القطب الذى جاء من المغرب العربى ولم يشأ الحياة فى الاسكندرية مع غيره من الأقطاب وفى وادى النيل من هم فى حاجة إلى إرشاداته وتعاليمه.. وكان هذا هاتفا داخليا دفعه إلى السير إلى مدينة طنطا فى وسط الدلتا التى قضى فيها نحو 40 عاما.. والقطب هو أحمد البدوى الذى ولد عام 596 هجرية وتوفى عام 675 هجرية.. وقبل استقراره فى طنطا وكانت تنقلاته وحياته 39 عاما بين فارس ومكةالمكرمةوالمدينةالمنورةوالعراق وأسس أضخم مدرسة صوفية شهدتها مصر والعالم الاسلامى وكون طائفة من تلاميذه ومريديه. وفى بحث مشوق ومفصل للكاتب الصحفى الأستاذ أحمد أبو كف نلخص بعضه مما رجع فيه إلى المؤرخين والباحثين والدارسين لسيرة هذا القطب الذى سجلوا حياته وأعماله فى كثير من الكتب والدراسات. وتقول دائرة المعارف الاسلامية إن القطب أحمد البدوى عاصر فى مصر أقطابا كبارا أمثال أبى الحسن الشاذلى وسيدى إبراهيم الدسوقى وسيدى أبى العباس المرسى وسيدى أبى القاسم القبارى وسيدى عبدالله الشاطبى وكل هؤلاء شهدوا للبدوى بالولاية.. ويقول أحمد الشرنوبى فى كتابه (مناقب الأقطاب الأربعة) أنه أثر عن سيدى إبراهيم الدسوقى أنه قال عن السيد البدوى: (فضل الله علينا عم. كل الجماعة تبع والسيد عم) دارت الحياة فى طنطا حول السيد البدوى منذ أن نزل فيها ويتلهف على زيارة ضريحه الملايين من أبناء العالم الاسلامى.. وهذا القضب عاش عصرا مليئا بالأحداث فى مشرق العالم الاسلامى. شاهد الزحف التترى على بغداد وقتل الخليفة وحرق مكتبتها وانتشار الزعر بين المسلمين وكان ذلك عام 656 هجرية، كذلك وقبل زحف التتار على مصر شاهدت مصر حملة لويس التاسع بأسطوله الضخم الزاحف إلى دمياط والذى استولى عليها.. وهو فى طريقه إلى المنصورة. كما شهدت هذه الفترة انحسارا لدولة الاسلام فى الأندلس فى بداية القرن السابع الهجرى.. كما زالت دولة المرابطين فى المغرب. وفى هذا الجو الذى أحاط بالناس بدأ نشر الطرق الصوفية وقام بها أقطاب صالحون للوصول إلى الطريق القويم.. وكان البدوى أحد هؤلاء الأقطاب.. ويقول عنه الكاتب إبراهيم أحمد نور الدين فى كتابه عن هذا القطب انه رضى الله عنه اشتهر بقوة الروح وصفاء النفس.. وكان يؤمن كصوفى مظهرا ان الله يجيب الدعاء.. ولاسيما إذا كان الداعى من عباده المخلصين. وحياة سيدى أحمد البدوى تنقسم إلى قسمين أحدهما فى طنطا التى عرفت بذلك منذ أيام الحملة الفرنسية.. والآخر قبل أن يأتى إلى (طندتا) وهو اسم طنطا القديم منذ ميلاده وإلى أن جاء إلى مصر. أما تاريخ ميلاد البدوى ونشأته فالحديث عنها اليوم. يقول المؤرخون إن أجداد البدوى تركوا مسقط رأسهم فى الحجاز عام 73 هجرية بعد موقعة كربلاء واستشهاد جده الامام الحسين وكانت هجرة الكثيرين إلى غرب العالم الاسلامى الذى يشمل مصر والمغرب والأندلس. وقد ولد القطب البدوى عام 596 هجرية.. (1119 1200 ميلادية) فى مدينة فاس.. ورحلت أسرته إلى مكة وعمره 7 سنوات.. واستغرقت الرحلة من فاس إلى مكة خمس سنوات، وترجح الدكتورة سعاد ماهر أن الأسرة أقامت فى مصر أغلب هذه السنوات الخمس ويؤيدها على باشا مبارك فى ذلك، ثم رحل بالبدوى أبوه على بن ابراهيم مع أولاده وأهله سنة 603 هجرية يريد الحجاز للحج فى طريقه بمصر وأقام فيها مدة. وفى مكة تفقه البدوى على مذهب الامام الشافعى وأتقن العلوم وعكف على العبادة.. ووضع اللثام على وجهه كعادة مغربية فسمى بالبدوى. واستمر البدوى فى تأملاته وعبادته عدة سنوات فى شعاب مكة وجبالها، وأراد المزيد من علم أعلام الصوفية فى العراق والسيدين أحمد الرفاعى وعبدالقادر الجيلانى. ويقّول المؤرخون أيضا أنه توجه إلى موطن فاطمة بنت برى فى شمال العراق بناء على نداء باطنى أمره بذلك، ليقوم سلوك هذه المرأة.. وقد نسجت القصص والقصائد حول لقاء البدوى مع بنت برى، وهى سيدة كما وصفوها كانت تتمتع بقسط وافر من الجمال والمال، وكانت تمتحن من يريد أن يتتلمذ عليها بموضع الحسن الذى تتمتع من نفسها فيقع فيها من يطيل النظر إليها. وقد تجمع حول بنت برى أنصارها يؤازرونها فى مسلكها الخاطيء، وأطنبت المصادر فى لقاء البدوى مع بنت برى.. ولم تؤثر فيه وشعرت أنها أمام جبل شامخ من الصلابة والايمان، وعدلت عن خطتها والتزمت جانب الحق وأتبعت طريق الشرع.. وتقول هذه المصادر أن هذا اللقاء كان شهادة ميلاد السيد البدوى حيث تأكدت ولايته وصار قطب الأقطاب أعلى مراحل الصوفية. وبعد عودته إلى مكة رأى ذات ليلة فى رمضان عام 634 هجرية رؤية ألحت عليه ثلاث مرات تقول (سر إلى طندتا فانك تقيم بها وتربى رجالا) ووصل إلى المدينة عام 637 هجرية فى عهد الملك العادل الثانى، وقد أوشك على الأربعين من عمره.. ونزل بدار تاجر العسل والحبوب الشيخ ركن الدين ركين وظل عنده 12 عاما، وبعد وفاته انتقل إلى دار مجاورة هى دار ابن شحيط.. وقد ترك السيد أحمد البدوى كما يرى المؤرخون أثرا عميقا فى تاريخ مصر الدينى والاجتماعى والاقتصادى والفكرى قرونا عديدة. وقال الجبرى فى نهاية القرن 18 الميلادى عن الاحتفال بمولد البدوى.. أصبحت موسما وعيدا لايتخلفون عنه للزيارة والتجارة وتجتمع فى مولده العالم الاكبر وأهالى الأقاليم البحرى والقبلى. وتقول المصادر أيضا أن البدوى جعل من مريديه بمثابة (التوجيه المعنوي) فى الجيوش الحديثة وأن الكثير من أتباعه شاركوا فى مقاومة الغزو الصليبى قتالا وجهادا، وأسر لويس ملك فرنسا وكثير من جنوده وأبرزت الملاحم الشعبية بان السيد البدوى جاء بالأسرى.. وكانت الأغنية الشعبية «الله.. الله يابدوى جاب اليسرى». ولتسجيل تاريخ هذا القطب.. فإن أهم آثاره المعمارية هو المسجد الأحمدى فى طنطا فحين توفى السيد البدوى أقام تلميذه عبدالعال بجوار القبر خلوة تحولت فيما بعد إلى زاوية عُرفت بالأحمدية حتى عصر السلطان قايتباى 1483 ميلادية فأقيمت قبة على الضريح ومئذنة للزاوية. وفى عهد على بك الكبير حول الزاوية إلى مسجد، وكما تقول دكتورة سعاد ماهر أن على بك الكبير بنى فى عام 1768 ميلادية ثلاث قباب على المسجد أكبرها فوق ضريح السيد وواحدة فوق تلميذه عبدالعال، والثالثة فوق الشيخ مجاهد كما صنعت مقصورة نحاسية على ضريح السيد ونقش عليها اسمه ونسبه الشريف وأنشأ سبيلا فى مواجهة السيد وفوقه مدرسة لتعليم القراءة وقيسارية عرفت (بالغورية) لنزول تجارة القاهرة فى حوانيتها أيام مواسم المولد لبيع الأقمشة والبضائع. أما السيد الأحمدى الحالى فقد وضع أساسه عام 1269 هجرية 1852 ميلادية وتمت عمارته فى عهد الخديو إسماعيل، وأدخلت على عمارته بعض الشبابيك النحاسية ومحراب من الرخام الدقيق ومنبر جميل وفريد من الخشب المجمع.. وفى السبعينيات من القرن الماضى تم توسعة المسجد وأضيفت إليه منارتان.. ويحوى المسجد مخلفات السيد البدوى وفيها سبحة ألفية (ألف حبة) وعمامة بيضاء وقميص أحمر وعباءة من نفس اللون والنسيج.. وفى ركن من قبة السيد مايعرف بآثار قدمى الرسول صلى الله عليه وسلم. أما شعرة الرسول الموجودة بدولاب تحت قبة سيدى عبدالعال فيدو أنها حقيقية وتنتمى للشعرات الموجودة فى غرفة المخلفات بالمسجد الحُسينى. لمزيد من مقالات محمد مصطفى البرداعى