امتطينا صهوة الطموح والأحلام الجامحة, وانطلقنا صعودا فوق طريق مجدول من أشعة الشمس وبهاء القمر وأوراق شجر الغابات البكر, التي لم تطأها أقدام بشر, وعلي امتداد الطريق حاولت النجوم ترويض أحلامنا واندفاعنا الممهور بالعرق وإرادة النجاح والعناد, ومن جانبنا سعينا لترويض محاولات النجوم, وأخيرا وبحنان بالغ همست نجمة ساحرة الضياء في أذن صديق العمر ورفيق مشوار الحياة والكلمة وقالت له: ستكون أكثر حكمة وأخف ظلا من صديقك, فسألتها, وماذا عني؟ فأجابت مشفقة, ستبحر في قارب المخاطر, وستخوض في بحار الصراعات.. واقترحت النجوم أن نشرب من كأس الرضا, فشربنا. وسرنا إسماعيل وأنا والآمال تدنو لتبتعد, وتبتعد لتدنو, ولكن كانت أغاني السحابات الوردية وأناشيد شلالات الضياء تملأ الفضاء الذي نتحرك فيه, واخترنا منذ سنوات الصبا مهنة الكلمة, ومارسناها ونحن بعد مازلنا تلاميذ بالقرية, فأصدر هو جريدة حائط, وأصدرت مجلة مطبوعة وانتقلنا من مرحلة الهواية إلي ساحة الاحتراف, واختاره أنيس منصور ليكون محررا أدبيا, واحتضنه كل من علي أمين ومصطفي أمين, وما هي إلا شهور حتي أصبح أصغر العنقود في المجموعة التي تشارك كامل الشناوي السهر سبعة أيام في الأسبوع, وانفتح الطريق أمامه لينضم الي مجموعة الحكائين الظرفاء. واستقبلت ليالي القاهرة الحكاء الجديد الخفيف الظل, وما هي إلا سنوات حتي احتضنته العواصم والمدن العربية, بعد أن أصبح محررا للشئون العربية بالأخبار وعرف من الأسرار ما لم يعرفه غيره, بعد أن وثق فيه الحكام والمسئولون العرب, وطوال هذه السنوات كان يسعي لتحقيق حلم حياته, أي أن يكون كاتبا لليوميات, لم يكن يحلم بالمناصب ولا بالمسئولية. ومن موقف الاقتناع بمواهبه ككاتب متميز, اختاره موسي صبري للانضمام لكتاب اليوميات, في تلك اللحظة استعاد دعوات أمه له والقبلة التي طبعها أبوه علي جبينه في ليلة اكتمل فيها القمر بدرا وهو يدعو له. وواصل الكتابة الي أن سقط القلم من يده وهو في الطريق للقاء خالقه.