوف من عدة أمور تافة، من فشل التجهيز وخلل الترتيب، من الكوارث المفاجئة التى تعكر صفو التفكير فى أى متعة، الخوف من إبطال مفعول المتعه بغياب أحد الأطراف من أعمدة المتعة، من انطفاء لحظة المتعة، وربما من كثرة التفكير فى الخوف، هكذا تمر لحظات المتعة لدى، أعصابى تعمل كماكينة تكرير السكر. تخوفات لا حصر لها تدخل مطحنة الدماغ، وتهلك كما هائلا من بنزين الجسم والروح، حتى كرهت تدريجيا مجرد التفكير فى اقتناص وقت ولو قصير للمتعة، وهذا ليس بغريب على ابنه طبقة متوسطة ظلت تكدح للوصول إلى مستوى أعلى من المعيشة، فلم يكن فى بالها اقتناص وقت ترفيه قد يفسد عليها روتين أيامها المتعاقبة بالشقا والعمل، فكان تعريف المتعة فى قاموسها، ماهو إلا وقت متسع للراحة لشحن الطاقة قبل البدء من جديد، وحاشا لله أن يكون هذا الوقت استرخاء، فهذا المسمى لا يندرج فى قاموسنا، لأنه يعنى راحة البال والسلام الداخلى، الذى يستدعى تأملات ممتلكاتك من مقومات المتعة والتفكير فى نمائها، وبالطبع لا أملك هذه المقومات، ومع ذلك وبحكم الطبيعة الإنسانية لازلت أصنع شباكا لاصطياد المتعة، رغم أنى على يقين بأن العفن طالها، ولكنى أبحث عنها بلذة متعه الشقا. لمزيد من مقالات ناهد السيد