على مقهى معروف فى بورسعيد يتجمعون فى الصباح الباكر كما اعتادوا طوال سنوات عمرهم ونضالهم من أجل مدينتهم الباسلة ومصر كلها.. كبروا وتعبوا وللأسف لا يجدون ما يستحقون من رعاية وتقدير.. مجموعة من الشيوخ والرموز البورسعيدية يستعيدون ما شهدت مدينتهم من أحداث المقاومة والانتصار.والشهداء الذين جعلوا حياة قوات الغزو البرية والبحرية والجوية جحيما لا يطاق، جاءت الجيوش الثلاثة الغازية لتحاصر المدينة وتجعلها مدخلا للعبور إلى القاهرة وإعادة احتلال مصر.. أشعلوا النار حول المدينة من جميع أطرافها ومداخلها وحرقوا مستودعات البترول وكل ما على الشاطئ من كبائن ومنشآت وحرقوا أحياء بالكامل منها حى المناخ وقطعوا عنها المياه ليستسلم أبناؤها.. وفوجئ الغزاة بأنهم هم المحاصرون لا تستطيع قواتهم أن تخطو خطوة خارج المدينة التى خرج جميع سكانها شبابا وشيوخا ورجالا ونساء وأطفالا يحاربونهم ويجعلون بقاءهم فيها مستحيلا ويفرضون عليهم الفرار منها، ولترحل فى الخامسة من مساء الأحد 23 ديسمبر 1956 آخر القطع البحرية الإنجليزية، ويتحول اليوم المشهود إلى عيد للنصر.. وفى شهر نوفمبر كل عام تتجدد الذكريات ولكل يوم من أيام المعركة التى استمرت 47 يوما ذكرى وحادث وبطولة وانتصار وعجائب فعلتها المقاومة وشارك فيها جميع أبناء المدينة.. سلام على أبطالنا الشهداء والأحياء الذين تحل غدا الإثنين كما كان الإثنين 5 نوفمبر 1956 ذكرى يوم من أعظم أيام مقاومتهم وانتصارهم.. وإضافة إلى ما حكاه لى المناضل البدرى فرغلى تليفونيا عن وقائع ما حدث فى هذا اليوم الذى أطلقت عليه المقاومة يوم البطولة والاستشهاد والانتصار، أنقل سطورا عن الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد عام 1956.. الإنجاز الوثائقى المحترم لابن بورسعيد ومؤرخها أ.ضياء القاضى. أغارت الطائرات البريطانية القادمة من قاعدة قبرص والطائرات الفرنسية من فوق حاملات الطائرات على المدينة مستخدمة قنابل النابالم وركزت ضربها على منطقة الجميل والجبانة والرسوة وبورفؤاد، تمهيدا لإسقاط مظليين بتلك المناطق، لكن المقاومة الشعبية المدعمة من القوات المسلحة قاومت ببسالة.. ففى السابعة صباحا تم إسقاط كتيبة مظلات من 250 ضابطا وجنديا بمنطقة الجميل أبيدت بالكامل بعد أن استخدم الأهالى السلاح الأبيض وأدرك الأهالى مرارة الأيام القادمة من المعركة، فقاموا بتهجير النساء والشيوخ والأطفال إلى دمياط والمطرية عبر بحيرة المنزلة باللنشات والمراكب الشراعية وأغارت أسراب الطائرات على المنطقة فغرق الكثير من المراكب بركابها وعاودت قوات الغزو التحليق فى سماء بورسعيد وأسقطت مظلات وهمية تحمل دمى قماش لاكتشاف مناطق تمركز المقاومة وكثفت ضرباتها فاستشهد عدد كبير من الأهالى، ثم أسقطوا الكتيبة الثالثة من المظلات البريطانية التى كانوا يطلقون عليها «الشياطين الحمر» وقدرت بنحو 1200 ضابط وجندى، وأسقطت أيضا كتيبة مظلات فرنسية من 600 ضابط وجندى احتلت وابور المياه، وواصلت المقاومة الشعبية والقوات المتمركزة فى المنطقة التصدى لها، وأسقطت قوات مظلية أخرى عددها 400 ضابط وجندى على مدينة بورفؤاد وأبيدت أعداد كبيرة منها، وهدد القائد الفرنسى بنسف بورفؤاد بالكامل إذا لم تتوقف المقاومة عن إبادة قواته.. وأظلمت بورسعيد تماما وانقطعت المياه وارتفعت ألسنة اللهب فى جميع الأنحاء.. على العكس كما حكى البطل مهران كانت المقاومة تزداد غضبا وقوة وابتكارا لأساليب ترويع الغزاة وخطف وقتل قادتهم «مورهاوس ووليامز».. وتحويل حوائط المدينة إلى منشورات تهدد الغزاة وتتوعدهم إذا لم يأخذوا قواتهم ويرحلوا.. وصلت جرائم الغزو إلى أنه بعد القبض على البطل مهران كان فى السابعة عشرة يومها لم يستطيعوا أسره إلا بعد أن نفدت ذخيرته فى معركة القضاء على كتيبة المظلات الأولى التى أنزلت فى الجميل، ونقلوه إلى قبرص وساوموه على ما لديه من معلومات عن المقاومة، ولما رفض جميع أشكال المقاومة والإغراء انتزعوا منه القرنية ليرى بها ضابط منهم.. وكما كتبت من قبل أنه متعه الله بالصحة والعافية وعاش يبصر بنور القلب وحبه لبلاده.. من أهم أحداث 5 نوفمبر توجيه روسيا إنذارا إلى إنجلترا وفرنسا وتهديدهما بضربهما بالصاروخ الموجه إن لم يوقفا عدوانهما على مصر. بالطبع كان للإنذار الروسى أهميته وتأثيره وأضاف دعما قويا للمقاومة التى جعلت قوات الغزو تدرك أن استمرارهم فى المدينة مستحيلا.. وتعد المقاومة الباسلة لأبناء بورسعيد العامل الأساسى فى إفشال العدوان الذى خطط لضرب مصر بالقنابل ستة أيام تبدأ 31 أكتوبر وتنتهى 5 نوفمبر ليبدأ على الفور نزول قوات المظلات فى اليوم التالى الذى حددوه للغزو وهو 6 نوفمبر وليضعوا دول العالم التى ثارت ضد العدوان على مصر أمام الأمر الواقع.. ووفق التقارير التى ظهرت فى ديسمبر 1956، تسرع الغزاة وقدموا موعد إنزال المظلات إلى الخامس بدلا من 6 نوفمبر مما أحدث ارتباكات فى ترتيبات الغزو ومكن المقاومة من تحقيق ضرباتها الموجعة. سلام على مدينتى بورسعيد وعلى شهدائها وعلى أبطالها الذين أتمنى أن أوجه التحية لهم واحدا واحدا وسلام على الشيوخ الكبار من رموزها الذين يواصلون إحياء ذكرى النصر والمقاومة الباسلة، حتى لا تغيب مثلما غابت لحظات انتصار عظيم فى تاريخنا، وأرجو أن يوفق منتدى الشباب العالمى فى إحيائها من خلال طرح الأعمدة السبعة للشخصية المصرية.. الكتاب المهم للمفكر الكبير الراحل د. ميلاد حنا، ولعل ثمار فكر وأبحاث المؤتمر تعم وتفيض وتصل إلى شباب مصر كلهم، وسلام على الأجيال المتواصلة من أبناء وأحفاد صناع نصر 1956 الذين يواصلون التصدى لما حدث فى مدينتهم من تغييرات اجتماعية وإنسانية وثقافية وعمرانية، وسلام على سلالة البطولة والنصر من خير أجناد الأرض فى سيناء وعلى جميع حدودنا وثغورنا وبحارنا وسمائنا يواصلون تاريخ البطولات والانتصارات التى سيظل نصر بورسعيد 1956 واحدا من أعظمها. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد