التعليم هو مشكلة كل بيت في مصر، لدرجة أنه أصبح كابوسا يطارد الأمهات في منامهن، وهو المسئول الأول عن توتر العلاقات بين الأبناء وذويهم، بسبب المنظومة التعليمية، التى تلقى العبئ الأكبر على الأهل فى البيت. سلوى إحدى الأمهات تشكو كل يوم من ثقل المناهج وغياب دور المدرس بدرجة كبيرة فى الفصل فيقوم الآباء بتدريس أولادهم ومساعدتهم في حل واحباتهم الثقيلة، وهو ما يحول الحياة في البيت إلى شبه جحيم يومي، وعلى المتضرر الاستعانة بالدروس الخصوصية!. صديقتى سلوى ذهبت لزيارتها يوما، وقبل أن أضغط على جرس الباب سمعت صراخا وأشياء أخرى، كذبت أذنى، لا يمكن أن يكون هذا صوت سلوى، واعتقدت أنه جهاز التليفزيون يعرض أحد مسلسلات الدراما لأم توبخ ابنتها على فعل شائن أو مصيبة ارتكبتها. ضغطت الجرس، فهناك موعد سابق بيننا، ولكنى جئت مبكرة بعض الشيى، فتحت سلوى. يا إلهى ما هذا: آثار معركة في أرجاء البيت. طاولة مقلوبة في المدخل، وكوب عصير مسكوب علي الأرض، وأوراق مبعثرة في كل مكان، ناهيك عن سلوى. إنها ليست صديقتي الهادئة الجميلة التي أعرفها على الإطلاق، لقد تحولت إلى مخلوق "زومبي". الشرر يتطاير من عينها، ووجهها شاحب، وقد ربطت رأسها بقطعة قماش، وفي إحدى قدميها فردة "شبشب" والأخرى مختفية. سألتها: سلوى فيه إيه؟، ردت: "أبدا عصبتني بغباوتها..."، قمت بمساعدتها لإزالة آثار العدوان في الصالة وأنا أكاد لا أصدق هذا المشهد وأتخيل ما حدث قبله وكيف كان سينتهى لو أنى لم أحضر لأنقذ الصغيرة من براثن أمها؟. تركتني دقائق وذهبت لأجد الصغيرة مختبئة خلف مقعد في الصالون، ناديتها: تعالى حبيبتى انت عملت إيه زعلتى ماما كده؟، ردت وهي تبكي بحرقة: يا طنط أنا بكره المذاكرة والمدرسة وكمان ماما!!... حد يقول كدة دي ماما بتحبك... لا دي وحشه بتضربتي كل يوم علشان أحل الواجب. دخلت علينا سلوى، بعد أن فكت الربطة الغريبة التي كانت تلفت بها رأسها، وأصلحت قليلا من شكلها واعتذرت لي عما حدث وبنبرة حادة قالت للصغيرة: روحي على "أوضتك" واعملي الواجب لوحدك واتفقلي بقى من العياط.. عنفت صديقتي بعد أن ذهبت الطفلة باكية إلى غرفتها، فما تفعله هو أكبر خطأ في حق البنت وحق نفسها أيضا. فليس بالضرورة أن تحصل على درجات عالية، ولكن الأهم أن تفهم ما تدرس وتجد من يرغبها في العلم. فالطفلة، وحالها ككثير من الأطفال، تذهب إلى مدرستها مكرهة وهي منحنية تحمل حقيبة فوق ظهرها بثقل وزنها لتقضي يوما طويلا مرهقا دون فائدة حقيقية.. ثم تعود إلى المنزل لتبدأ رحلة العذاب الثانية لها ولأمها على حد سواء. والسؤال: هل الأجيال القادمة التى تخرجها المدارس والجامعات الآن هم من سيبنون مصر فى المرحلة القادمة؟ لمزيد من مقالات جيلان الجمل