مُسَيَّرٌ إنسانُ أوطاننا بتقدير النظام العالمى فى اتجاه (عالمٍ جديد)، هكذا بشرتنا (وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايز) قبل أكثر من عقدٍ من الزمان، وعَمَّدَ بشارتها الواقع حينما بدأت أنظمةٌ فى الزوال عام 2011م، وتهاوى معها أوطانٌ بما تضم من إنسان وحضارات أسلافه، ثم كان أنْ بَلور الرئيس الأمريكى السابق (باراك أوباما) ومعه وزير خارجيته (جون كيري) ما سبقَ أن بشرت به (رايز)، حيث أكدا أننا على مشارف ميلاد (عالم جديد)، وعلينا كمواطنين ونحن نستقبله ألا ننزعج من مشاهد (الدماء)، فلا ميلاد بغير مخاض، ولا مخاض بغير آلامٍ وصراخ ودماءْ. هكذا اختصاراً يُبلور النظام العالمى موقفه من الإنسان والإنسانية فى مقابل السير نحو ما رصدت خطته من أهداف، وبالتالى يُصبح على كلٍ إنسانٍ فى هذا العصر أن يَتَنَبَه لمكمن الخطر المُحْدِق بالمصير الإنسانى فى تصورات إعادة تشكيل العالم الجديد، حيث إدارة عالمية تشكل وعيها عبر خريطة رقمية صِرفَة، يمثل الإنسان فيها رقمًا، وتُعادل الأوطان فيها مجموع أرقام، ولنْ يُضير تعداد الإنسان البالغ قرابة ثمانية مليارات نسمة إذا ما فقد فى أثناء إعادة تشكيل خريطته مليارًا! إن هكذا اختصار لواقع التهديد للوجود الإنسانى على كوكبنا، يُحَمِّل الإنسان المصرى مسئولية رفع راية الانتصار للإنسانية كلها، كَونُه مُنتسباً لحضارة من أقدم حضارات الوجود الإنساني، وكونه محملاٌ بإرث إنسانى قادر حال استنهاضه على تطوير جينات مقاومة عوامل الفناءِ والإفناء، وبالتالى يغدو الوعى المصرى الأصيل معنيا بالمصير، ومكلفا بالتَنَبُه لمُهَدِداتِه، ومنوطٌاً به تَنْبيه كلِ غافلٍ وإيقاظُ كل مُخَدَرٍ، وتذكير من نُسِّي، وإيناس كل ساهر على ثغرٍ الحماية. يستيقظ الوعيُ المصرى على متابعة حدثٍ عالمى هو (منتدى شباب العالم) فى نسخته الثانية، حدثٌ يفرض نفسه على واقع مسيرنا صوب الجمهورية الجديدة، وخطوة على طريق تلمُس أدواتٍ الحوار المباشر عبر تجريب أوليِّ لقدرات الإدارة على تفعيل طاقات الشباب بناءً وإثراء رؤى التطوير بأمانٍ واعدة ورؤى طازجة الحلم والأمل، حدث يُقدم مصِر الجديدة لوعى شباب العالم، ويمَثِل دعاية تفرش الكوكب لمصر التى تنشد استرداد المكانة. وبينما أنظار الدنيا ومصر تتجه صوب (منتدى شباب العالم)، تتحرك أدوات صياغة (العالم الجديد)، عربات رباعية الدفع نحو الهلاك، وأبدانٌ مسلوبة القرار فى الاندفاع صوب الإهلاك، ورصاصات مدفوعة صوب كل الإنسانية، تطارد رواد أحد بيوت الله فى الأرض، لتحصد أرواحًا أنهت لتوها صلوات محبة، وتسلبها الحياة لُتُعَمِد الدماء البريئة أرض جبل (القلمون)، بينما تسطر قيادات الشر بيانًا مذيلا بتوقيع (داعش) يتبنى مسئولية المذبحة. يُتابِع العالم بإعلامٍ له فى صنعته مآربُ أخرى غير نقل المذبحة، وتُعمِلُ وسائل التواصل الاجتماعى أدواتها فى معالجة المذبحة، ولها دومًا مآرب غير تلك التى تصل إلينا عبر شاشات الحواسيب والهواتف، ويصير على صائغ الرسالة الإعلامية الوطنية أن يتحمل مسئوليته فى المُعالجةِ للأحداث، بغير انفصال عن واقع مسير البناء فى زمن شيوع مخطط الوصول إلى (العالم الجديد). وهنا نصل إلى غاية التدبر فى مشهد معالجاتنا الإعلامية فى توقيت أمتنا شديد الحساسية، حيث يُصبح كلُ مكلفٍ بالإدارة أمام تحدٍ حقيقى لمعالجة كل المستجدات على الساحة، دونما طغيان لحدثٍ على آخر، وبغير تجاهل يفتح ثغراتٍ لفتن، ويخلق فجواتٍ بين المُكَلَف بالإدارة وصاحب السيادة، ولنا فى أهل الرباط بساحة أرض القدس السليبة الأسوة الحسنة، حيث يرابطون فى وجه المحتل بساحات الرباط بينما تتواصل كل مظاهر الحياة بناء، ففلسطينيوا الداخل على مدى عمر المحتل، استطاعوا أن يجمعوا بين جميع أدوات الفعل البناء والمقاوم مُطَوِرين من تكتيكات التمسك بالحياة. نعم نسير على درب وصول إنسان أوطاننا لمحطة (العالم الجديد)، بينما إيقاع المسير قاسى اللحن، موجع التقاسيم، موجوعَ العَزف، مُحَمَّل بعِلَلٍ تراكمت عبر عقود مريضة أمرضت بدن وطننا وإنسانه، وبالتالى يصير تنويع لحن البناء واجباً، ليصل مَنْ يبنى فيدعمه ومَنْ يتوجع فيطببه، ومَنْ يسهر حاميًا فيقوى ظهره ويشد عوده، وهذا فرض العين على صنَّاع وعى الوطن، حتى لا يتحقق مستهدف المتربصين بنا، وقد رفعت خططهم شعار (الأرض مقابل الزمن)، وباتت صناعة الفجوات بين صفوف مجتمعنا غاية هذه الاستراتيجية، ليُصبِحَ كلُ فِعلٍ مصرى مستهدفا، وكل فئة أو طائفة أو حتى عائلة فى مرمى نيران التخوين والتشكيك والإحباط، ويصير التساؤل المُفَتِتْ هو عنوانُ كل سؤال، وطول الزمن عامل قوة فى مصلحة كل متربص بوطننا، وغياب استراتيجية المعالجة الإعلامية المتنبِهة والمُنبهةْ يبقى (نقطة حرجة) فى مسيرنا نحو وطننا المنشود، وهنا يأتى دور الإدارة التى يجب عليها أن تراجع استراتيجيتها الإعلامية بحيث تملك أدواتٍ قادرة على سد كل فجوات مقصودة الصناعة فى خطط مقصودة وأحسبها مرصودة. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى